-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منْ غشّنا فهو منّا..!

منْ غشّنا فهو منّا..!

الأخبار الواردة مؤخرا من مراكز امتحانات شهادة التعليم الابتدائي، بشأن توسُّع رقعة الغش، من المفروض أن تحرك الوزارة الوصيّة والعدالة وكل الأجهزة والمؤسسات المجتمعيّة، لأنّ الانحدار الأخلاقي رهيب وينذر بالانهيار الكامل لمنظومة القيم في المجتمع.
آلاف المناشير على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثرها تُنسَب إلى أسرة التدريس، تؤكد أنّ معلّمين مكلفين بالحراسة مارسوا الغش وتواطؤوا مع البراءة في انتهاك حرمة الامتحان دون وازع قانوني ولا إداري ولا أخلاقي، ما يعني أن المسألة لم تعد طيش صغار، بل صارت في منتهى الخطورة، عندما يتحول “حاميها إلى حراميها”، وتأتي الفضيحة مدويّة أمام أعين التلاميذ من صناع الفضيلة المهدورة!
قبل سنوات، وتحديدا منذ تدشين عهد الإصلاحات التربوية مطلع الألفية، كثر الحديث عن تنامي ظاهرة الغشّ في الوسط المدرسي، وبعض المختصين لم يستبعدوا تسييس القضيّة، من خلال تقديم تسهيلات للممتحَنين، وصلت حدّ السماح لهم بتداول الإجابات في ما بينهم، لأجل إبراز نتائج إيجابيّة مصطنعة لمشروع الإصلاح، الأمر الذي قفز بنسبة النجاح في شهادة نهاية التعليم الثانوي إلى مستويات قياسيّة غير مسبوقة منذ الاستقلال.
أضف إلى ذلك، أنّ مصادر مطلعة تعزو تفشّي الغشّ في ولايات معينة، إلى التنافس بين مديريات التربية ومؤسسات التعليم لجهات البلاد، في الظفر بمراتب متقدِّمة ضمن الترتيب الوطني العام!
هذه المعطيات دفعت الكثير من المراقبين للشأن التربوي إلى التشكيك في موضوعية تلك النتائج الباهرة في البكالوريا وشهادة المرحلة الإكماليّة، مؤكدين أنها لا تعكس مستوى التحصيل المعرفي الحقيقي، بدليل الإخفاق الكبير الذي يواجهه أصحابها المتوّجون على عتبات الجامعة!
وهكذا يتدحرج الغشّ من الترقية المهنيّة إلى مسابقات التوظيف، ثم النجاح في المسار الجامعي، لينزل إلى شهادة البكالوريا والإعدادي، قبل أن يستقرّ في قاع التعليم الابتدائي، والمحصّلة النهائية هي إنتاج إنسان جزائري مغشوش منذ الطور التحضيري!
كم هو مؤسفٌ أن يتحول الغش إلى علامة وطنيّة مسجلة في بلادنا، أفسد السلطة والسياسة والانتخابات والنضال والتجارة والصناعة والفلاحة والرياضة وسواها من قطاعات العمل، حيث لم ينجُ ميدانٌ واحد من إخطبوط الغش، أمّا أن تمتدّ أيادي الغشّاشين إلى التعليم بالسوء، فتلك هي الطامة الكبرى التي لا تبقي ولا تذر!
إنّ ما يجري من تدليس وتزوير في مدارسنا وجامعاتنا وكافّة مؤسساتنا، بل يملأ علينا كلّ جوانب حياتنا اليوميّة، إلا من رحم ربّك، مؤشر خطير على موت الحس الأخلاقي في قلوبنا وضمائرنا، وذاك هو الحالقة المهلكة، لأنّ الشعوب والأمم، كما قال شاعر العرب أحمد شوقي، هي الأخلاق ما بقيت، فإنْ هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
لقد صدق فيلسوف العصر مالك بن نبيّ عندما شرّح علل المسلمين، مشخّصًا أسباب الانحطاط الذي يغطون فيه، حيث خلص إلى أنّ الأزمة الأخلاقيّة من أكبر التحديّات التي تعوق استئناف مسيرتهم في ركب الحضارة الإنسانيّة، وحينما نُسقط مثل هذا الكلام العميق في مدلولاته التربوية والفلسفيّة على واقع الجزائريين اليوم، نجد أنّ العقبة الكأداء في طريقنا نحو التقدُّم أكثر تعقيدًا وتشابكًا من أن تكون مشكلة مال وإمكانات وموارد، بل هي معضلة الوصول إلى صناعة الإنسان الصالح الذي يبني ولا يهدم، وتلك إشكاليّة كبيرة تبحث عن إجابات أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!