-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منهج “إن أكرمكم” في اختيار الرجال

حسن خليفة
  • 222
  • 0
منهج “إن أكرمكم” في اختيار الرجال
ح.م

ونحن نرى هؤلاء “الرجال” من ذوي المقامات التي كانت عالية سامقة، قبل حين، يُساقون إلى الأحباس زمرا وأفرادا ويُسألون في المحاكم عن الصغيرة والكبيرة في بعض ما كانوا يفعلون. وإنه لأمرٌ شنيع بشع يشي بالرذالة والدناءة وانعدام الكرامة أن يخون المرء الثقة… ثقة شعبه ومجتمعه ودولته.

ونحن نرى ذلك، ونسمع عن التداعي إلى الحوار والتدافع بشأنه والحرص على اختيار القائمات.. نستذكر شيئا مهمّا افتقدنا إليه طويلا، وابتعدنا عن توظيفه وتنزيله في أرض الواقع عند التقييم الحقيقي للبشر في مقامهم ومعدنهم ومآلهم. ذلك هو مقام التقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

لقد جاء علينا حينٌ من الدهر صار مقام الإنسان وقيمته وقدرُه يُستمد من مصادر عدة غير المصدر الحقيقي الوحيد الذي هو قيمة الإنسان في ذاته وفي كفاءته واقتداره وأمانته وعلمه ونقاوته، وقبل ذلك كله: دينه وتقواه.

وقد جنينا من ذلك ما تشهد عليه الوقائع من خسائر لا تعدُّ ولا تُحصى في الأرض والعرض والمال والثروة وتراجع مقام دولتنا بين الدول.

لقد مرّ علينا ما مرّ في هذا المقام فكانت قيمة الإنسان، ومنها خاصة المسؤول، تُستمد من منصبه أو من عشيرته، أو من عُصبته، أو مما يملك من مال، ولو كان من حرام.. أو غير ذلك، بل صرنا نلحظ أن سيرة أي مسؤول لا بدّ أن تكون خاصّة ابتداء، يعني فيها توابل العلاقات المشبوهة، والفساد، وما في حكمه، حتى يصل إلى ما يريد الوصول إليه، ويحقق مراده في المنصب الذي يريد أن يشغلَه ليشغّله بعد ذلك في التكسّب والتربّح والاختلاس مما صرنا نعرفه جميعا.

وتبعا لذلك، كان إسناد المسؤوليات الكبيرة والصغيرة على سواء، يتم بناء على تلك المقاييس غير الأخلاقية وبناء على معايير غير قويمة، وقد انتهى بنا الأمر إلى ما نراه ونشهده ونسمعه ونقرأ عنه يوميا، بكل أسف؛ إذ تبيّن أن الأكثرية كانوا “حرامية” ولصوصا ومخادعين وختّالين وغشّاشين وناهبين وبلا مروءة ولا ذمة، والمصيبة أنهم لم يكتفوا بتوريط أنفسهم الآثمة، بل ساقوا معهم عوائلهم وأولادهم وبناتهم وأحفادهم وحفيداتهم، فصاروا حديث المجالس وعبرة المعتبرين وفاكهة القعدات في المقاهي.

إن أقدار البشر إنما تتفاوت في أمر أساسي وهو ما يقدّمونه بين يدي الله تبارك وتعالى، وما يقدّمونه من أعمال صالحات، فهي التي ترفع منازلهم عنده سبحانه، وهي التي تكون موضع الاهتمام والرفعة وقوله تبارك وتعالى في هذا الشأن واضح مبين:

“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” (الحجرات 13).
وإذا كان أهل الجاهلية الأولى يتفاخرون بأحسابهم وأنسابهم، فقد جاء الإسلام ليعتبر ذلك من أدران الجهل والجهالة والحِطّة، ولا قيمة له في الموازين الحقيقية. وهو مما ينبغي أن يتسامى عليه المسلم والمسلمة بكل ما أوتيا من قوة إيمان.

وقد انتهى الأمر بنا إلى تفاخر الناس بـأمور أخرى، فضلا عن الأحساب، يتفاخرون بما عندهم وما يكسبون من عقار ومال وأراض وجواهر ونفوذ أوليائهم وقربهم من صانع القرار، ووجاهتهم ومعارفهم التي لا تُعدّ ولا تحصى.. لنذكر هذا الحديث الشريف.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: خطب الناس يوم فتح مكة فقال:

يا أيّها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبيَّة الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: برّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، وقرأ صلى الله عليه وسلم الآية السالفة الذكر “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…” (السلسلة الصحيحة).

وخرّج الترمذي مما رواه أبو هريرة رضي الله عنه:

“لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ. إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ”.

فانظر وتأمل، كيف شبه النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ المفتخرين بالجُعلان وآباءَهم المفتخَر بهم بـ”العذرة” أكرمكم الله، وهو ما يعني الانتهاء عن الافتخار والكفّ عن أمثال هذه السلوكات.

إن الفخر بالأنساب والأحساب، وكذا الفخر بما لدى الإنسان من نفوذ ومال وما إليه من صنوف الثروات أو أنواع “المعارف” والعلاقات و”الأكتاف”، مما هو شائع سائد مستحكَم عند بعض الناس يظهرون به قيمتهم ومكانتهم.. لهو مما يجب أن يُترك وراء ظهورنا تماما، بعد الذي حدث إن كنا نعتبر ونأخذ الدروس.

وإنه من الواجبات الأساسية أن ننظر في شأن تقييم الناس بشكل جاد إلى هذه الحقيقة: التقوى والدين ونظافة اليد والمسلك، ونزاهة المسار، وقوة الأمانة والعلم. ولننته من كل الأساليب المظلمة البائسة التي كانت سائدة في إسناد المسؤوليات ووضع الناس في المواقع والمناصب المختلفة أعلاها وأدناها.

إن كنّا استفدنا كمجتمع ودولة مما حدث حتى الآن.. فيجب أن تحلّ المعايير الحقيقية وهي أساسا معايير ربّانية، ومنها معيار “إن أكرمكم” بكل ما تعنيه وتدلّ عليه وتوجبه، تحلّ محل المقاييس الخاطئة: الولاء، وابن الدشرة، وابن العمّ، والصديق، والعُصبة، و”انتاعنا”…

ليس لنا عذرٌ أمام الله تعالى، ثم أمام مجتمعنا في عدم اتباع الطريق السوي الصحيح في تدبير الشأن العام وتسيير شؤون المجتمع بناء على ما هو صحيح ودائم وحقيقي ونزيه ومنصف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!