-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“معارك البطن” في رمضان!

محمد حمادي
  • 840
  • 0
“معارك البطن” في رمضان!

“معارك البطن” التي يقرع طبولها الجزائريون في كل مرّة قبيل حلول شهر رمضان الكريم، أبانت حجم انحدار الثقافة الاستهلاكية ونزولها إلى أسفل سافلين في هذا البلد، لتنتج كائنات متلهفة لاقتناء كلّ شيء، مهما غلا ثمنه، في مشاهد غير حضارية استغلها تجار جشعون ينشدون الربح السريع، ليكون الضحية أصحاب الدخل المحدود، الذين يُصارعون على كل الجبهات!
الهجومات الكاسحة على المحلات والمراكز التجارية والأسواق، وما يرافقها من فوضى عارمة، أصبحت مشهدا مألوفا لدى الجزائريين، الذين أفرغ كثير منهم مناسبة دينية اسمها شهر رمضان من محتواها، لتصبح عنوانا للتهافت على كل ما هو قابل للاستهلاك، ليصنعوا طوابير مكتظة بالزبائن تتعارك من أجل الخضار والفواكه والبقوليات وسائر أنواع التوابل والحشائش، وحتى الأواني ومواد التنظيف، وكأن الجميع مُقبل على حرب ستنفد فيها مثل هذه المشتريات، وليس على محطة دينية، تُشحن فيها الأفئدة بالإيمان وتصدح فيها الأفواه بالذكر والتسبيح والكلمة الطيّبة.
عادات الشراء الفوضوية المشفوعة بمظاهر التعطش لاستهلاك كل شيء في شهر الصيام، هي التي منحت الفرصة لهواة الربح السريع ليخلقوا أزمة ندرة مفتعلة ويمارسوا أعمالا تدليسية واحتيالية، الهدف منها الاغتناء في شهر الهداية والرّحمة والغفران، الذي حوّله بعض التجار الجشعين إلى محطة يتنافسون فيها على ملء الجيوب عبر إيقاد النّار في الأسعار. وبالرّغم من أنّ السّماء أمطرت صيبا نافعا، فروت الحقول والبساتين وامتلأت السدود بالمياه، إلا أنّ أسعار بعض الخضار ما تزال ملتهبة.
لكن من سهّل مهمّة هؤلاء المحتالين؟ ألا تتحمّل الجحافل البشرية التي تتزاحم على كل شيء جزءًا من المسؤولية؟ كيف تتعارك جموع غفيرة من المواطنين على ربطة حشيش مليئة بالديدان؟ أين نحن من مقاطعة المنتجات الباهظة الثمن؟ ما محلنا من إعراب القاعدة الاستهلاكية “كل ما غلا ثمنه رخُص بتركه”؟
الحقيقة هي أنّ كثيرا من العائلات الجزائرية، أصبحت تسلك نهج التبذير وتبتعد عن ترشيد الاستهلاك، والمفارقة العجيبة أنّ الجميع يشتكي من غلاء الأسعار، ولا يتوانى عن اقتناء كل ما وقعت عليه عيناه في السوق، وحتى العائلات المعوزة باتت هي الأخرى تزاحم ميسوري الحال على شراء الكماليات.
ألم يرم الجزائريون أطنانا من الخبز في المزابل خلال رمضان الفارط، في حين يشتكي الجميع من غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية؟
ألم تعد موائد الإفطار المزدحمة بكلّ ما لذّ وطاب عنوانا للإسراف، ووسيلة للتباهي عبر “الفضاء الأزرق” دون مراعاة مشاعر أولئك الذين يعانون ويلات الفقر؟
إذا كان وزير التجارة، سعيد جلاب، قد أعلن قبل أيام عن إطلاق برنامج رقمي لمتابعة الأسعار بأسواق الجملة والتجزئة عبر كامل التراب الوطني، وإرسال تقارير عنها إلى الوزارة، لوضع حدّ للزيادات غير القانونية في مختلف السلع الاستهلاكية فإنّ هذا لا يكفي، كون حماية المستهلك ليست فقط مهمة الأجهزة الرقابية وفي مقدمتهم أعوان قمع الغش، بل أيضا ينبغي أن يشارك فيها المواطن؛ لمّا يقاطع المنتجات غير الضرورية، ويحجم عن اقتناء كل المواد التي لمس فيها زيادات غير قانونية.
وتبقى الثقافة الاستهلاكية الراقية، أحسن ضابط لعملية البيع والشراء، وأفضل حماية لجيوب الجزائريين من كل مظاهر الاحتيال والتدليس والجشع، التي تعود بقوّة كلّما حلّ شهر التوبة والغفران.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!