-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مغارم الديمقراطية المحمولة على ظهر الدبابة

حبيب راشدين
  • 1282
  • 5
مغارم الديمقراطية المحمولة على ظهر الدبابة
ح.م

 أكثر من أربعين قتيلا ومئات الجرحى في أول أسبوع للاحتجاجات الشعبية في العراق، شهدتها العاصمة بغداد وأهم مدن الجنوب، كانت قد خرجت ضد الفساد وتردي مستوى الخدمات: في التعليم، والصحة، والكهرباء، والماء، فضلا عن اتساع رقعة الفقر والبطالة في أقاليم جنوبية، تنتج ثلاثة أرباع نفط العراق، وقد خرجت منها أغلب الحكومات التي أنتجتها المحاصصة الطائفية في نظام الحكم الذي فرضه الاحتلال الأمريكي.

الحصيلة الكارثية لثلاثة أيام من المواجهات العنيفة بين المحتجِّين وقوات الأمن، هي في المقام الأول إدانة للغزو الأمريكي الذي خرَّب بلدا بكامله كان يُقدَّم كنموذج ناجح للتنمية البشرية، قضى فيه النظام البعثي على الأمية، وأدار منظومة تعليمية ناجحة تخرِّج سنويا عشرات الألوف من الإطارات بكفاءات علمية عالية، ومنظومة صحِّية كان يُضرب بها المثل في العالم العربي، إلى جانب منشآت قاعدية، أعاد النظام البعثي بناء ما خرّبته الحرب العراقية الإيرانية والعدوان الثلاثيني في زمن قياسي، رغم الحصار وحرمان العراق من عوائد نفطه.

أكثر من ست عشرة سنة من حكم الأحزاب الطائفية الوافدة على ظهر الدبابة الأمريكية، لم تكن كافية لبناء جسر واحد، أو شق طريق جديد، أو إعادة بناء شبكة الكهرباء المتهالكة في بلد نفطي تعادل ميزانيته ضعف ميزانية بلدٍ مثل الجزائر زمن البحبوحة المالية، التهمها الفساد الممنهج، وسوء إدارة الموارد المادية والبشرية في بلدٍ اختارت فيه النخبة الحاكمة الجديدة سياسة الاستئصال الأعمى لقطاعات واسعة من إطارات الدولة بتهمة الانتساب لحزب البعث، حرمت النظامَ الجديد من ثروته الحقيقية، وفوّتت على العراقيين فرصة بناء الدولة، وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد، بل وفشلت حتى في استعادة المستوى المعيشي للعراقيين زمن الحصار الأمريكي الظالم بعد حرب الخليج الثانية.

أصابع الاتهام تُوجَّه حتما إلى نظام الحكم الطائفي الذي فرضه الغزو الأمريكي على العراقيين، كما تُوجَّه إلى النخب الفاشلة من الأحزاب الطائفية التي اجتهدت في معاقبة نصف الشعب العراقي على الهوية، وكانت سببا في ارتماء جزء منه في أحضان الفتنة الطائفية المُنتجة للإرهاب، سلّمت العراق على طبق من ذهب لاحتلال مزدوج أمريكي وإيراني، شغل العراقيين في فتنة طائفية مصطنعة، وأرخى العنان للفساد وللمفسدين بلا رقابة أو محاسبة.

انفجار الاحتجاج في الجنوب ذي الأغلبية الشيعية يفضح بلا شك لعبة الطائفية المقيتة التي اشتغلت على المظلومية الشيعية كغطاءٍ لنظام حكم تديره نخبةٌ قاصرة فاسدة، فشلت في إعادة بناء الدولة، كما فشلت في التأسيس لنظام حكم ديمقراطي، كان يعِد العراقيين بجنة الفردوس، وأخفق في استعادة السيادة الكاملة للعراق وفي تحريره من احتلال مزدوج أمريكي إيراني مستدام، لم يعُد من الممكن تصور حلول لمشاكله التنموية المركَّبة قبل التفكير في ترحيل الاحتلالين، وتمكين العراقيين من التخلص من نظام المحاصصة الطائفية العادمة لفرص التنمية في النظام الشمولي كما في النظام التعددي الديمقراطي.

تعاملُ الحكومة العراقية بعنف مفرَط مع احتجاجات محدودة، نقل سقف المطالب فيها بسرعة من المطالب الاجتماعية المشروعة، إلى المطالبة بإسقاط الحكومة، بل الدعوة إلى إسقاط النظام، تجاوب معها رئيس الحكومة في وقت متأخر بنقل المسؤولية إلى البرلمان المعطل لاستكمال تشكيل الحكومة، ومطالبته بتبني خطة لشراء السلم الاجتماعي بتخصيص عائد شهري للأسر المعوزة، بدل التكفل بالمطالب المشروعة بتوفير مناصب الشغل وتحسين الخدمات، وقبل ذلك وضع حد لاستنزاف موارد الدولة، في شراء الولاءات لنظام حكم فاسد، قد ورث أسوأ ما في النظام الشمولي على مستوى الحريات، وهو غير مؤهَّل لاستعادة بناء الدولة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطن، في بلدٍ يكتشف فيه شعبه زيف الديمقراطية المحمولة على ظهر الدبابة، وتداعيات استقواء النخب الفاشلة بالخارج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • كمال

    يا حبيب راشدين انا افضل الديموقراطية والحرية علي الطريقة السعودية اقصد علي طريقة الحكام ال سعود الوهابيين .

  • محمد

    تعاطفنا مع العراق الشقيق وإن كان لازما لا يمنعنا من رؤية أنفسنا في المرآة لأن داء ظلم النظم الاستبدادية المعتمدة على قهر الشعوب والاستقواء بالخارج ليس بعيدا عن شعبنا.لقد عشنا نحن كذلك الإرهاب المجرم خلفه حكم السفهاء الفاسدين ولا تزال تضيع منا فرص التحرر من الطغيان لأن فئة مستبدة بالحكم تمنعنا من النمو الفكري والحضاري مستغلة تواجد عصابات انفصالية أرادت التخلي عن الحضارة العربية الإسلامية لتعويضها بثقافة أذاقتنا قرنا وثلاثين سنة حقيقة العبودية المقترنة بالتخلف الكلي.إذا أضفنا إلى ذلك التزمت الفكري لمن يمثلون اليوم عروبتنا فلا مجال للخلاص من الحضيض إلا بثورة على الجيل الفاسد والتصدي للانفصاليين.

  • عبدالله FreeThink

    لا طائفية ولا شي، العراق سببه الاحتلال الأمريكي الذي ينهب نفط العراق وخيراته ، وينشر الفساد لينهب ما تبقى ، إضافة إلى البروباجندا وشراء الذمم ونشر الفتنة والتطرف من طرف آل سعود ، وآل سعود والأمريكان يعطلون أي فرصة للإصلاح وينخرون المجتمع العراقي وإدارته بالفساد الممنهج.

  • عبدو

    الديمقراطيه لم تقدمها امريكا للعراقيين على دبابه ولا ظهر حمار !!!
    امريكا دخلت للعراق محتله لانه كان البلد الوحيد في المشرق الذي تشعر تجاهه اسرائيل كتهديد هذه كل القصه . و حتى امريكا نفسها لم تحكم بطريقه ديمقراطيه فهناك جهات ضغط و لوبيات هي من توصل الرئيس للحكم في الولايات المتحده فهناك اللوبي الصهيوني المتمثل بأيباك و هناك الشركات الكبرى و لوبيات تجار الاسلحه و البترول امريكا لم تكن يوما ديمقراطيه و هي التي قتلت في حروبها ما يقارب ما قتله هتلر في الحرب العالميه الثانيه اما من اوصلتهم امريكا للحكم في العراق فلم يكن همهم الديمقراطيه و هم مجموعه لصوص و خونه ولائهم لايران

  • ياسين

    أنى لأغبياء السياسة أن يفهموا التاريخ و يستوعبوا دروس الحاضر أو يكتشفوا: "زيف الديمقراطية المحمولة على ظهر الدبابة، وتداعيات استقواء النخب الفاشلة بالخارج."، فالغباء أعمى أبصارهم و بصيرتهم؟؟؟