-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مغالبة العسكر للمدنيين بسلاح السياسة

حبيب راشدين
  • 2359
  • 8
مغالبة العسكر للمدنيين بسلاح السياسة
ح.م

الأطراف الثلاثة التي استهدفها الحَراك بالتداول منذ إسقاط مسار العهدة الخامسة وتعطيل التمديد، تكون قد أنجزت في ثمانية أشهر ما لم ينجزه أي رئيس دولة، أو حكومة، أو قيادة أركان للجيش منذ الاستقلال، مع كل ما كيل لها تباعا من تهم، وتسفيه أحلام، ووعيد بالترحيل تحت الشعار المستنسَخ المستعار من جميع الثورات المخملية السابقة، ومن يتبعهم اليوم بإحسان في لبنان والعراق: “رحيل الجميع” مع حرص المنظرين على جزأرة الشعار، ولبننته، وعرقنته برطانة المعجم من الألسن.

رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، الذي ورَّثه الدستور رئاسة مؤقتة بلا صلاحيات الاستبداد، كُتب له أن يوقع أضعافا مضاعفة من مراسيم العزل، والتعيين، والنقل، والترحيل، في كبرى إدارات الدولة ومؤسسات الحكم، تفوق بكثير ما كان متاحا لأي رئيس منتخب، مستبد بالسلطة على مدار عهدة أو أكثر، دون أن تصاب إدارات الدولة بعطل معطل، أو يلتفت أهل الحراك، المراوحين في مكانهم، إلى ما قد يُصنَّف غدا كواحد من أوسع عمليات “التطهير الذاتي من الداخل” حصدت المئات من الرؤوس النافذة في دواوين الدولة، وإداراتها الكبرى، دون أن يرتدّ لحامل القلم طرف، أو تصاب أنامله بالرُّعاش الحميد، مع أن الرجل كان قد استنفد أرذل عمره في خدمة نظام قد سقطت واجهته، وليس له نصيبٌ مرجوّ في ما سيركب في الواجهة بعد حين.

ومثله كُتب مصير متفرد مميز لرئيس حكومة تصريف أعمال، كانت قد ركبتها على عجل اليد المختطِفة للقرار قبل أن تُقطع، لتكون في تقدير العصابة “اللغم المحصَّن” بالدستور من التفكيك، القابل للتفجير عن بُعد أو للإنفجار الذاتي، وقد احتار من ورث بالدستور هذا “الكيان الهجين” بين أن يتوارى من القوم من سوء ما ورث، أم يمسكه على هون، أم يدسه في التراب، فكان مصير حكومة بدوي أفضل من مصير أنثى يُبشر بها الأعرابي في الجاهلية، وقد احتضنه ورثة العهد، وتعهدوه بالعناية والحماية والترياق إلى أن “أخرج شطأه فآزره فاستعلظ فاستوى على سوقه” ليغيظ من كفر بـ”الانتقال الدستوري” بجمله وبما حمل من الكيانات النافقة من دهاليز العهد الساقط.

الطرف الثالث الوافد حكما من العهد السابق، ومن قبل ـ قبل العهد السابق – لم يستفد من الدستور سوى بمادة واحدة (الـ28) استطاع أن يوظفها بمهارة وشيء من الدهاء، ودون ارتكاب “كبيرة” في حق الدستور إلا اللمم، لينفذ ويدير واحدة من أعقد المراحل الانتقالية، ويكاد ينهيها بسلاسة بعد أسابيع قليلة، بإعادة إعمار موقع الرئاسة عبر مسار دستوري هش، أعفاه من خطيئة الصدام المحتوم مع الشعب كما كانت تدبر له العصابة وهي تبحث عن مخرج، وسوف يعفيه مما كان تعد به الدعوات إلى “الانتقال الديمقراطي” بلا إصر الديمقراطية، من فوضى خلاقة حتما لفرص الصدام بين الشعب وجيشه.

الحصاد الوفير الذي قد يُنسَب مجازا لرئيس دولة مؤقت، ولحكومة تصريف أعمال، سوف ينتهي تقييمه وإغلاق أقواسه بعد أسابيع قليلة، سواء نجح الثلاثي في إدارة الاستحقاق الرئاسي القادم في موعده بمن حضر من المرشحين والناخبين، أو نجحت “القوى المعطلة” في تخريبه، كما كانت تتوعده بالويل والثبور الجمع المتعاقبة المتشابهة لحَراك متقلب الأهواء والمزاج، رأيناه في الأسابيع الأخيرة يعلن الطلاق البائن مع شعار “الجيش والشعب خاوة خاوة” ويحوِّل وجهة التسديد من رماية رأسي الدولة والحكومة صوب رؤوس أركان الجيش، مع أن “الرامي” الذي أنفق جهده لشهور في مطاردة الظل، وأتلف مخزونه من الذخيرة في التسديد العبثي على “المطاحن الهوائية” لا حظَّ له اليوم في منازلة غير متكافئة مع مؤسسة قوية، كانت ستحسم لصالحها المواجهة في أي وقت، لكنها اختارت مغالبة خصوم العسكر من المدنيين، بأدوات السياسة التي هي في العلوم العسكرية الحديثة سلاح ناعم يحسم المعارك من غير حاجة للقوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • علي

    تصوير فني دراماتيكي رائع احسنت و اجدت يا حبيب

  • عبد القادر

    صدقت وأبدعت. شكرا

  • مناع ـ الجزائر

    شكرا لك يا سي حبيب على الدقة في التصويب

  • عادل

    باختصااااااااااااااااااار........................أبدعت...............سلمت يمناك .

  • حاف

    رائع

  • نمام

    الخائفون من الفراغ الدستوري هم الذين صنعوه و لا يريدون لفسادهم ان يذهب ويتذرعون بالفراغ للحفاظ على مصالحهم وهل الفراغ يعني انهيار الدولة هناك عصابة من احكمت سيطرتها وهيمنتها وافرغت الدولة بتجاوزات لمدة عشرين سنة فكم بقي من الدستور وهل كانوا يطبقونه على الاقل يحترمونه لذا نطلب تغيير نظام لانه اسس لدولةفساد واصلا الدستور تبهدل وافرغ ويقولون نخاف الفوضى وهل هناك فوضى اسوا منهم نحتاج مواجهة الواقع بكل سلبياته ونتعرف باننا اهدرنا سنين الاستقلال بالربوجندا و تقديس الاشخاص وبناء نظام علاقات لا قانون

  • رضوان

    دائما أقول وأكرر نحتاج المزيد من حبيب راشدين. لأن هنا يكون للتحليل مغزى، وللصحافة جدوى، وللمعنى عقلا

  • رشيد

    تصوير فني رائع مبدع كعادتك