ملك البودينغ.. أمير الشعراء

احتفلنا في السفارة مؤخرا بليلة برنس وأودّ أن أشرح لكم ماهيتها وأسبابها:
روبرت برنس أشهر شاعر أسكتلندي من القرن الثامن عشر ويعدّ اليوم الشاعرَ الوطني لأسكتلندا.
احتفل بليلة برنس لأول مرة في مدينة غارنوك باسكتلندا في التاسع والعشرين من شهر يناير سنة1801م،وكان هذا سنة بعد وفاته، وقد اختار أصدقاؤه تنظيم الاحتفال بحياته عوض وفاته، ثم اكتشفوا
لاحقا أنهم قد أخطئوا في تاريخ ميلاده فغيّروه ليصبح الاحتفال في الخامس والعشرين من يناير منذ ذلك الحين إلى يومنا هذا.
نظم ليلة برنس في السفارة، زميلان من أصل اسكتلندي إذ قاما بلبس الكلت وهو لباس اسكتلندي مشهور شبيه بالتنورة ولكل عشيرة نمطها في طرز الطارتان، وهناك دعابة وسرّ تقليدي عن ما يلبسه الرجال تحت الكلت والجواب عند الرجال الاسكتلنديين فقط.
يبدأ الاحتفال بخطاب للهاغيس وهو الطبق الرئيسي في ليلة البرنس، وحسب معرفتي للهاغيس هو الطبق الوحيد الذي يكرّم بخطاب قبل البدء بأكله، هذا الخطاب هو قصيدة من برنس يصف فيها طبق الهاغيس كملك البودينغ ويطعن الهاغيس أثناء الخطاب بسكين وتقول الأسطورة في اسكتلندا بأن الهاغيس هو حيوانٌ صغير يتم اصطياده في الريف، ويتكون الهاغيس من خليط رئتي الغنم والقلب والكبد والبصل المفروم والشوفان والتوابل محشي في معدة الغنم ويسلق وهو لذيذ جدا.
يعدّ طبق الهاغيس طبقا رئيسيا في ليلة البرنس كونه طبقا تقليديا لعامة الشعب والبسطاء.
بعد أكل الهاغيس يلقي الرجال خطابا هزليا للنساء وتقوم النساء بإعادة الخطاب للرجال عادة بالمزاح بينهما كأن يمازح الرجال النساء بالقول إن “النساء يستعملن ثلاث مرات كلمات أكثر من الرجال” فتجيبهن النّسوة الحاضرات: “هذا لأن النساء عندهن دائما ما يجب قوله”، وأخيرا يلقى خطابا عن حياة روبرت برنس وشعره كونه كان شاعرا بسيطا ومؤلفا للحركة الرومنتيكية ورائدا من رواد الليبيرالية، كما تحضرني واحدة من أفضل قصائده وهي “إلى قملة” والتي يعبّر فيها الشاعر عن رغبته في إيجاد قوة ترينا قوة أنفسنا وذاتنا كما يرانا الآخرون، والطريف في هذا هو اعتماد الدبلوماسيين على هذا القول لتذكيرينا بشغلنا.
كان روبرت برنس من أشّد المدافعين عن قضية الحرية ويتمثّل هذا في قصيدة “رجل لرجل” التي حث فيها على الأخويّة العالمية وأصرّ على إنسانية العامل البسيط وقيمته في مقولته “الرّجل الصادق حتّى ولو كان فقيرا هو ملِك الرّجال كذلك” كما كتب عن أهمية حقوق المرأة في فترة عُرفت بظلم النساء، كما كتب النشيد المغنى في عيد رأس السنة وهو “نشرب فنجان اللّطف” أي: “اولد لانغ سينغ Auld lang syne ”
واعتقد أن هذا يستحق رفع نخب إلى روح روبرت برنس.