-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مصائب لبنان

جمال لعبيدي
  • 223
  • 0
مصائب لبنان
ح.م

الفاجعة التي عصفت بلبنان، نتيجة انفجار 04 أغسطس بمرفأ بيروت، جرى على الفور تضخيم بُعدها المأساوي واستغلاله. كانت مأساة فظيعة حقا، وزادت من معاناة هذا البلد الذي نحبه كثيرا. ومع ذلك، المشكلة الحقيقية ليست هنا وسبب مصائب لبنان لا يكمن هنا.

الاثنين 31 أغسطس: عاد الرئيس ماكرون لتفقُّد أحوال لبنان. كان وزير الخارجية الفرنسي قد سبقه إليه، في 23 يوليو، ووجّه للحكومة اللبنانية إنذارات وأوامر بشأن “إصلاحات منتظرة منذ مدة أطول من اللازم”. وفي الفاتح من سبتمبر، ذهب الرئيس ماكرون إلى حد الإعلان بنفسه عن ” تشكيل حكومة لبنانية خلال أسبوعين”.

الفاجعة التي عصفت بلبنان، نتيجة انفجار 04 أغسطس بمرفأ بيروت، جرى على الفور تضخيم بُعدها المأساوي واستغلاله. كانت مأساة فظيعة حقا، وزادت من معاناة هذا البلد الذي نحبه كثيرا. ومع ذلك، المشكلة الحقيقية ليست هنا وسبب مصائب لبنانلا يكمن هنا. لقد أصيبت الفيتنام، خلال تصديها للعدوان الأمريكي، بعدد من القنابل يفوق مجموع القنابل التي تم إلقاؤها خلال الحرب العالمية الثانية بأكملها، لكنها بقيت مرفوعة الهامة وانتصرت، وها هي تعدّ اليوم بلادا ناشئة تصدِّر ما قيمته 60 مليار دولار.

المشكلة هي مشكلة كرامة، والكرامة تحمل، على صعيد السياسة والاقتصاد، اسمي الاستقلال والسيادة.

يوجد بين النخب اللبنانية الحاكمة عددٌ كبير من حاملي الجنسية المزدوجة، الفرنسية- اللبنانية، وهؤلاء يقضون أوقاتهم بين باريس وبيروت: كيف يمكنهم وضع أنفسهم في خدمة تنمية بلادهم؟ إن لبنان لا يهمهم سوى بمقدار الفائدة التي يستطيعون جنيها منه، والتي يحرصون، في أحيان كثيرة، على استثمارها في القطاع العقاري الفرنسي، نظرا لقلة ثقتهم في بلادهم. هذا واحدٌ من العوامل الهامة التي تجعل من نشاط البنوك النشاطَ الرئيسي في لبنان حتى بات يطلق عليه “سويسرا الشرق الأوسط”. من ناحية أخرى، كلما ظهرت مشكلاتٌ ومخاطر معينة في لبنان، كالمواجهات المسلحة أو التوترات الأهلية أو الاعتداءات الإسرائيلية، أسرع قسمٌ من النُّخب إلى الهروب إلى فرنسا حيث يعلنون بصوت عال عن حبهم للبنان. والنتيجة، بالنسبة لبقية السكان، وخاصة الشبان منهم، هي تزايد هجرة الكفاءات نحو بلدان العالم، لاسيما نحو المستعمرات الفرنسية السابقة، حتى بات عدد اللبنانيين خارج لبنان أكثر مما بداخله. وأصبح لبنان شاهدا على أن ازدواجية الجنسية لا تمثِّل أبدا سبيلا إلى الكرامة بالنسبة لبلد ما، وإنما تمثل واحدا من السبل الرئيسية لهجرة الكفاءات منه، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. لحسن الحظ، هناك قوى وطنية في لبنان بين المسلمين والمسيحيين على السواء، وهي القوى المستهدَفة بكثرة في فرنسا وإسرائيل ومنها حزب الله بصورة خاصة.

إن سبب المشاكل المتكررة للبنان يكتسي، مع ذلك، عمقا أكبر مما ذكر. إنه سبب بنيوي، أصلي. لبنان ليس بلدا من الناحية التاريخية بل دولة. وهذه الدولة تكاد تكون، من الناحية الاقتصادية، غير قابلة للعيش بإمكاناتها الذاتية. البلاد الحقيقية، البلاد التاريخية هي “بلاد الشام”، بلاد اللبنانيين والسوريين والأردنيين والفلسطينيين في آن واحد. لقد انتهز الاستعمارُ الفرنسي والبريطاني فرصة انهيار الإمبراطورية العثمانية لتفتيت هذه البلاد عملا بالمبدأ المعروف “فرِّق تسد”، ثم جاء إنشاء إسرائيل لاستكمال ذلك المسار. ونفس السياسة مستمرة إلى اليوم، أي تفتيت العالم العربي.

إن خلق الدولة الطائفية في لبنان قد استغِل لتقسيم المنطقة وحرمانها من عامل وحدتها الرئيسي، وهو الهوية العربية المشتركة بين المسلمين والمسيحيين. واليوم تأتي فرنسا الرسمية وتدعو إلى دولة علمانية في لبنان: لقد بلغ السيل الزبى!

غداة عودته إلى فرنسا، يوم 04 سبتمبر، منح الرئيس ماكرون الجنسية الفرنسية لأشخاص ينحدرون من المستعمرات السابقة، من بينهم أفراد من بلاد المغرب، في حفل رسمي بالبنطئون، مقام القومية الفرنسية بامتياز. وفي الخطاب الذي أراد أن يضفي عليه التفخيم، أعلن بقوة للفرنسيين الجدد أن هذه الجنسية التزامٌ كامل إزاء فرنسا وانتماء إليها بكلِّيتها، بكافة مراحل تاريخها، دون استثناء لحظة واحدة، وبهويتها كاملة غير منقوصة، دون إغفال حتى التأكيدعلى أن اللغة الفرنسية أيضا وطنهم. لا يمكن أن يكون أوضح من ذلك. والعبرة لأنصار الجنسية المزدوجة.

في عهد الإمبراطورية الرومانية، ذهب العديد من “البرابرة” إلى روما مفتونين بالحضارة الرومانية، فكانوا يحاولون إتقان التحدث باللاتينية على أمل أن يصيروا رومانيين. وما إن ظهرت المصاعب الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية في عاصمة الإمبراطورية وتفاقمت حتى تحوَّل هؤلاء إلى كبش فداء وأولى ضحايا المذابح.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!