-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشكلتنا.. هل هي مادِّية؟

الشروق أونلاين
  • 235
  • 0
مشكلتنا.. هل هي مادِّية؟
ح.م

لا يمكن تقزيم ما يُكتب في الشعارات المتعددة خلال المسيرات المليونية أو اعتبارها مجرّد تسلية أو بوح، بما كان تحت الرقابة أو الحجْر، ولا يمكن التعويل كثيرا على صبر الناس بعد انسحاب أو هروب رموز الفساد في البلاد، وانتظار التزامهم الكامل بالقوانين، فالأمة -حتى لا نخدع أنفسنا – عاثوا في أفكارها فسادا على مدار عقود من الزمن، وليس في عهد الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، فكانوا ينوِّمونها ويخدّرونها حينا، ويوقظونها أحيانا أخرى في غير المكان ولا الزمان الذي يجب أن تستيقظ فيه، حتى اختلط على الناس الصالحُ بالطالح والجيِّد بالسيء والفاضل بالرديء وحتى الرئيس القادر صحيا وذهنيا على قيادته والذي لا يتكلم ولا يرى ولا يسمع ولا يفكر.

قرأنا في كتب التاريخ كيف فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة المكرّمة، وكيف انتصر على أهل قريش، فحينها ظن غالبية الصحابة بأن النصر قد تحقق، وبأن زمن التمتع بالغنائم قد حان، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصف الجهاد الذي تمثل في غزوات ومعارك، بالجهاد الأصغر، واعتبر ما هو قادم من معارك التشييد وبناء أسس الدولة وتطبيق القانون بالجهاد الأكبر، وهو الجهاد الذي أهملته الجزائر بعد الاستقلال وظنت بأن استرجاع السيادة كاف لأجل تحقيق النمو والازدهار، وبدلا من الالتفات إلى أساسيات قيام الدولة القوية، ظلت تتغنى بما قامت به في الثورة وتصف نفسها وشعبها بالعظمة، ثم اكتشفت ريع النفط فسكرت وأسكرت الشعب معها، ودخلت دوامة من المشاكل المادية بالخصوص التي كلما تراجع فيها سعرُ برميل النفط، كلما علا صوت الاحتجاجات من سنة 1988 بعد الصدمة البترولية العنيفة، إلى غاية الوقت الحالي.

لقد عدَّت الجزائر منذ اندلاع الثورات العربية، ما لا يقل عن خمسة عشر ألف احتجاج في السنة، وكانت للأسف جميعها من دون استثناء مجرَّد مطالب مادية لم يُطرح فيها أبدا المشاكلُ الأخلاقية التي أدت إلى ظهور الفساد وتمكُّنه من الكيان الجزائري، وقد يكون الحراك الحالي -إن تواصل بسلميته ورقى مطالبه وترفّع وزهد مؤطروه- فرصة العمر بالنسبة للجزائريين ليخلعوا نهائيا ثوب المادية من مطالبهم التي جعلت الطلبة الجامعيين يثورون من أجل وجبة الإطعام والغرفة المجَّانية والنقل ولا يثورون على انهيار الجامعة الجزائرية التي تحتلُّ الدرك الأسفل في ترتيب جامعات العالم، وجعلت الأساتذة والأطباء والمهندسين لا همّ لهم سوى زيادة المرتبات والمنح وما شابه من ماديات، وجعلت أبناء الشهداء والمجاهدين يسعون للحصول على السيارات وغيرها من المزايا المادية، ويضيع الجانب الأخلاقي في مطالب العمال والطلبة والنقابات وكأننا شعبٌ يعيش ليأكل، ويأكل فقط.

لا مفرَّ للحراك الشعبي أن يأخذ بُعدا أخلاقيا في بدايته، فكل الثورات العملاقة التي أفرزت دولا كبرى، سارت على السكة الأخلاقية كما هو الحراك الحالي، وكما صرنا نشعر بالحساسية كلما ذُكر أمامنا اسمُ أحد الفاسدين من السلطة، علينا أن نتحسَّس أيضا من الفساد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!