-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من الكذب إلى التكذيب

من الكذب إلى التكذيب
ح.م

تعوّدنا منذ عقود على حكومات، تسيّر شؤون طاقمها، وليس شؤون البلاد، وتقذفنا بالكذب والوعود، حتى صار الكذب هو الحقيبة الحقيقية التي يحملها كل وزير، وصار الناس يتفننون في إطلاق “النبز” على هذه الهيئة كأن يسموها “ميكي” وما شابهه من الرسوم المتحركة.

الأمور تغيّرت وانقلبت رأسا على عقب في أول حكومة لما بعد العهد البوتفليقي الطويل، ومن الكذب انتقلت مختلف الوزارات إلى التكذيب، وفي كل مرة تطلّ علينا وزارةٌ لتعلن نقطة نظام، وتقوم بتكذيب خبر عابر حلّق في الفضاء الأزرق، في محاولةٍ منها لإطفاء نيران الإشاعة المشتعلة في كل مكان.

الطبيعة تكره الفراغ، والعقود الماضية ولّدت الفراغ، وحطمت كل الجسور التي تربط المواطن بالحقيقة، وهناك وزاراتٌ لا تنشط خلاياها الإعلامية قطّ ولا تتصل أبدا بالمواطنين، وإذا اتصل مواطنٌ بها نأت بجانبها، ونفضت كفيها، فتحوّلت مختلف الوزارات إلى ألغاز لا يفك شفرتها أحد.

ومنذ أن تسلم رئيس الحكومة الجديد عبد العزيز جراد مقود التسيير، ووزراء الهيئة التي يشرف عليها يقدِّمون توضيحات بين تكذيب واستنكار على تغريدات يرى البعض بأن أصحابها يريدون عرقلة عمل الحكومة، بينما ينتظر المواطن تجسيد بعض الوعود التي أطلقها النظام حول تحسُّن حياة الجزائريين، الذين لا يريدون من الوزير أن يقرأ خبرا في الفايس بوك، فيزعجه ويردُّ عليه بقسوة، وإنما مباشرة العمل المضني لإنقاذ الجزائر ولا يلتفت إلى المغردين.

 وإذا تواصلت ردّات الفعل الاهتزازية التي تقوم بها الكثير من الوزارات مثل التعليم والجامعات والتجارة والعدل… فإننا سنكون مقبلين على حكومة لا تفعل، وتكتفي بردّات الفعل، وهو أمرٌ أخطر من الحكومات السابقة التي كانت تفعل كل ما هو سيئ، وكانت عبارة عن أفعال وليس ردّات فعل.

يقولون في عالم الفن إن المغني الفاشل هو الذي يقضي أيامه في تكذيب ما يُثار من حوله من إشاعات، ويتهمونه أحيانا بأنه هو من يرسم خيوط هذه الإشاعات ثم يطلَّ على الناس لتكذيبها، من أجل أن يُؤمّن نفسه من الناس، أو ليلفت نظرهم إلى أمر عجز عن تحقيقه في فنه، أما المغني الناجح أو المثالي، فيقضي وقته في الإبداع، فلا وقت له لسماع الإشاعات، وحتى لو سمعها، فهو لا يمتلك وقتا للرد عليها، وحتى لو سنحت له فرصة الردّ، سيتجنبها حتى لا يضيّع على نفسه زمنا ثمينا في ما يعتبره رخيصا.

إلى غاية إطلاق الأنفاس الأولى من عمر الحكومة الجديدة لم نر سوى حقائب مليئة بـ”حق الرد” على إشاعات مسّت عالم التجارة والتربية وغيرهما من القطاعات الحساسة، ومازلنا ننتظر خطط عمل حتى تتجاوز الجزائر محنتها وترمّم الجسر المعنوي الذي من المفترض أن يربط القاعدة بالقمَّة، وتصبح منصات التواصل الاجتماعي مجرَّد تغريدات لا يسمعها سوى صاحبها، بينما تطلّ كل وزارة بعمل منتِج ومفيد، وحينها يفقد الفضاء الأزرق لونه وتصبح كل تغريدة أشبه بمن يؤذن في مالطا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • نوال بولعشب

    الوهن و الفقر

  • نوال بولعشب

    كل شيء يتغير