-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ممانعةٌ رضي “نتنياهو” عنها

سلطان بركاني
  • 528
  • 1
ممانعةٌ رضي “نتنياهو” عنها

قبيل مغادرته العاصمة الروسية موسكو، يوم الخميس الماضي (12/ 07/ 2018م)، أدلى رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ، بنيامين نتنياهو، للصحفيين، بتصريحات مهمّة تلخّص حقيقة الموقف الصّهيونيّ من النّظام الحاكم في دمشق، وتؤكّد فحوى تصريحات متناغمة أدلى بها قادة عسكريون ومحللون وإعلاميون إسرائيليون، منذ بدء الثورة السورية في مارس 2011م، حيث قال نتنياهو إنّ إسرائيل “لا تعارض إعادة بشار الأسد سيطرته على سوريا واستقرار قوة نظامه، ولكنّها ستتحرك عند الضرورة، كما فعلت في الماضي، لحماية حدودها ضد أي تحرك عسكري سوري”.
نتنياهو، في تصريحاته الأخيرة، بعث برسالة واضحة إلى النّظام السّوريّ ينصحه من خلالها بضرورة الالتزام باتفاق فكّ الاشتباك، ساعات بعد إعلان جيش الاحتلال “قصف 3 مواقع في محافظة القنيطرة جنوب سوريا، ردا على اختراق طائرة سورية مسيرة أجواء الأراضي المحتلّة”، أردفها برسالة أخرى تؤكّد رغبة الصهاينة في بقاء الحدود السورية مع الأراضي المحتلّة تحت سيطرة النظام السوريّ، وضرورة إبعاد الإيرانيين عن تلك الحدود، ولم ينس “نتنياهو” أن يمنح نظام بشّار وأبيه شهادة حسن السّلوك وحفظ حقّ الجوار، حيث قال: “ليست لدينا مشكلة مع نظام الأسد، فعلى مدى 40 عاماً لم تُطلق رصاصة واحدة من مرتفعات الجولان”.
لا شكّ في أنّ هواة معزوفة “الممانعة والمقاومة”، سينظرون إلى تصريحات نتنياهو الأخيرة على أنّها جاءت تعبيرا عن خيبة الأمل الصهيونيّة في إسقاط النّظام الممانع، في أعقاب الانتصارات التي حققتها قوات النظام السوريّ على الأرض، وهو التأويل الذي كان من الممكن قبوله، لولا أنّ تصريحات رئيس وزراء الكيان المحتلّ، لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات كثيرة مشابهة أدلى بها عدد من المحلّلين والمسؤولين والقادة الأمنيين في “إسرائيل”، وفي بعض الدول الغربية، تكشف حقيقة الموقف الصهيونيّ، ودوره في إذكاء المكر الغربيّ – وحتى العربيّ – بالثورة السورية وفي اكتفاء المجتمع الدوليّ بأخذ موقف المتفرّج على المجازر التي ارتكبتها قوات الأسد في حقّ الشعب السوريّ.
تصريحات نتنياهو الأخيرة، تأتي 5 سنوات بعد تصريحات مماثلة أدلى بها الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي “أفرايم هاليفي” في 2013م، نشرتها مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تحت عنوان “رجل إسرائيل في دمشق”، أكّد من خلالها أنّ بشار الأسد هو رجل “تل أبيب” في دمشق، وأنّ”تل أبيب تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أنّ هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة، منذ تم توقيع اتفاقية فكّ الاشتباك بين الطرفين في عام 1974م”! وتحدّث هاليفي عن مخاوف كيانه الغاصب من أنّ “استمرار الفوضى في سوريا مدة طويلة وتوسع العمليات القتالية سوف يجلب الإسلاميين إلى البلاد من كافة أنحاء المنطقة، وهو ما سيهدّد الهدوء في الدول المجاورة لإسرائيل بما فيها لبنان والأردن والعراق، فضلاً عن أنّ الأسد قد يفقد السيطرة على مخازن الأسلحة الكيماوية، أو أنه قد يقرر أن يفقد السيطرة عليها”.
قبلها بعامين، بتاريخ 29 مارس 2011م، أي بعد أقل من 15 يوما من انطلاق الثورة السورية، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقريرا عنوانه “الديكتاتور العربيّ الأكثر تفضيلاً لدى إسرائيل على الإطلاق هو الأسد”، جاء فيه: “من المدهش أنّ اليهود يصلّون سراً من أجل أن ينجو نظام الأسد في سوريا”، وأضاف معدّ التّقرير “إنّ كلّ المنافقين العرب واليهود متّحدون على هذا الدّعاء وكأنّ الأسد مَلِكُ إسرائيل، علماً أنّ الشّعار الأجوف الفارغ الذي حمله الأسد الأب والابن حول “المقاومة” ما هو إلا ورقة تأمين لبقاء النّظام فقط، فالحكومة السّورية الممانعة لم تصدر حتى صوتاً مزعجاً في الجولان، بينما كانت مستعدّة لقتال إسرائيل حتى آخر لبناني، وإن لم تنفع هذه الخدعة فحتّى آخر فلسطيني ولِمَ لا؟”!
بعدها بيومين، في 31 مارس 2011م، صدر على “واشنطن بوست” مقال عنوانه “إسرائيل تفضّل بقاء الأسد” لمراسلة الصحيفة في تل أبيب، جانين زخريا، وفي اليوم الموالي (1 أفريل 2011م)، صدر على صحيفة “هآرتس” الصهيونية مقال عنوانه “الأسد ملك إسرائيل”، وفي 2 أفريل 2018م، نشرت “واشنطن بوست” تصريحا للنائب السابق لوزير الدفاع الإسرائيلي، إفراييم سنيه، يقول فيه: “إننا نفضل شيطاناً نعرفه”، وفي الفاتح ماي 2011م، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية عن خبير الشؤون السورية “موشي ماعوز” قوله إنّ”الإطاحة ببشار الأسد قد تشكل تهديداً غير مسبوق على استقرار جبهة إسرائيل الشمالية”، معللا ذلك بقوله “من تعرفه أفضل ممّن لا تعرفه”.
بعد ذلك بشهرين، في 28 جويلية 2011م، كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، أنّ”إسرائيل طلبت رسمياً من حلفائها وقف الحملة ضد سوريا”.. بعدها بأربعة أيام، في 2 أوت 2011م، أعلن وزيـر الدفاع الإسرائيلي حينها “إيهود باراك” أنّ “الإطاحة ببشار لن تكون تطوّراً إيجابياً لصالح إسرائيل”.. “يوآف موردخاي” الناطق باسم جيش الاحتلال الصهيونيّ أشار من جهته في 14 سبتمبر 2011م، إلى “وجود قلق إسرائيلي من سقوط الرئيس السوري بشار الأسد لأنّه يقف على جبهة مغلقة منذ سنين طويلة”.
في منتصف شهر أكتوبر 2011م، أجرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” استفتاءً خلصت من خلاله إلى أنّ”85% من الإسرائيليين يعتبرون بقاء الأسد مصلحة لإسرائيل”، وفي اليوم الموالي قال رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية “عاموس جلعاد” إن “سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل”، وأكّد كلامه في اليوم الموالي (17/ 11/ 2011م) عبر أثير إذاعة الجيش الصهيونيّ “جالي تساهال”، حيث قال: “إسرائيل ستواجه كارثة وستصبح مهدّدة دائمًا بالحرب مع الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن، إذا نجحت الثّورة السّورية الجارية منذ أسابيع متواصلة في الإطاحة بنظام بشار الأسد، الذي يمثل وجودُه مصلحةً لإسرائيل”.
في 9 نوفمبر 2016م، نشرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية فحوى حوار أجراه رئيس الوزراء الروسي “ديمتري ميدفيديف” مع كبار المسؤولين الصهاينة حول موقفهم من الأسد، حيث أبلغوه رغبتهم في بقائه، وأنه “هو من يستطيع السيطرة على الوضع الميداني، وأنه أفضل من سيطرة الإرهابيين”، فقال ميدفيديف: “هو نفس الموقف الروسي”.

“فيتو” إسرائيلي لحماية نظام الممانعة!

يتّضح من خلال هذه التصريحات المتناغمة أنّ الحرص الإسرائيليّ على بقاء النّظام الأسديّ “الممانع”، ليس وليد رجوح موازين القوى على الأرض السورية لصالح النظام، وإنّما هو حرص بدأ منذ الأيام الأولى للثورة السورية، وتُرجم ميدانيا إلى “فيتو” يمنع أيّ عمل على الأرض يساهم في الإطاحة بنظام الممانعة في دمشق، وهو ما يفسّر -بما لا يقبل النّقض- مماطلة المجتمع الدّوليّ في اتّخاذ إجراءات ميدانيّة حازمة لوقف المجازر المروّعة التي يرتكبها النّظام السّوريّ في حقّ الشّعب المطالب بكرامته وحريته؛ إذ كيف للأسد أن يستخدم الطّيران الحربيّ والمدفعية الثقيلة لقصف البيوت والمستشفيات ويرتكب أفظع الجرائم، ويستخدم السلاح الكيماوي ضدّ شعبه، من دون أن يلتفت إلى التّصريحات “الإعلامية” المندّدة التي كان يدلي بها قادة الغرب، كيف له ذلك لو لم يكن قد تلقى ضوءًا أخضرَ من شرطيّ العالم إسرائيل.
الفيتو الإسرائيلي ضدّ إسقاط نظام الممانعة، حقيقة يثبتها النفاق الدوليّ تجاه القضية السورية، ويثبتها بشكل صريح وواضح اعتراف وزيرة الخارجية الأمريكيّة السابقة “هيلاري كلينتون” التي أقرّت لوفد المعارضة السّورية برئاسة “برهان غليون” أواخر شهر نوفمبر 2011م، بأنّ هناك “فيتو” إسرائيليا ضدّ إسقاط الأسد، وضدّ دعم الجيش الحر وإقامة مناطق عازلة، وإنّ الانتخابات الأمريكية قريبة (نوفمبر 2012م) ولا تستطيع إدارة أوباما خسارة اللّوبي الإسرائيلي في الرّئاسيات المقبلة.

تزوير التقارير الأممية للتّغطية على جرائم نظام الممانعة!

في الـ20 من شهر جوان الماضي (2018م)، صدر تقرير مهمّ عن لجنة تابعة للأمم المتحدة، يتعلّق بالجرائم المرتكبة في سوريا، أكّد تعرّض الشّعب السّوريّ لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك تجويع المدنيين والقصف العشوائي، وفي اليوم الموالي (21 جوان 2018م)، تحدّثت صحيفة “نيويورك تايمز”عن حصولها على نسخة من مسودة سابقة لهذا التقرير من أحد أعضاء اللجنة الأممية الأمريكية، تكشف عن حذف فقرات تدين استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية، حيث وردت في المسودّة أكثر من 20 فقرة تحوي أدلة على استخدام واسع للأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد، مرفقة بشهادات وتوصيف مفصّل حولها، لكنّ التقرير النّهائيّ الذي حوى عدة فقرات تشير إلى هجمات متكرّرة بالأسلحة الكيماوية، لم يشر إلى هوية المسؤول عن تلك الهجمات!
هذا التزوير الذي مارسته هيئة الأمم المتّحدة للتّغطية على نظام الأسد، والذي يمثّل عيّنة من وقائع متواترة تثبت النّفاق الدّوليّ في الموقف من مأساة الشّعب السوريّ، لا شكّ في أنّه قد تمّ بإيعاز أمريكيّ، وبرغبة إسرائيلية في الحيلولة دون إدانة نظام الممانعة بارتكاب جرائم حرب باستعمال الأسلحة الكيماوية، وهو ما ستكون عواقبه وخيمة على نظام دمشق.

عودًا على بدء

بعض المتحمّسين المكبّلين بثنائية “إمّا مع إيران وحلفائها أو مع إسرائيل وحلفائها”، يبرّرون تباطؤ المجتمع الدّوليّ في اتّخاذ قرار يُوقف همجية النّظام السّوريّ التي يبرّرونها بضرورة المحافظة على النّظام المقاوم!؛ يبرّرون التباطؤ والتواطؤ الدوليين بالفيتو الرّوسيّ، وهذا التّبرير من السّطحية بمكان، لأنّ التّاريخ أثبت أنّ أمريكا –ومعها حلفاؤها- لا تقيم أيّ وزن لمثل هذا الفيتو الرّوسيّ، وأنّ الذي يقف خلف تحرّكات الدّول الكبرى إنّما هو الرّغبة الإسرائيلية.
إسرائيل لا تريد أن تغامر بنظام أحسن جوارها على جبهة الجولان؛ فخلال أكثر من 40 سنة من حكم حافظ الأسد وابنه بشار بعد توقيع اتفاقية فك الارتباط عام 1974م، ظلّت الحدود بين سوريا و”إسرائيل” هادئة تماما، بل قد كانت الطائرات الإسرائيلية تخترق الأجواء السّورية وتحلّق فوق قصر الرّئيس الممانع في اللاذقية، ويكون الجواب في كل مرّة بأنّ سوريا سوف تردّ في الوقت المناسب! وحتى الردود المحدودة التي حصلت في الآونة الأخيرة، هي ردود تبقى مقبولة في إطار “قواعد اللّعبة”، لأنّها كانت تلقى ردّا سريعا من الجانب الصهيونيّ، يتلوه انكفاء سوريّ مهين، تصوّره آلة التشبيح الإعلامية انتصارا مذهلا ضدّ الكيان الصّهيونيّ الغاصب!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جلال

    لا في العير ولا في النفير (لا مقالات دينية ولا سياسية أقتنعنا بها)