-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مرّة أخرى.. فتنة القيادات الزّائفة

سلطان بركاني
  • 1158
  • 3
مرّة أخرى.. فتنة القيادات الزّائفة

في عام 919هـ/ 1513م، هاجم الغزاة البرتغاليون مدينة “عدن” جنوب اليمن واحتلّوها إثر معارك غير متكافئة مع الأهالي الذين اضطرّ بعضهم إلى الهجرة، بينما بقي كثير منهم في ديارهم يكابدون نير الاحتلال، وزاد محنتَهم أنّ بعض الدّول المجاورة تواطأت مع البرتغاليين سرا بينما كانت تُظهر إدانة الاحتلال، وكان البرتغاليون من جهتهم يهاجمون تلك الدول علنا ويلتقون ممثليها سرا، لكنّ مقاومة بعض العدنيين وإصرارهم على حرب المحتلّ أوجعت الغزاة كثيرا رغم أنها لم تكن منظّمة.. فما كان من العملاء السريين من السلاطين المجاورين إلا أن نسجوا خطة ماكرة لوأد المقاومة بالتّنسيق مع البرتغاليين وتحت رعايتهم السامية!

انتدب العملاء شابا في الثلاثينيات من عمره يدعى”عبد الرؤوف أفندي”، وأطلقوا عليه اسما ثوريا رنانا هو “ياسين”، بعد أن ادّعى النّسب الحسينيّ!.. لم يكن العدنيون يعرفون “ياسين” هذا، ولم يكن لديهم الوقت للتّنقيب عن سيرته ولا للتّساؤل بعد ذلك عن مصدر المال والسّلاح الذي كان يُغدق عليه! خاصّة أنّه نادى بحمل السّلاح الذي قال إنّه اللّغة الوحيدة التي يفهمها العدوّ.. انقادت خلفه الحشود، وهتفت له الحناجر، وبعد عدة معارك متفق عليها مع الغزاة المحتلّين، بوساطة السلاطين، شاع ذكره، وأصبح الكلّ يلقّبه بالزعيم! في الوقت الذي كان فيه الغزاة يتظاهرون بعداوته ووصفه بالمخرّب، ويوقعون المجازر بالمشرّدين واللاجئين بذريعة الحرب على جماعته.
نادت أوروبا إلى مؤتمر عالمي عاجل من أجل السلام في عدن! ودعت الزعيم “المجاهد” ياسين إلى حضور “سلم الشجعان”، فقبل! وتحدّى البرتغاليين المحتلّين أن يحضروا.. تظاهرت البرتغال في البداية برفض المؤتمر، لكنّها قبلت أخيرا، وتمّ كل شيء كما خُطِّط له.. أعلن ياسين حكومة محلية، واعترف بحقّ البرتغال في عدن التي قسّمت إلى قسمين؛ قسم يحكمه العميل ياسين ويتبعه اللاجؤون والفقراء، وقسم آخر يحكمه المحتلّ البرتغالي، ويحوز النصيب الأكبر من الأرض والثروة!.. هنا ظهر لأهل عدن أنّ “ياسين” المجاهد والمقاوم، لم يكن سوى عميل يؤدّي دورا قذرا في التّمكين للغزاة.. تفطّن العدنيون إلى الأمر، لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن رسّخ الغزاة أقدامهم في أرضهم، وأصبحت قضيتهم شبه مطوية.. وظلّ الأمر على هذه الحال حتى جاء العثمانيون سنة 945هـ/ 1539م وطردوا البرتغاليين من المنطقة.
هذا المشهد التاريخيّ البائس تكرّر ويتكرّر كثيرا في واقع أمّتنا العربية والإسلاميّة في العقود والسّنوات الأخيرة؛ ليس فقط في حقّ بعض الجماعات التي تُصنع أو تستدرج إلى العمل لصالح المحتلّين بوساطة هذه الدّولة أو تلك، ولكن أيضا في حقّ بعض الأنظمة التي طالما تغنّت بشعارات القومية والعروبة، وخاض بعضها معارك استعراضية خاسرة مع المحتلّين، أدّت إلى نكسات سمّيت انتصارات، وأُغدقت على قادتها ألقاب البطولة وعلّقت لهم النّياشين وصفّقت لهم الجماهير طويلا، كما تكرّرت قصّة البطل “ياسين” في حقّ أدعياء الممانعة الذين أشبعوا الأمّة شعارات رنانة وخطابات حماسية، بدأت بتسمية أمريكا بـ”الشيطان الأكبر” وتهديد الكيان الغاصب برميه في البحر، ولم تنته بالدّعاء على أمريكا والصهاينة بالموت والويل والثّبور.. وكما دخل البطل “ياسين” في معارك استعراضية مع الغزاة المحتلّين، فقد دخل أدعياء الممانعة في مناوشات عابرة مع الأعداء المحتّلين يُختار توقيتها بعناية للتّغطية على إثخان “الممانعين” في دماء الأبرياء من أبناء الأمّة.
لقد ظلّت الجماهير المطحونة تهتف لرموز هذا المحور لعقود متوالية، لكنّها لم تر لجعجعتهم طحينا، ولم تر منهم سوى التباهي بتلقّي الضّربات –غير الموجعة- من الأعداء، والسّعي لتحقيق مشاريع طائفية مقيتة على أنقاض دويلات أمّة الإسلام، بتنسيق علنيّ مهين مع العدوّ الرّوسيّ، وتنسيق غير مباشر مع العدوّ الأمريكيّ الذي يتقاسم الأدوار ويفاوض العدوّ الروسيّ على اقتسام كعكة الأمّة المسلمة.
الصّهاينة والصّليبيون، ينشدون مصالحهم ويتطلّعون إلى تحقيق مشاريعهم، على ظهور العملاء البلهاء، وبخناجر الطائفيين المتوثّبين الذين يتقنون تمثيل الأدوار ودغدغة المشاعر، وليس بالضّرورة أن يحصل الاتّفاق والتواطؤ على الأدوار وحدودها بين المحتلين وأدعياء الممانعة دائما؛ فيكفي أن تتقاطع الأهداف في إشغال الأمّة بعضها ببعض وفي تنفيس الاحتقان الإسلاميّ بالشّعارات والقيادات الزّائفة.
الأعداء المحتلّون مهتمّون بإعادة استنساخ تجربة القائد ياسين، مع بعض التّعديلات الضرورية، برعاية أنظمة يكفي أن تقلَّب صفحاتُ التاريخ لمعرفة حقيقتها التي تحاول تغطيتها بشعارات “المقاومة” و”الممانعة”، لكنّهم دائما ما يضعون خطوطا حمراء لا يقبلون تجاوزها لأيّ “ياسين”، وفي حال حصل وتجاوزها، فإنّهم يتدخّلون لتأديبه وتذكيره بحجمه الذي لا ينبغي له أن يتجاوزه، وربّما ينتشي هذا الـ”ياسين” وهو يتلقّى ضربات التّأديب ويعلن أنّه “مغضوب عليه” لدى الأعداء لأنّه مقاوم وممانع، ويعود إلى استكمال دوره الذي رسمه له المتربّصون بالأمّة بأيدي أنظمة يشي تاريخها بحقيقة واقعها ودورها.
أعداء الأمّة يعرفون جيّدا المقاومين والممانعين الحقيقيين الذين يتحرّكون لدينهم وأمّتهم وليس لصالح أيّ مشروع طائفي أو قومي، لذلك فهم لا يقبلون أن ينشأ في الأمّة “ياسين” صادق يتبنّى مشروع الأمّة، ويسعون –أي الأعداء- جهدهم لتشويه صورته وإنهاء وجوده، وما فعلوه بالقائد الفذّ أحمد ياسين -رحمه الله- خير مثال لذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • احمد

    بارك الله فيك وفي فيك وسدد ذؤابة قلمك الى صدور الظالمين
    نريد مساهمتك في مساهمتك في تنوير الشروقيين في موضوع اهل السنة والجماعة المثار مؤخرا
    وفقك الله

  • nacer

    من مدة قتلك لازم تزور طبيب نفسي فأنت أصبحت تهذي بالمقاومة و الممانعة لكن لا تذكر ببنت شفة أسيادك ال سلول

  • جزائري

    بارك الله فيك على المعلومات مقال رائع