-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مناطق الظل داخل الإنسان أخطر!

مناطق الظل داخل الإنسان أخطر!
ح.م

كما توجد مناطقُ ظل على أرض الواقع، هناك مناطق ظل داخل الانسان، في مستوى عقله وأفكاره ووجدانه ووعيه، وهي الأخطر.. بل هي سبب وجود مناطق الظل الأخرى المادية التي أصبحنا نتحدّث عنها كل يوم، ونراها بأمّ أعيننا ولا نجد لها تفسيرا.

التفسير قدّمه الفيلسوف Marc Luyckx وهو يتحدّث عن مسألة الانتقال الحضاري التي يعرفها العالم اليوم في أحد حواراته. ذكرَ أنه إلى جانب قوى الظل التقليدية هناك قوى ظلّ داخل الإنسان ينبغي الانتباه إليها.. قوى الظل التقليدية هي تلك التي تُهيمن على الشعوب والدول وتمنع التغيير بوسائل من خارج الإنسان.. أما قوى الظل غير التقليدية فهي تلك التي تمنع ذات التغيير انطلاقا من داخل الإنسان. تتمثل الأولى في المافيا السياسية والمالية عبر العالم وداخل الدول، أما الثانية فهي ذلك الخوف من التغيير، وتلك الكوابح العقلية والنفسية التي تمنع التفكير والإبداع لإيجاد الحلول الملائمة للمشكلات المطروحة.

وقد بدا لي أننا نعيش مشكلة من هذا النوع في واقعنا اليوم، وهي ثلاثية التركيز. إننا نعرف مناطق الظل في الواقع (01)، ونعرفها في مستوى مافيا المال والسياسة (02)، ونعرفها في مستوى العقل الفردي والجمعي (03).

لقد قُمنا مثلا بإحصاء مناطق الظل الترابية التي فاق عددُها في بلادنا الـ15000. وتمّ إحصاء عدد القاطنين بها الذي زاد عن 8.5 مليون، فهل قمنا بإحصاء والتعرُّف على مناطق الظل غير التقليدية، أو تلك الكامنة بداخلنا؟ هل تحدّثنا عنها؟ لعل مشكلتنا تكمن في هذا المستوى.

إننا نرى بأمِّ أعيننا كيف يعجز مسؤولٌ محلي أو مركزي أمام مشكلات تبدو في الواقع هيِّنة، وكثيرا ما نعزو ذلك إلى صعوبات مادية أو مالية، في حين أنه كان علينا أن نبحث عن الخلل في مدى اتِّساع أو ضيق مساحة الظل العقلية والفكرية التي تهيمن على جزءٍ كبير من منهجيته في التفكير وفي إدراكه للمشكلة ووعيه بها. والشيء ذاته بالنسبة للمواطنين ضحايا مناطق الظل ذاتها، الذين تشكلت لديهم قناعة لاشعورية أنهم ليسوا سبب المشكلة التي يعيشونها وأنهم مسلوبو الإرادة أمام حلها وأنّ تكلفة التغيير بالنسبة إليهم أعلى من تكلفة البقاء على الحال ذاته، فيرضون بما هم عليه أو يتحسَّرون بلا فعالية ولا جدوى.

وهي الحال التي أصبحت تحكم تفكير قطاع واسع من شبابنا أيضا. لقد أصبح أكثر ميلا إلى اعتماد الذكاء الجماعي السلبي لحل مشكلاته أكثر من الذكاء الجماعي الإيجابي. إنه يرى في التغيير تحطيما لقوى الظل التقليدية من مافيا سياسية ومالية ولا يراه تحطيما لقوى الظل بداخله على مستوى الفكر والوعي، بل لا يرى هذه أحيانا مُجدية. انه يعتقد أن المشكلة هي في تغيير النظام ولا يراها في بنائه، في التغيير الجذري لا في التحسين المستمرّ. ولذلك أصبحت امكانية وقوعه فيما وقع فيه غيرُه في البلاد العربية واردة، إذ أحدث تغييرا بها ولكنه كان نحو الأسوأ، وأحيانا كان تغييرا جذريا نحو الأسوأ!

هذا يعني أن المشكلة التي نعيشها، ليست بالبساطة التي تبدو لنا، والإصلاح نحو الأحسن، الذي يقال لنا إنه ينبغي أن ينطلق من النفس، ليس مجرَّد شعار نرفعه، بل هو منهجية متكاملة، لا تكتفي بمكافحة مناطق الظل على أرض الواقع، بل تُدرك أنها لا يمكن القيام بذلك قبل مكافحتها على مستوى العقل والفكر والوعي والوجدان… وتلك مهامّ أكبر وأخطر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Alem

    كل ما قلته يعبر عن واقعنا الذي نعيش فيه ...
    هل لديك اقتراحات ل كيف نستطيع ان نجد مناطق الظل الغير تقليدية ؟

  • عبدين من تبسة (الجزائر)

    معذرة أستاذ.
    ضم مناطق الضل الى بعضها بهكذا طرح زاد في توسيع منطقة الظلام لدى القارئ.
    فمناطق الظل التي تقبل توصيفها المواطن- من غير مناقشة- عسى يجد عند أولى الأمر الحلول السريعة بل و النجدة، هي المناطق الحاضنة لعذاباته و همومه المعيشية اليومية، (لا يغيب عنك هذا ، أعلم ذلك).
    أما مناطق (قوى) الظل التي تضمن أو تمنع الإنتقال الحضاري كما يرى الفلاسفة، فلا أقول أنها هامشية و لكن " ليها قعدة" كما يقول الغلابة و هم ينتظرون الكهرباء أو يجلبون الماء من عين "الدوار المجاور".
    إن المواطن يترقب طلوع الشمس في القريب العاجل لأن الظل أصابه بكساح لا يداويه الطب النفسي .
    إنه يبحث عن مكان تحت الشمس أولا.