-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ملاحظاتٌ على المشروع التمهيدي لتعديل الدستور

محمد بوالروايح
  • 3047
  • 5
ملاحظاتٌ على المشروع التمهيدي لتعديل الدستور
ح.م

أفرجت لجنة الخبراء المكلفة بصياغة اقتراحات تعديل الدستور عن المشروع التمهيدي لتعديل الدستور والذي تجاوز إلى حد الآن محطتين اثنتين هما مجلس الوزراء والبرلمان، وسينتهي إلى المحطة الأخيرة والحاسمة المتمثلة في الاستفتاء الشعبي الذي حُدِّد بتاريخ الفاتح من نوفمبر 2020.

وانطلاقا من تأكيد الدولة على أنَّ مناقشة المشروع التمهيدي لتعديل الدستور حق يكفله القانون، ارتأيت أن أسجل -بصفتي باحثا مستقلا لا أنتمي إلى أي تيار سياسي- بعض الملاحظات التي قد اتفق أو أختلف بشأنها مع الآخرين وهذا أمرٌ طبيعي؛ فلكل رأي، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.

الملاحظة الأولى: إن الطبيعة القانونية للدستور تحتم على لجنة الخبراء المكلفة بمراجعة اقتراحات تعديل الدستور التركيز في الصياغة على اللغة القانونية أو اللغة التقنية وتجنب العبارات والمصطلحات الفضفاضة، التي تغيب معها أو تلتبس بوجودها الغايات والأهداف التي يروم الدستور تحقيقها، فاللغة الدستورية لغة تقنية مباشرة تختلف عن اللغة النثرية، ولذلك يجب حذف بعض العبارات من قبيل “تعزيز” و”تشديد” و”تفعيل”، وهي عباراتٌ تكررت في أكثر من موضع ولا نجد لها مبررا إيجابيا إلا ما تعلق بالديباجة لكونها مدخلا تأسيسيا.

ثانيا: بعض الأفعال التي تصنف في خانة الجرائم الكبرى من قبيل ما ورد في (المادة 15) بشأن التنازل أو التخلي عن جزء من التراب الوطني يجب أن يعبَّر عنها بالصيغة القانونية الأكثر ردعا، وعليه ينبغي تعديل نص المادة السالفة الواردة على هذا النحو: “لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني” لتصبح على هذا النحو: “يجرِّم الدستور كل فعل يكون القصد منه التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني”، كما يجرِّم الدستور كل فعل من شأنه التحريض أو المساعدة على ارتكاب هذا الجرم من أي كان سواء كان شخصية طبيعية أم معنوية”.

ثالثا: سجَّل بعض القانونيين مآخذ على المشروع وخاصة ما تعلق بمسألة الفصل بين السلطات، وذهب بعضهم إلى أن الغاية من هذا الفصل غير متحققة بسبب هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى التشريعية

والقضائية، ودليلهم في ذلك التعيينات التي يقوم بها رئيس الجمهورية لبعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية ورؤساء وأعضاء المجالس الاستشارية… وهذا الرأي في نظري لا يستند إلى أي أساس قانوني لأن سلطة التعيين في المناصب العليا للدولة من اختصاص رئيس الجمهورية لكونه السلطة الأعلى، فسلطة التعيينات المكفولة حصرا لرئيس الجمهورية فيما يخص المناصب المشار إليها لا تعني تدخل الرئيس في عملية سير هذه الهيئات وفي صلاحياتها المحددة دستورا.

رابعا: هناك إضافة اشتملت عليها (المادة 17) من المشروع التمهيدي لتعديل الدستور وردت على هذا النحو: “بغرض تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي للبلديات محدودة التنمية، وتكفُّل أفضل باحتياجات سكانها، يمكن أن يخص القانون بعض البلديات بتدابير خاصة”. ما ورد في هذه المادة يمكِّن من تفادي اختلال التوازنات الاقتصادية والاجتماعية بين البلديات، ولكن من المفيد أن يعمَّم هذا الإجراء ليشمل أيضا البلديات عالية التنمية من أجل تشجيعها أو إلزامها إذا اقتضى الأمر بالمشاركة في عملية التضامن الوطني من أجل رفع الغبن عن البلديات محدودة التنمية.

خامسا: (المادة 18) التي تنص على أنه “تقوم العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية على مبادئ اللامركزية وعدم التركيز”، تحتاج إلى توضيح ذلك لتجنب أي قراءة لهذه المبادئ مخالفة لما قصده الخبراء المكلفون بالصياغة.

سادسا: تنص (المادة 26) على أن “الإدارة في خدمة المواطن والقانون يضمن عدم تحيز الإدارة “، وتضيف: (المادة 27): “تضمن المرافق العمومية لكل مرفق التساوي في الحصول على الخدمات، وبدون تمييز”. هاتان المادتان تضمنان حق التساوي بين المواطنين في الخدمات التي توفرها الإدارة وبالتالي منع التحيز والتمييز، ولكن من الأفضل أن يضاف إلى عدم التحيز وعدم التمييز عدم التعسف أيضا، أي تعسف الإدارة في تعاملها مع المواطن، فمحاربة التعسف الإداري شرط من شروط نجاح العملية الديمقراطية.

سابعا: تنص (المادة27) على أن “كل المواطنين سواسية أمام القانون ولهم الحق في حماية متساوية”. هذه المادة تصحح وضعا خاطئا كان قائما سابقا على مستوى التطبيق، وهو غياب الحق في حماية متساوية لكل المواطنين رغم أنهم سواسية أمام القانون، وهذه المادة تمنع حق الامتياز الذي كان يتمتع به بعض المواطنين دون غيرهم.

ثامنا: نثمِّن حذف مقترح تعيين نائب الرئيس الذي كان مدرجا في مسودة تعديل الدستور، فهذا من مقتضيات دمقرطة الحكم، ومن شروط بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم. من مبرِّرات حذف هذه المادة أنه من حق الرئيس اختيار نائب الرئيس ولكن بشرط أن يتم هذا بطريقة الانتخاب بمعية الرئيس في الاستحقاق الانتخابي وليس بطريقة التعيين بعد ذلك، فالرئيس قد اكتسب هذه الصفة بناء على فوزه في الانتخابات الرئاسية وأدائه اليمين الدستورية، ونائب الرئيس المعين لا يملك هذه الصفة.

تاسعا: في المادة (103):”يقود الحكومة وزيرٌ أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ويقود الحكومة رئيسُ حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية”. لقد أوجبت المادة المذكورة في حال انتخاب وزير أول بأغلبية رئاسية أن يقوم بعد تكليفه بتشكيل الحكومة بإعداد مخطط عمل لتمثيل البرنامج الرئاسي والذي يعرضه على مجلس الوزراء. أرى أنه ينبغي تجاوز الإشكال الخاص بالأغلبية الرئاسية والأغلبية البرلمانية وأن تُترك الحرية للبرلمان أو للرئيس لاختيار من يقود الحكومة، وأن يجعل برنامج الرئيس الذي انتخِب على أساسه مرجعا لعملها. لقد نصت المادة المذكورة عن حالة فوز الأغلبية الرئاسية أو الأغلبية البرلمانية في الانتخابات التشريعية ولكنها أغفلت حالة ثالثة واردة وهي تساوي النتائج المحصلة وعدم حصول أي طرف على الأغلبية.

عاشرا: في (المادة 106): “يقدِّم الوزير الأول مخطط عمل الحكومة إلى المجلس الشعبي الوطني للموافقة عليه ويجري المجلس الشعبي الوطني لهذا الغرض مناقشة عامة”. إن الإشارة إلى الوزير الأول يعني بنص (المادة 103) فوز الأغلبية الرئاسية، وهذا يضمن مرورا مريحا لمخطط الحكومة طالما أن وراءه أغلبية رئاسية.

الملاحظة 11: هناك مادة جديدة في المشروع التمهيدي لتعديل الدستور وهي (المادة 108) تنص في البند المتعلق بتعيين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء على أنه يتم تعيين ست شخصيات ضمن تشكيلة المجلس “يختارون بحكم كفاءاتهم خارج سلك القضاء، اثنان منهم يخترهما رئيسُ الجمهورية، واثنان يخترهما رئيس المجلس الشعبي الوطني من غير النواب، واثنان يخترهما رئيس مجلس الأمة من غير أعضائه”. أرى أنه تجنبا لأي معارضة محتملة لهذه الآلية أن يتم اقتراح هذه الشخصيات غير المنتمية إلى سلك القضاء بحكم طبيعتهم من طرف شخصيات وطنية مستقلة أو بتزكيتهم من داخل المؤسسات الاستشارية المنصوص عليها في المشروع التمهيدي لتعديل الدستور ثم تتولى هذه الشخصيات أو الهيئات رفع الأسماء المقترحة إلى رئيس الجمهورية الذي يملك سلطة التعيين في المناصب العليا للدولة.

الملاحظة 12: يثبت المشروع التمهيدي للدستور أن “الإسلام دين الدولة” لأن الجزائر كما ورد في الديباجة هي أرض الإسلام، واللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة، وهذا يحتم على جميع الهيئات والشخصيات المكلفة والمهتمة بالشأن الديني واللغوي السعي الحثيث لإصلاح الخطاب الديني وترقية اللغة العربية بمبادرات شخصية أو جماعية أو بالتنسيق مع المجلس الأعلى للغة العربية الذي “يكلف دستوريا بالعمل على ازدهار اللغة العربية وتعميم استعمالها في الميادين العلمية والتكنولوجية والتشجيع على الترجمة إليها لهذه الغاية”، كما يحتم هذا المشروع على المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة تعميم استخدام اللغة العربية في كل المراسلات الإدارية.

الملاحظة 13: لم يفصل المشروع التمهيدي في شكل نظام الحكم هل هو رئاسي، شبه رئاسي، أو برلماني؟ ولكن يتبيَّن من مواد المشروع أن هناك نظاما مختلطا رئاسيا برلمانيا، وهذا بناء على صلاحيات السلطة التنفيذية وصلاحيات سن القوانين وممارسة الرقابة على عمل الحكومة الممنوحة للبرلمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • imazighen

    في ديباجة دستور لعرابة يؤرخ بداية تاريخ الجزائر من النوميديين وهو يتنمي اليهم، والتاريخ غير صحيح فالجزائر تاريخها أقدم عن تاريخ احتلال الرومان للجزائر... وبالتالي التصويت بلا هي الجواب...

  • مبروك

    هل من شرح ما قيل عن الامازيغية في التعديل - لم افهم المعنى.

  • محمد رضا

    هناك عدة أولويات على السلطة حلها قبل تقديم مشروع الدستور الجديد د، ويكفي الجلوس في مقهى مع أحدهم للاطلاع على ما يعاني منه الشعب الان. ثم ان السلطة إذا نظرنا نسبة المشاركة و نسبة من صوتوا بنعم في الانتخابات الرئاسية عليها ان تخجل من تقديم هذا المشروع وان تكتفي بالعمل التكنوقراطي للوصول إلى مرحلة ديموقراطية أكثر نزاهة لتنال نسبة أكثر من ثقة الشعب فهي في الحضيض الان

  • أعمر الشاوي

    كنا ننتظر في دستور الكل منتخب فإذا به دستور الكل معين ليبقى السؤال مطروح من يعين من ؟ أو من هي الجهة التي تعين ؟ الجواب واضح ، الكل يعلم الجهة التي تعين و تختار و تضع من تشاء أو من يخدمها, إذن فنحن في نقطة الصفر , أما باقي المواد فلا وزن لها,كيف تتكلمون على إستقلالية القضء إذا كان رئيس الجمهورية هو الدي يعيين القضاة ,؟ مازال رئيس الجمهورية يعين عمداء الجامعات و رئيس الجلس الأعلى للقضاء و مفتي الجمهورية ووووو , لا يوجد فصل بين السلطات فالسلطة التنفيذية هي الطاغية . أما البرلمان ففي مهب الريح بغرفته السفلى أي مجلس الأمة التي لا معنى لها,

  • جلال

    في تقدديري يجب أن تكون الإنتخابات على جميع المستويات من القمة الى القاعدة وأن تنتهي سياسة التعيينات(قد تكون من حاشية الرئيس فقط وفي خدمته وقد تتغول كالسابق) فمجالس الإدارة مثلا في الشركات يسند لها تعيين المدراء من نفس المجالس بالإقتراع وفق الكفاءة والنزاهة وقس على ذلك في مجالس القضاء والبرلمان والمجلس الدستوري الى آخره,إن المسؤولية يجب تكون تكليف وليس تشريف مع تقديم الحصيلة حسب ما يتفق عليه وتكون حسب المردودية والإنتاجية والنجاعة والا يستبدل الشخص المكلف بذلك, يجب أن تلغى كل الإمتيازات الممنوحة للمسؤولين وأن تستبدل عبارة مسؤول بعبارة مسير ,حيث المسير هو خادم للدولة وليس العكس وهو أجير عندها