-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
بيزنطينيون شيّدوا فيها قلعة وكنيسة ومخزنا للحبوب

مرزقلال بباتنة.. جوهرة تنام على حضارة قديمة وكنوز مخفية وأرض خصبة

صالح سعودي
  • 1124
  • 0
مرزقلال بباتنة.. جوهرة تنام على حضارة قديمة وكنوز مخفية وأرض خصبة
ح.م

يُجمع الكثير على وصف منطقة مرزقلال التابعة لبلدية الشمرة بباتنة، على أنها روضة نادرة للتمتع بمناظر الطبيعة، وهي تنتظر حسبهم من يكتشف معالمها، ومن يستغل أرضها، حيث كانت فيما سبق سلة الحبوب للسكان الأصليين ثم الرومان والاستدمار الفرنسي، كما تنام على بحيرة من المياه الجوفية على عمق 3 آلاف متر.

تعد مرزقلال آخر نقطة حدودية بين باتنة وأم البواقي، بجانب الطريق الولائي رقم 9، الرابط بين الشمرة بباتنة وعين الزيتون بأم البواقي، كما أنها منطقة حدودية من جهة خنشلة، حيث يحدها من الجنوب الشرقي كل الرميلة وقايس، وجنوبا فايس وبولفرايس. وتنتمي جوهرة مرزقلال إلى منطقة الشمرة، وأول عمل قام به الاستدمار الفرنسي خلال فترة الاحتلال حسب الأستاذ عبد الناصر بلفراق هو إنشاء مركز للدرك الوطني وبرج للمراقبة في أوائل القرن العشرين، وذلك لكون المنطقة منطقة تمرد وغير خاضعة للإدارة الاستدمارية، مضيفا أن بلدة الشمرة في الأصل عبارة عن واد أو نهر كبير أشار إليه أبو عبيد البكري الأندلسي في كتابه (المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب)، ويؤكد ذلك تسمية المدينة نفسها فهي من أصل كلمة “شمر” بكسر الميم، أي “ارفع عن رجليك وتقدم في المياه” التي تتمتع بها المدينة، وهذا الوادي تصب فيه 12 ساقية، ومنها سواقي عين البيضاء وبوعريف وظهر عمران، وتحوي مشاتي يقدر عددها ب 18 مشتة، على غرار قساس وظهر عمران ومرزقلال.

قلعة وكنيسة ومخزن للحبوب يعود إلى عهد البيزنطينيين

من جانب آخر، يشير الأستاذ عبد الناصر بلفراق لـ”الشروق”، بان سبب تسمية مرزقلال يعود إلى “مرز”، وهو مصدر مشتق من فعل “يرز”، بمعنى انكسر، أما “قلال” فهو حوض أو بركة (أي أقلال)، وما دامت المنطقة جبلية شديدة الانحدار فإن مياه الأمطار لا تستقر في الأحواض الصخرية، بل تنجرف إلى سهل المنطقة، وتعود هذه الصخرة إلى مئات السنين، حيث تدحرجت إلى المنحدر بفعل عوامل الطبيعة، ثم انشقت إلى نصفين نتيجة لتأثير الصاعقة، ونبتت شجرة “الايجيون” فيها، فسميت بذلك مرزقلال أي “شق البركة أو كسر البركة”، وهي الآن تقف بشموخ في ربوة الجبل الذي يحمل اسمها (مرزقلال)، والوادي الطويل أكثر من 15 كيلومتر من المنبع إلى المصب، ليسقي سهل مرزقلال الذي أكبر انبساط سهلي على مستوى الشرق الجزائري، بجانب سهل الشمرة وسهل الرميلة. وقد سحر بها الرومان فأنشؤوا بها مخزنا للحبوب أسموه “قاساس”، وملأ صهيل خيولهم جنبات السهول وعبرت عرباتهم طرقاتها المدوية، ولا تزال معالم آثارهم بادية. وقد اعتنى بها المعمرون الغزاة الفرنسيين، فجادت عليهم وسرقوا غلتها، وحسب الأستاذ عبد الناصر بلفراق فقد كانت مرزقلال في سبعينيات القرن الماضي “سلة الأمن الغذائي” للشرق الجزائري، مضيفا أنه كان في القرون الغابرة قبل الميلاد، خزان الحبوب، حيث أنشأ البيزنطيون قلعة وكنيسة في “هنشير كساس” على بعد 5 كيلومتر جنوب شرق مدينة الشمرة، وعلى سفح جبل فجوج “هنشير كساس” توجد إلى الآن بقايا مهمة تتمثل في قلعة وكنيسة، وهي آثار مدينة مندرسة تحت أطنان من التراب. في المكان المسمى “قاساس” أو”كاسيوس”، كما أشار إليها المؤرخ الأثري ستيفان قرال، فهو همزة وصل بين ثيموقادي (تيمقاد) و”تيفاست” (أي تبسة)، كما يوجد إلى الآن حسب الأستاذ عبد الناصر بلفراق نفق أرضي بين مرزقلال وتبسة استخدمه الرومان فيما مضى، واكتشفته مؤرخة فرنسية وكاتبة مولودة بالشمرة تسمى ليليان “Liliane” في كتابها La Chaouia D’auvergne الصادر عن دار النشر القصبة، إلا أن مغادرتها لمرزقلال سنة 1944 جعل الناس ينسون معالمها إلى اليوم، وهو متواجد في قرية “آل فرطاس”.

العثور على تحف أثرية وعملات نادرة.. ومغارة الداموس لا تزال غامضة

توجد في مرزقلال أيضا مغارة “الداموس” التي تمتد لأزيد من كيلومترين داخل الجبل الشاهق بين الصخور، لتخرج على جبال “لغراس”، وهي مغارة عميقة تعود لأزمنة ماضية، بالإضافة إلى وجود شجرة “الايجيون” (الضرو) العملاقة في قمة جبال مرزقلال، عمرها مئات السنين، تتحدى الزمان وعوامل الطبيعة. ومغارة الداموس اللغز مقفلة حاليا أمام المغامرين، وهي عبارة عن نحت صخري عميق وغائر، يمتد في بطن جبل مرزقلال الشامخ، ليخترقه من الجهة الشرقية وصولا إلى الجهة الغربية المقابلة، وهي عبارة عن مغارة وكهف صخري يمتد في بطن جبل مرزقلال لأزيد من كيلومترين، لم يستطع أحد الدخول إلى المغارة، باستثناء بعض الشباب المغامر، والذي نزل أحدهم بواسطة الحبال إلى عمق متقدم، ليكتشف أغراضا قديمة، عبارة عن نحوت وأدراج، ووقف على انطفاء الشموع بمجرد الغوص في العمق بسبب غياب الهواء. من جانب آخر، وحسب شهادة الأستاذ بن مرزوڨ عبد الرحمان، وهو باحث في علم الآثار، فقد عثر أحد إطارات الشباب المدعو عيساوي لحسن على تحف أثرية ذات أهمية تاريخية، تتمثل في كمية من العملات وإناءين من الفخار الأمازيغي. فالعملات لا تبدو في حالة جيدة، نظرا للفترة الطويلة التي مرت عليها طوال هذه المدة، كما أن طريقة الحفر كانت بطريقة كلاسيكية، وذلك بواسطة آلة الحفر، وبالتالي كان الاكتشاف صدفة، وبعد الدراسات الأولية لهذه العملات تبين بأنها من مادة الرصاص، ويعود تاريخها إلى عهد ماسينيسا، وتحمل على الوجه الأول صورة لشخص ذو لحية طويلة وشعر رأسه مجعد وكثيف، أما الوجه الثاني يحمل صورة لحصان يركض، وأسفله يوجد حرفان (م ن) من حروف اللغة البونية، هذه اللغة التي ظهرت شمال إفريقيا خلال القرن الثالث قبل الميلاد.

وبعيدا عن الشق التاريخي الطويل للمنطقة، فقد اقترن اسم مرزقلال بالفلاحة، وخاصة شعبة إنتاج الحبوب وشعب أخرى اشتهرت بها، لكن حسب ممثلي الفلاحين فإن مرزقلال فلاحية على الورق فقط، بسبب ضعف الإمكانات المتاحة، لكن القائمين على قطاع الفلاحة متفائلون بتغير وجه مرزقلال، من خلال المشروع الضخم لري 17 ألف هكتار، وإعادة بعث خدمة الأرض عن طريق تحويل المياه من سد بني هارون نحو سد تيمقاد. ويراهن الكثير على مشروع تحويل مياه سد بني هارون نحو سد كدية لمدور بتيمقاد الذي سيغير حسبهم وجه مرزقلال والشمرة وبولهيلات في السقي الفلاحي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!