-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من الأفراح القاتلة

التهامي مجوري
  • 593
  • 5
من الأفراح القاتلة
ح.م

نبدأ بالحفل الغنائي الذي خلف ستة قتلى وعشرات الجرحى، بسبب التدافع في شراء التذاكر، ومن لم “يطبع” من أجل الوصول إلى شراء تذكرة، اشتراها بـ5.000دج… إضافة إلى الخروقات الاجتماعية التي لا تخلو منها مثل هذه المناشبات، فقد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي أن إحدى الضحايا ذهبت إلى الحفل بدون علم زوجها، ولما وقع الذي وقع، اكتشف الزوج وبكى حظه التعيس، وقال ماذا أقول للناس؟

ما هذا الذي يحدث في البلاد؟ وما هذه الفوضى التي تعيشها الجزائر؟

وما هذا الإمعان في قتل البلاد ما ديا ومعنويا؟ هل نحن اليوم في وضع يسمح لنا بإحياء مثل هذه الحفلات المعروفة ببداياتها ونهاياتها؟ وصدق المثل الشعبي القائل “ما ينقص المشنوق غير ماكلت الحلوى”.
إن الإقدام على مثل هذا الفعل، لا يعبر إلا عن شيء واحد، وهو فضح المجتمع بإظهار سلبياته التي لا تتوافق ومواقفه السياسية، وكأن وزارة الثقافة أو الجهة المنظمة لهذا الحفل الغنائي، مثلا تريد أن تقول لنا هذا هو الشعب الذي يريد لنا أن “نرحلو قاع” والحديث قياس.

خلال ستة أشهر من الحراك الشعبي الذي أبهر العالم، بسلميته ومواقفه الثايتة التي لم تتغير ولم تتبدل، ولم يلاحظ أحد مخالفة أو اعتداء أو جرح أو قتل أو خروج عن منطق الاحتجاج السلمي؛ بل وأمر آخر مهما قلنا عنه أو كان موقفنا المبدئي منه، هو موقف الجيش الوطني الشعبي في مرافقة الحراك الشعبي، وهي فضيلة من فضائله في هذه المناسبة الوطنية الشعبية، والأفضل منها كما قال لي أحد الزملاء، لأول مرة في العالم يقع أن يبطل الجيش انقلابا؛ لأن العادة أن الجيوش هي التي تقوم بالانقلابات، وكذلك خطاب رئيس الدولة الذي يمارس اليوم الحكم كرئيس معين بفتوى دستورية، لقيادة مرحلة انتقالية تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية، فقد دعا الطبقة السياسية الى التحاور بعيدا عنه وعن غيره من المؤسسات الرسمية.

والحوار السياسي الوطني بين أطراف المعارضة والمجتمع المدني، هو الآخر كان متناغما، فقد كان فعالا وفي المستوى المطلوب، فخلال الستة أشهر هذه، نمت طروحات سياسية راقية فأنتجت أرضية هامة وهي أرضية “المنتدى الوطني للحوار”، التي وضحت فيها المبادئ السياسية العامة، والمطالب الشعبية بوضوح، بلغة السياسي المتفهم للمرحلة وما تستحق من تجاوب وتجاهل، وليس بمنطق ولغة خذوه جملة أو دعوه جملة.

فهذه المظاهر المبشرة بتحول ديمقراطي جاد، وتفاعل سياسي رزين لا يريد لها البعض أن تنمو نموا طبيعيا، أو أن تحقق المقاصد الشعبية المطلوبة، ولذلك كانت المشوشات الهامشية، التي لا تبدو –في الظاهر- لها علاقة بالموضوع ولكنها في واقع الأمر من صلب الموضوع ومن صميمه، ومن المشوشات عليه وعلى وسائله وغاياته.

أولا: لجنة الحوار التي من المفروض أن تكون تتويجا للمسار السياسي الإيجابي التفاعلي مع الطبقة السياسية بجميع أذرعها، الرسمية والشعبية، العسكرية والمدنية، أحزابا مجتمعا مدنيا…، ولكن ما وقع ليس كذلك، وإنما أنشئت اللجنة في ظروف غامضة وربما بإيعاز من جهة ما؛ لأنها أنشئت بأساليب الخفافيش التي كانت تصنع الحدث في سبعينيات القرن الماضي، وكذلك مهمتها فقد أعلنت اللجنة عن مهامها التي ستقوم بها، وهي مهام دولة وليست مهام لجنة تقنية لا تتجاوز مهمتها العمل على تصفية الأجواء وتثبيت الضمانات التي تفضي إلى الشرعية المطلوبة، وتهيئة الظروف السياسية المناسبة لاجراء انتخابات رئاسية.

ثانيا: عودة الخطاب الراديكالي الذي لا يعجبه العجب ولا الصيم في رجب، بإحداث المعارك الهامشية بين الفرقاء السياسيين، التي ذللت الكثير من صعابها لقاءات أحزاب المعارضة والمجتمع المدني، والمطالب التثويرية مثل عودة الدعوة الى العصيان المدني، الذي كان في بداية الحراك واختفى بفعل الجدية في الحوار بين السياسيين والمجتمع المدني، وغلق المنافذ عن كل حل يهدف إلى الخروج من الأزمة، واستغلال كل خطاب راديكالي يصب في هذا الاتجاه مهما اختلفت المشارب الفكرية والثقافية.

ثالثا: بروز مطالب جديدة لطبقة قديمة ألفت ركوب الشعب عن طريق التعيين بدل الانتخاب، تناضل هذه الأيام، بواسطة الضغط على السلطة الفعلية، وربما عبر المفاوضات السرية، من أجل تمكينها من الشعب الذي رفضها بالصندوق. هذه الطبقة التي أدخلت البلاد في فتنة حصيلتها 250 ألف قتيل، تريد اليوم أن تضمن قسمتها من “الفرماجة” لأن مستقبلها السياسي مهدد بالانقراض لأنه لا وجود له في أوساط أغلبية الشعب، ورغم أن هذا التيار كان ولا يزال يراهن على “القوة” بدل الفكرة، يريد لنهجه أن يستمر ولو على جثث الجزائريين، ولا يهمه من الجزائر إلا هواه الأيديولوجي، رغم انه كان هو الذي يدندن حول الديمقراطية واحترام الحريات واحترام الاختيار الشعبي… كل هذه الأغاليط قد يئسوا منها لأن الساحة السياسية والاختيار الشعبي كشفهم منذ 1991، ولا تزال إلى يومنا هذا، كلما كانت انتخابات نزيهة إلا ووجدوا أنفسهم في ذيل القائمة. فعاد بهم هذا اليأس إلى التخلاط بجميع الوسائل، ومنها التشويش الذي يقومون به هذه الأيام، سواء بالتشكيك في نوايا الجيش، أو بالمشاركة في لجنة الحوار أو حتى بالتشويش عليها أيضا، “فولتي ولا نبول في الكانون” وبالتخلاط في اللقاءات الجامعة، ولكنهم دائما يُعرفون بلحن القول..

رابعا: تنظيم مهرجان غنائي والجزائر في عز الأزمة السياسية، والحرب “شاعلة” بين قوى السلطة الخفية، التي لا يُرى منها إلا آثارها وملامحها، كسَجْن بعض المسؤولين السابقين، وتأجيل دخول النقيب أحمد شوشان، الداعم للخط الذي تسير عليه السلطة الفعلية، والأدهى من كل هذا موت بعض الشباب في مثل هذه المحافل الغنائية.

هذه النماذج -في اعتقادي- تمثل المشوشات على مسار الفعل السياسي الجاد، أكثر منها مسارات تفاعلية مع الحراك الشعبي والحياة السياسية، للدلالة على أن ما تحقق خلال هذه الفترة بفضل النضج السياسي الشعبي، وانعتاق الطبقة السياسية من قيود النظام الفاسد، الذي يطالب الحراك بتغييره ليس حقيقيا، وإنما هو مفتعل، من صنع الجهات التي خططت للحراك وهي تستثمر فيه بالمقدار الذي يحقق لها أهدافها… بدليل –حسب زعمهم- أن حفل بسيط مات فيه ستة أشخاص وجرح العشرات..، فلو كان “الشعب مربي” كما يدعي الحراك لما مات أحد!! وكذلك الطروحات الراديكالية، فمستندها أن النظام واحد ولا يزال واحدا ولا يتغير إلا بذهاب زيد وعمرو ومعهما “عمار بزور”.

ليس عندي أدنى شك في وجود جهات تعمل على كسر كل مكسب سياسي حققه الشعب في هذا الحراك، وإذا فشلوا عملوا على التهوين منه ومن ميتواه، سواء بالتشكيك فيه كصناعة شعبية بامتياز، وباستصغار الكبائر منه، وعجزت هذه الجهات فإنها تعمل على صناعة ثمار جديدة سيئة ليست من جنس الأفعال الكبيرة.. فأن يقال عن شعب انتفض فخرج منه 20 مليونا للمطالبة برحيل السلطة والتخلص من الفاسدين منها، أنه مات منه 6 أشخاص في ازدحام على حضور حفل غنائي قضية “ماتركبش”!! إما ان هذا الشعب بطل ويمكن أن يقع منه ما وقع في هذا الحفل الغنائي، أو أنه شعب “ماهوش مربي” ولكن نحن من خدعنا فيه… تلك هي التساؤلات والنتائج التي يراد منا الوقوع فيها وتداولها وكأنها من التفكير الاستراتيجي الذي ينبغي أن نستحضره ونستصحبه في مسيرتنا السياسية الجارية لا سيما ونحن على أبواب دخول اجتماعي جديد ستصنع فيه مقررات ما سيقع للبلاد لاحقا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • ياسين

    قلتها و أكررها أن السفينة التي يدعي غالبية ركابها العبقرية و تزكية النفس؛ مصيرها الغرق، إن لم تتداركهم رحمة الله...

  • Ahmed

    هذا النوع من الشو بزنس فيه ترويج ل عبادة الشيطان secte satanique واغلب الظن ان المغني لا يدري ذلك لا هو ولا من يتبعونه.

  • نحن هنا

    الأمر مدبر بليل كما يقال واستقالة الوزيرة أو إقالتها لاتكفي بل لابد أن تأخد العدالة مجراها ثم أن السلطة هي المسؤولة عن حعظ الامن وليس الحراك فما هذا الربط؟

  • HOCINE HECHAICHI

    يا "صاحب القرار" مصائب قوم سولكينغ عند قوم الحراك فائدة لإقالة Bدوي بدون "إملاءات وشروط مسبقة" فلا تضيعه.

  • HOCINE HECHAICHI

    يا "صاحب القرار" مصائب قوم سولكينغ عند قوم الحراك فائدة لإقالة Bدوي بدون "إملاءات وشروط مسبقة" فلا تضيعه