-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مطالب الحَراك وصندوق الانتخاب الرئاسي

وليد بوعديلة
  • 346
  • 0
مطالب الحَراك وصندوق الانتخاب الرئاسي
ح.م

ما تزال الجزائر تبحث عن منافذ للخروج من المأزق السياسي، وقد اتضح المشهد للجميع، بين شعب يريد تغييرا جذريا للنظام، وسلطة لا تجد الحل إلا في تنظيم سريع للانتخابات الرئاسية، فجزائرنا إلى أين؟

مواقف مختلفة لمشهد جزائري

تختلف وتتعدد الحلول والرؤى حول الراهن، ومهما تكن الاختلافات في المواقف  فيجدر الوقوف عند النقاط التي تجمعنا وتوحدنا، عبر الترويج والتسويق لها، ومناقشة نقاط الخلاف بصدق وموضوعية،  لكي لا نقع في الفتن ولا نفتح الأحقاد، فوطن الشهداء ينتظر منا الوحدة وليس الفرقة، والاجتماع والحوار وليس التعارك والتقاتل والشقاق، ترقبا للحظة الأمل القادم..

يقول الدكتور عمار طالبي: “كل ليل يعقبه صبح، وكل ظلام يعقبه نور، وكل استبداد تأتي بعده حرية، ونحن لا محالة نستبشر خيرا، ونعقد في أنفسنا أملا، فإن الشعب لا يهدأ له بال، إلا إذا لاح الفجر الصادق وشعر بصدقه وتحقق، برجال له وطنيين، يضحون بأنفسهم وأوقاتهم من أجل حرية الوطن” (جريدة البصائر، عدد 974).

نعم، نترقب الأمل في الحل النهائي للأزمة، وهو الأمل ذاته الذي ترقبناه، منذ سنوات عندما كان الفساد متحالفا مع نظام الاستبداد، وكنا ننتظر تحركا شعبيا سلميا جزائريا، قصد تغير الأوضاع السياسية المتعفنة، ومما كتبناه في زمنٍ مضى: “على السلطة أن تغير ممارساتها وتفتح لهذا الوطن أبواب الحرية والديمقراطية، وتترك أبناءه يشيّدون دولة قوية تنافس أقوياء العالم تفكيرا وممارسة وليس بشعارات زائفة تسقط كأوراق الخريف بسقوط أسعار البترول.. ومع هذا الراهن الصعب علينا أن نفتح منافذ للأمل الجزائري والعربي في الانتقال الديمقراطي والتطور المدني والحضاري”.

 مؤسسات وفساد متعدد

وبعد مرور يد الحساب والعقاب على كثير من وزاراتنا وصل الدور على وزارة الشؤون الخارجية، لفتح ملفات الفساد، إذ بدأ البحث في نفقاتها ونفقات البعثات الدبلوماسية في الخارج، وتحدثت مصادر إعلامية عن تحقيقات ستفتح عن الكثير من الموظفين، قبل عمليات التغيير التي تمس السفراء والقناصلة وغيرهم، وقد طلبت أجهزة الوزارة من البعثات الدبلوماسية تقديم تحقيقات في التسيير للمصاريف والممتلكات عبر العالم، في ظل تضخيم مشبوه للنفقات وفي ظل غياب جزائري رهيب عن المحافل الدولية، ومعاناة المغتربين والمسافرين للخارج مع إدارات السفارات الجزائرية، وغياب للتسويق الثقافي والسياحي الجزائري..

ومن أخبار عصابات الوزراء والولاة في العهد البوتفليقي، جاء خبر استكمال النائب العام لدى مجلس قضاء وهران التحقيقات القضائية الخاصة بملف نهب العقار بوهران وتلمسان، والمتهم فيها الوزير السابق عبد الغني زعلان وإطارات وبرلمانيين ورؤساء بلديات ومسؤولين على قطاع العقار والقائمة طويلة..

القضية السابقة تتعلق بنهب نحو 600 قطعة استولت عليها مافيا العقار بوهران، وعند التحقيق تم الكشف على  ممتلكات رهيبة للمتهمين من العقارات والأموال والجواهر، وبروز الثراء الفاحش لإطارات عديدة في الولاية، وهو ما كشفته المصالح الأمنية القضائية.

مبادرات وحوار.. لكن

وفي المشهد السياسي يتواصل الحوار والبحث عن التوافق، كما طالبت كل التشكيلات السياسية المتحاورة مع لجنة الحوار والوساطة بإبعاد رئيس الحكومة بدوي، لكن الغريب هو ما تعرضت له اللجنة من نقد أليم وتعدي وضرب وطرد، وتهديد بالقتل (صرح السعيد مقدم عضو لجنة الحوار بتلقيه تهديدا بالقتل).

ونحن قد نختلف معها ومع أعضائها ومواقفها، لكن في سياق حضاري سلمي، لا يشوِّه الحراك الشعبي، ولا يحوِّل النقاش من رفض النظام لرفض المبادرين بالحلول والمقترحات، وفيهم الشرفاء الوطنيون الذين عارضوا النظام البوتفليقي.

وإذا سمحنا بهذه الممارسات فنحن نكرِّس حالة غريبة، وهي التعدي على كل صاحب رأي يخالفنا، وهنا سيتهجَّم أصحاب قوى “البديل الديمقراطي” على قوى المجتمع المدني، وسيهجم الطلبة على قوى أحزاب المعارضة، وسيتعدى المحامون والقضاة على الأطباء والمعلمين، وسيتهجم أساتذة الجامعات على الشخصيات الوطنية، وهكذا، لندخل في الجنون ونكتب الفتن ونترك أحزاب الموالاة تطبِّل للنظام وتعود إلى الواجهة لتواصل كتابة خرابها وفسادها.

الحكمة.. الحكمة

لنتفق بأن الجميع يدعم الحراك الشعبي، ويريد له الانتصار، لتحقيق مطالبه المشروعة وحل الأزمة، مع وجود كل الحريات الجماعية والفردية، السياسية والثقافية والفكرية، في إطار دولة القانون، فالوطن يحتاج للحكمة اليوم قبل كل شيء.

وقبل أيام أعلنت فعاليات المجتمع المدني مقترحات للخروج من الأزمة، وفيها دعم للحراك السلمي الوطني، وتفاعل مع مختلف المبادرات الوطنية المتعددة، وأكدت على:

– الدفاع عن الحقوق والحريات (مثل حق تأسيس الأحزاب والجمعيات، حق التظاهر، حرية التعبير…).

– التمكين للسادة الشعبية عبر مسار انتخابي حر ونزيه بتوفير الآليات والضمانات اللازمة.

– دعم الحوار الجاد والمسؤول الذي يقتضي اعتماد إجراءات بناء الثقة الغائبة (الإفراج عن معتقلي الرأي، رفع التضييق عن الفضاءات العمومية…).

تحتاج المرحلة الجزائرية الحالية للحكمة والعقلانية وقراءة التاريخ السياسي، والانفتاح على التجارب العربية والدولية في التحول السياسي، لتجنب كل خطأ، مع الحذر من أصوات الفتنة والتفريق، ونريد وقفة وطنية واحدة للمساهمة في كل حوار جاد بناء.

نريد توقيف كل صوت قادم من أوكار المافيا والعصابات (هي تواصل نشاطها بتجارة منظمة للأسلحة، المخدرات، التهريب… لكن قوات الجيش والأمن المختلفة تتصدى لها بيقظة عالية)، فهل تأتي الضمانات قبل إجراء الانتخابات الرئاسية؟ ومن سيترشح إن قرر الشعب عدم الانتخاب؟ وما السبيل للوصول لانتخابات نزيهة حرة؟ إن الشعب يريد ضمانات وإجراءات التهدئة، ولا داعي للتعطيل وخسارة الوقت.

عن الفرح الشعبي الناقص..

إذن فرح الشعب بمحاربة الفساد، لكنه فرح ناقص، لأن شعبنا  سيفرح أكثر بمواصلة الحل السياسي وتحقق التغيير والتحرير الكامل، ونجاح حراكه السلمي، لقد كتب الصحفي حسان زهار كلمات تختصر كل تعبير عن الراهن يقول: “لقد أحدثت عملية إدخال رموز العصابة إلى السجون نقلة نوعية في تاريخ الدولة الجزائرية، لا يُدرك معناها ولا قيمتها إلا بعد سنوات طويلة، فليس سهلا أن تنتقل من دولة “الزريبة” أو دولة قهوة عمي موح، اسرق وانهب وروح، إلى دولة يخشى فيها المسؤول أن يُقاد إلى السجن على غرار أسلافه الفاسدين. إذا كان سيف القانون قد ظل مسلطا على رقاب البسطاء وحدهم من المواطنين، فإن الأمل الكبير، هو أن يسلط هذا السيف الجبار على المسؤولين أيضا.” (الشروق اليومي 27 أوت 2019، ص5).

وهنا تكون العدالة هذا الفيصل وهي الملاذ لكل الجزائريين لكشف شبكات الإجرام والعصابات، في ظل الاتحاد الموجود بين بؤر الفساد في المؤسسات وشبكات التخريب المالي الاقتصادي والنهب والاختلاس، لتساهم العدالة في إرجاع الأموال والعقارات المنهوبة، في ظل حوار جاد صادق، وليس حوار التطبيل والتسويق لرؤى السلطة وزمرها، وإلا كان هو “حوار أعرج في وضع حرج” كما عبر البروفيسور محمد بوالروايح.

إذا لم تتخذ السلطة إجراءات التهدئة التي يطالب بها الشعب، فستبقى أزمة الشرعية، ولن يذهب الجزائريون للانتخاب بصورة شعبية احتفالية ديموقراطية، بل ستكون الأجواء حزينة وقاعات الانتخابات خالية.. نقول هذا للتاريخ وبتأمّل للحَراك الشعبي ومساهمة فيه، وبقراءة واعية لتحولات الراهن الجزائري، نحتاج لمبادرات سياسية جادة ووطنية، تضاف للمبادرات الاجتماعية المقدمة مع الدخول المدرسي، وهنا فقط ستكون الفرحة الوطنية الكبرى. فمن يصغي؟

تحتاج الجزائر لكل الشرفاء من أبنائها، ولا حل لها إلا الوصول لبر الأمن والسلم والتقدم، فمع بعض التنازلات سيكون النجاح السياسي، دون تجاهل التهديدات الداخلية والخارجية، وليس مسموحا هنا أن ترتفع الأنانيات والمصالح الفردية، بل نريد لوطن الشهداء كل معالم التضحية الوطنية الجماعية.

وعلى السلطة أن تصغي بحكمة لمطالب الشعب، وهو شعب أبان الساعة عن وعيه وتحضّره وسلميته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!