-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشاعر “رقمية” برسائل الكترونية!

محمد حمادي
  • 706
  • 3
مشاعر “رقمية” برسائل الكترونية!
ح.م

السيول الجارفة من رسائل “المُعايدة الالكترونية” التي تبادلها الجزائريون في ما بينهم ليُهنّئوا بعضهم البعض بحلول عيد الفطر المبارك، أظهرت حجم “الاغتراب الاجتماعي” في هذا البلد، وابتعاد ساكنته عن واقعهم، فاستوطنوا العالم الافتراضي وأضحى تواجدهم به “مرضيا” إلى حدّ الإدمان، ليتحوّلوا إلى مجرّد كائنات خاملة وكسولة لا تقوى حتى على تحرير رسالة الكترونية “صادقة” بواسطة الحاسوب أو الهاتف النقال لتبعث بها إلى الأهل والأحباب والأصدقاء، مهنئة لهم بقدوم عيد الفطر، بل أصبح الجميع يُعايد الجميع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستعينا برسائل “القصّ واللّصق”!
لكن لماذا تحوّلت قيم الودّ والحبّ والإخاء والتضامن في هذا البلد إلى مجرّد مشاعر “رقمية”؟ إلى هذا الحد قضت مواقع التواصل على الروابط الاجتماعية ونسفت كلّ قيمنا؟
الحقيقة، هي أنّ التواجد “المرضي” عبر مواقع التواصل الاجتماعي في بلادنا، أنتج كائنات خاملة وكسولة تستهلك كل شيء بدون غربلة أو تمحيص، والأعقد من ذلك أنّها شهدت ميلاد 40 مليون مدرب ومحلل و40 مليون مفتٍ و40 مليون طبيب…، يخوضون في كلّ شيء، وينتقدون كلّ شيء ولا يعجبهم العجب العجاب، محاولين بذلك إثبات وجودهم في العالم الرقمي أكثر من الواقع المضرج بمختلف الهموم والمشاكل!
الرسائل الرقمية قضت على الروابط الأسرية ونسفت قيمة دينية اسمها صلة الرحم، التي لم تُقطع فحسب، بل اجتثت من الأعماق مادام الجميع يتبادل التهاني والتبريكات عبر مواقع التواصل، أما قطع أميال لزيارة هذا أو ذاك أضحت استثناء في زمن “فايسبوك”، لتتحوّل المعايدة بين الجزائريين إلى مجرّد رسائل الكترونية تحوي بضع كلمات مختصرة ومليئة بالأخطاء، خالية من الشحنة العاطفية، نصوص لم يكلّفوا نفسهم عناء كتابتها، بل أرسلت لهم ليعيدوا هم تحويلها إلى آخرين، بأخطائها لأنهم لم يمحّصوا محتواها ولا الأشخاص المستهدفين من خلالها، فأنّثوا المذكر وذكّروا المؤنث، وما خفي كان مضحكا وغريبا!
نحن نعيش حالة من الاغتراب الاجتماعي، فالجميع يعيش منعزلا عن الجميع، يُبحر في عوالم من الخيال، فيتواصل افتراضيا ويهنئ افتراضيا، ويفرح افتراضيا ويحزن افتراضيا، حتى رسائل التهاني عبر الهاتف المحمول تكاد تنقرض، وسيأتي زمان تغيب فيه المعايدة الهاتفية.
للأسف، لقد ولّى بلا رجعة، ذلك الزمن الجميل الذي كان فيه الأهل يوّقرون الكبير فيجتمعون في بيته، حتى صار ملتقى عنوانه لمّ الشّمل ونبذ الفرقة وإزالة وحر الصّدر بين المتخاصمين، إلا أنّ التكنولوجيا التي فجّرت أطر الزمان والمكان، أرّخت لنوع جديد من البشر أطلق عليه المفكر علي حرب اسم “الإنسان الرقمي” أو”الفاعل الميدائي” الذي لم يعد يتلقف المعلومة فقط بل صار أحد صنّاعها، فألغى بذلك وصاية العقل النخبوي على الشؤون العامة، وأضحى يناقش هو الآخر كل المسائل التي تشكل الصّالح العام، وينافسهم على تقديم الحلول، فضلا عن تسيير شؤون حياته بواسطة الشبكة العنكبوتية.
لكن لا ينبغي لنا أن نلصق كل مآسينا بالأنترنت، لأننا نحن من يتحكّم فيها ويجعلها أداة بناء لا معول هدم، فسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أنتج أشخاصا خاملين يستهلكون كل ما ينشر على هذه المواقع بدون فحص أو تمحيص، والأخطر من أن هذه الممارسات أصبحت تعطل مستويات الإدراك لدى أفراد المجتمع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • واحد من الناس

    رسائل التهنئة الجاهزة ( القص واللصق) والمعلبة التي يتم ارسالها بكبسة زر واحدة شيء بغيض ومهين وهي لا تعكس بتاتا احترام وتقدير المرسل اليهم فمن تحترمه وتقدره وتفكر فيه حقا لن تبخل عليه بتخصيص دقيقة من وقتك لارسال رسالة خاصة باسمه ان كان بعيد لا ان تجعله مجرد رقم ضمن قطيع من الناس ( فاذكروني اذكركم ) كيف تكون شيئا هامشيا في الحياة والله بعظمته يذكرك !

  • عيد مبارك بالكرامة و الهناء

    هناك من لم ينجح في حياته و بلغ من العمر ما يجعله يستحي ليظهر وجهه لأقربائه ، سواء في الأعياد و المناسبات أو في كل يوم و في كل الأوقات ، فالموضوع ليس بهذه البساطة هناك من يشعر بنجاحه عندما يرى فشل الأخرين من حوله ( مصاصين الدماء مصاصين معنويات يشحنون طاقتهم على حساب غيرهم ) ليس الحل في صلة الرحم ولا هو المشكل الحقيقي في عدم صلة الرحم وليست المشكل في الأنترنات ، كل هذه سطحيات ونتائج تراكمت في الواقع بأشكال مختلفة و بـ نسب متفاوتة ، الكرامة يا ناس الكرامة هي الحل الغائب الذي يعالج كل المجتمعات

  • صلة الرحم حالة شخصية

    الإنسان لا يتشابه من حيث قدراته
    العقلية والمعنوية والجسدية
    والخوف أخذ النصيب الأكبر من مساحة عواطفه
    الخوف كالبحر الذي يحاصر اليابسة
    وكل الطرق تأدي إلى البحر
    فهذا إنسان هرب من الفقر بسبب خوفه
    وذاك إنسان سقط في الفقر بسبب خوفه
    فالأول خرج من قوقعته برغم خوفه من فقره تجرء وتمرد
    والثاني دخل في قوقعته برغم خوفه من فقره لم يتجرء ولم يتمرد
    لكنه الأول لولا غبائه وبرودة عواطفه لما أستطاع أن يتجرء و يتمرد
    لكنه الثاني لولا ذكائه ودفئ عواطفه لما أستطاع أن يتراجع و يتردد
    وبرغم كل ماسبق هناك محظوظ و منحوس
    نحن في زمن العبيد يعيشون و يتمتعون و الأسياد يتفرجون