ملف الهجرة يعوق زيارة ميركل

واضح أن المستشارة الألمانية السيدة ميركل تكون قد أضاعت على بلدها وعلى الجزائر فرصة الاستثمار في ثاني زيارة دولة لها لانتزاع موقع قدم متقدم، في بلد مرشح للعب دور محوري في السباق المحموم بين الاقتصاديات العالمية الكبرى لإعادة وضع اليد على القارة السمراء، بإصرارها على وضع ملف الهجرة السرية على رأس اهتماماتها، ومحاولة الضغط على الجزائر لتغيير مواقفها تجاه المسعى الأوروبي لتحويل دول شمال افريقيا إلى حراس بوابة بلا مقابل سياسي واقتصادي.

قبل انعقاد الندوة الصحفية المشتركة بين المستشارة الألمانية ورئيس الحكومة السيد أويحيى كانت كثير من الأوساط تراهن على نجاح الزيارة في وضع قواعد جديدة لعلاقات جزائرية ألمانية متميزة، تحرر القرار الألماني من التبعية لوصايات فرنسية وأمريكية اجتهدت من قبل في تثبيط طموحات ألمانيا في لعب دور متقدم في السباق الجاري بين كبرى الاقتصاديات العالمية على مغانم السوق الإفريقية الواعدة عبر بواباتها الرئيسة ومنها البوابة الجزائرية.

ولا شك أن الجزائر التي تسعى منذ سنوات إلى تنويع شراكاتها، والتحرر من التفرد الفرنسي، كانت تراهن على دور ألماني متقدم داخل الاتحاد الأوروبي لإعادة التوازن في العلاقات الجزائرية الأوروبية المختلة، والتي كانت دائما لصالح الطرف الأوروبي، ومع حصول بعض التحسن في العلاقات بين البلدين، وبداية توطين بعض الاستثمارات الالمانية في اعقاب زيارة الدولة الأولى للسيدة ميركل، فإن مستوى المبادلات والشراكة بين البلدين ما زال ضعيفا ومختلا، إذ لم تتجاوز الاستثمارات الألمانية المليار دولار، فيما بقي ميزان المبادلات بين البلدين لصالح ألمانيا بأكثر من ثلاثة مليارات دولار.

إصرار السيدة ميركل على وضع ملف ترحيل المهاجرين الجزائريين (وعددهم أقل من 4 آلاف حالة) أحبط كثيرا من الرهانات التي سبقت الزيارة، وحملتها على ما يبدو فوق ما كانت ترغب فيها ميركل، التي تكون قد حضّرت لهذه الزيارة المتبوعة بزيارة لأربعة دول افريقية تحت قبعة المفوضية الأوروبية للهجرة، التي كلف بها الاتحاد الأوروبي المستشارة الألمانية، وقد غاب في الندوة الصحفية التطرق إلى الملفين السياسي والاقتصادي وإلى الفرص المفتوحة بينهما لتحسين العلاقات وتطويرها.

وقد كان واضحا انزعاج السيد أويحيى من اللهجة التي تطرقت بها السيدة ميركل لملف ترحيل المهاجرين الجزائريين، مع كل ما قدمته الجزائر من تسهيلات في إدارة الملف، ليصر بدوره وبلهجة عالية النبرة على أن الجزائر مستعدة لاستقبال أبنائها كيفما كان عددهم، شريطة احترام ألمانيا لمطلبين رئيسيين: تحقق الجزائر المسبق من هوية المرشحين للترحيل، وتنظيم الترحيل في ظروف تضمن لهم حقوقهم وكرامتهم، مع رفض الترحيل عبر رحلات شارتر المهينة.

وما لم يأت البيان الختامي لهذه الزيارة بجديد فإن السيدة ميركل تكون قد أضاعت على البلدين فرصة وضع العلاقات بين ألمانيا والجزائر في مسار سليم يستثمر في الفرص الهائلة المتاحة للبلدين سواء فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وما تتوفر عليه الجزائر من فرص جيدة للاستثمار والاستهلاك أو فيما يتعلق بالفرص التي تمنحها لشركائها للتوغل في القارة السمراء.

ومن الواضح أن المستشارة الألمانية كشفت عن قلة خبرة بالذهنية التي تحكم صاحب القرار في الجزائر، وإلا ما كانت لتطرح ملف الهجرة السرية بهذه الحدة، وبنبرة عالية فجة مستفزة بالقول: “لن تقبل ألمانيا بأي مهاجر غير شرعي من الجزائر”، وكأنَّ ألمانيا تتعرض لزحف لا يطاق للمهاجرين الجزائريين.