-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
برج القنطرة

معلم تاريخي كان حاميا للعاصمة وحصنا واقيا لها

صالح عزوز
  • 2149
  • 0
معلم تاريخي كان حاميا للعاصمة وحصنا واقيا لها
ح.م

نعرج في ركن قصة مكان لهذا العدد، على معلم تاريخي مهمّ جدا في الجزائر، يمتد إلى حقبة الدولة العثمانية، كان بمثابة درع واقية وحصن قوي، ساعد في كثير من المرات على صد الهجمات والمخاطر التي كانت تحدق بالعاصمة في تلك الفترة، كما كان بمثابة صرح وبرج مراقبة يستطيع من خلاله القائمون على الأمن في زمانه، الوقوف على كل صغيرة وكبيرة في المعابر التي تسمح بالدخول إلى العاصمة.

أطلق على هذا المعلم التاريخي، الكثير من الأسماء، كلها تحمل مدلولات وتفاسير، كل اسم على حدة، فقد سمي ببرج القنطرة نسبة إلى القنطرة أو الجسر الذي كان يقوم بحراسته، وكذا إلى الطريق الشرقي الذي كان يمر به، كما سمي ببرج “الأغا يحيى” الذي أعاد بناءه سنة 1824، بالإضافة إلى هاذين الاسمين فقد سمي كذلك “بحوش الأغا” لأنه كان يحتوي على إسطبلات للخيول، كما ذكر في بعض كتب التاريخ، كما سماه بعض المؤرخين ثكنة القنطرة، أما في الفترة الاستعمارية، فقد أطلق عليه اسم البيت المربع، نسبة إلى شكله المربع الذي يصل إلى 85 م لكل ضلع فيه، غير أنه ورد اختلاف كبير في كتب التاريخ في ما يخص السنة التي أسس فيها، ويرجح الكثير من المؤرخين أنه يعود إلى سنة 1746، وذهب بعضهم الآخر إلى سنة 1724، كما اختلف المؤرخون كذلك في مؤسسه الحقيقي، أو من وضع له حجر الأساس في هذا المكان بالذات، غير أنهم استقروا على شخصية واحدة في بنائه، وهو الباشا عبدي.

الموقع والأبعاد

يقع برج القنيطرة في بلدية “الحراش”، على الضفة اليمنى لوادي الحراش، في الحي المسمى “حسن بادي”، أو المعروف عند العامة بـ”بلفور”، في أعلى منطقة، حيث يصل إلى ارتفاع 60م عن مستوى البحر. يبعد عن بلدية “الحراش” بمسافة تصل إلى 500م على الجنوب الغربي، وعلى مسافة 13كلم عن العاصمة، يتربع على مساحة تقدر بـ 7225 متر مربع، وهو تابع حاليا للوزارة المنتدبة للدفاع الوطني. لم يكن اختيار هذا المكان لوضع حجر الأساس لهذا البرج من باب الصدفة، أو لمجرد إعمار المكان، لكن لعدة اعتبارات أخرى جاءت في كتب التاريخ بالتفصيل الممل، وهذا للأهمية الكبرى لهذا المكان، حيث قسمت أسباب هذا الاختيار إلى قسمين أساسيين، القسم الأول، وهو المتعلق بالجانب الاقتصادي،كنتيجة للحاجة الكبيرة والظروف الاقتصادية التي مرت بها الدولة العثمانية في تلك الحقبة، بعد نقص نفوذها في الخارج وفشلها في توسيع حدودها لإثراء اقتصادها، وتحول تركيزها إلى الداخل، للحفاظ على قوة الاقتصاد، حتى ولو كان عنوة وبالقوة، وهذا بفرض الضرائب على سكان سهل متيجة، وهذا ما حتم على القائمين على الدول العثمانية ضرورة بناء هذا البرج، الذي يكون بمثابة ثكنة عسكرية للتدخل والحماية في حالة عدم تسديد الضرائب من طرف السكان، كما أنه أسس بعيدا عن زخم المدينة، لكي يحافظ على عنصر المفاجأة في أداء مهامه.. أما العامل الثاني، الذي استدعى بناء هذا البرج، فهو أمني محض، وهو القرب من القنطرة، بحيث لا تبعد عنه إلا بـ 800م، كما أنه يقع على محاذاة البرج للطريق السلطاني الشرقي، وهذا لتأمين جميع المعابر المؤدية إلى القنطرة، وبالتالي الدخول إلى مدينة الجزائر، بالإضافة إلى كونه يقع في أعلى ربوة تسمح بمبدإ الدفاع والتحصين، وتعطي هذا البرج المناعة الكافية من أجل التصدي لأي اعتداء أو هجوم مهما كان نوعه، أي وفر الحماية الكبيرة باعتباره محاطا بمنحدرات من كل الجوانب، كما أن اختيار الموقع العالي فوق أعلى ربوة كان بحكمة بالغة، وقراءة مستقبلية، للكثير من الكوارث الطبيعية التي قد تنجم، مثل الفيضانات التي كانت تأتي مفاجئة في كثير من الأحيان وكذا الأعاصير نتيجة للأمطار القوية، كما اختير لأسباب مناخية أخرى كالرياح الشمالية والغربية الباردة والرطبة في الصيف والجنوبية الغربية الساخنة، وكذا يبقى تحت أشعة الشمس طوال اليوم.

برج يختلف في مهامه عن باقي الأبراج الأخرى

نتيجة لبعده عن البحر، لم تكن مهامه هي نفس تلك المهام الأخرى التي تؤسس من أجلها الأبراج غالبا، وهي حراسة المدينة وكذلك لصد الحملات البحرية، لذا لا يختلف اثنان في العلاقة التي تجمع البرج بالبحر، وهي علاقة وطيدة.. وعن المهام التي تقام مثلها هذه الأبراج. غير أن هذا لا ينطبق على برج القنطرة، الذي أنشئ لأغراض أخرى، كما أنه لا يحمل نفس العناصر المعمارية التي تستخدم في الأبراج الأخرى، وكذا لا يحتوي على نفس الخصائص كذلك، مقارنة بالأبراج الأخرى، ويعتبر برج القنطرة من بين الأبراج النادرة والوحيدة في الجزائر، التي تحمل معالم استثنائية، منها أنه يختلف عن الأبراج الدفاعية التي تكون في الغالب مزودة بفتحات للمدفعية، وهو ليس كذلك، لذا فقد انحصرت مهامه في مهام أخرى على غرار مراقبة القنطرة، وكذا الإشراف على الطريق السلطاني، بالإضافة إلى جمع الضرائب التي تطرقنا إليها سابقا من سهل متيجة.

حصن صد الحملات الإسبانية وغيرها

لقد حمل هذا البرج دلالات كبيرة في تأسيسه، ولم يكن أبدا من أجل التزيين أو غيرها، لأنه بفضله استطاع القائمون عليه أن يؤمنوا معبرا هاما من المعابر المؤدية إلى مدينة الجزائر، وخلصت مهامه في الدفاع والمراقبة، لذا زود بعناصر معمارية هامة، خاصة أنه يقع في مكان استراتيجي هام جدا، يمكّنه من المراقبة الشاملة، لذا، فقد زود بأربعة أبراج ركنية يتم من خلالها حراسة كل السبل والطرق المؤدية إلى القنطرة، ومن أجل السرعة وربح الوقت كذاك للوصول إلى القنطرة في حال وقوع مكروه، فقد حرس القائمون عليه في فتح باب ثانوي من الجهة الشمالية للبرج، وتظهر هذه الحقيقة التاريخية ومهامه الكبيرة التي ساعدت على الدفاع والتحصن، أنه بفضل هذا البرج انهزمت القوات الإسبانية بقيادة “اويلي” سنة 1775 عند وصول التعزيزات من قسنطينة، حيث كانت هذه القنطرة بمثابة معبر للجيوش والفرسان، وحتى للجمال كذلك، التي كانت سببا مباشرا في إلحاق الهزيمة بالإسبان، وهنا ظهرت قوة هذه القنطرة التي كانت بمثابة درع لإفشال كل الخطط والمخاطر، التي كان البرج حارسا لها.
هو معلم تاريخي كغيره من المعالم الأخرى التي تزخر بها الجزائر، التي تحكي قصصا مختلفة عن حضارات مرت من هنا، وتركت وراءها حضارة معمرة إلى حد الساعة، عبر هذه المعالم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!