-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"موقان" أقدم مطبعة مدنية في إفريقيا ترفقها مكتبة ثرية

من هنا صدرت جريدة “التل” لقرن من الزمن

نسيبة علال
  • 547
  • 0

يقودك الزحام الكبير في الشارع المؤدي الى ساحة التوت في قلب مدينة البليدة، الى اقدم مطبعة مدنية في قارة افريقيا، اذ لا يمكن ان تكمل طريقك دون الوقوف بالقرب من هذا المبنى الكلونيالي العريق، خاصة وأنه لايزال بعد اكثر من قرن ونصف يحافظ على تفاصيله الجميلة ذات الطراز الفرنسي البحت.

دخلت الشروق العربي من باب المطبعة الذي يقابله نصب ساحة التوت واسراب الحمام بمحاذاة عربات الاطعام السريع وافواج المارة والمتجولين، كل هذه الديناميكية الموجودة في الخارج ما تلبث ان تنطفئ في عقل الزائر حتى يتوقد عبق اخر.. انها الرحلة عبر الزمن، فرائحة الأوراق تشبه رائحة الخشب هنا، شيء من منظر آلات الطباعة الضخمة في أول ورشة على اليمين يبعث في ذهنك شريطا من الخيال الواسع، فقد شيدت هذه المطبعة عام 1857م، من قبل مؤسسها ألكسندر موقان لتكون منبع ينهل منه الجزائريون آنذاك مختلف العلوم والثقافات العالمية واللغات بخاصة الفرنسية، الورشة عادت الى العمل سنة 2015، بعد انقطاع طويل وهي اليوم تصدر سجلات مدنية لمختلف إدارات البليدة، يتم طبعها، لصقها وخياطتها هناك، تصحبنا السيدة لونيسي سهيلة مسيرة المطبعة عبر رواق ضيق قصير فيه الكثير من القطع الأثرية على شكل آلات طباعة صرافة تقليدية، ساعة قديمة جدا وهاتف أيضا، وبعض التفاصيل ذات الطابع الفرنسي مرننا بها بسرعة ليستقبلنا سنبورا مياه يعود تواجدهما لسنة 1826م، في الورشة الثانية كثير من الآلات والأوراق تعبر هنا وهناك للتدفق سيلا أبيضا من الوثائق المطبوعة، تشهد السيدة لونيسي مسيرة مطبعة موقان وأول جزائرية استلمت مهمة تسيير الشركة بعد وفاة شانتال لوفر آخر وريثة فرنسية لها، ان الديناميكية التي وصلت إليها هذه الأخيرة هي نتاج جهود حثيثة ومساعي جادة لإعادة بعث نشاط المطبعة والمكتبة المرفقة لها، فقد سعت السيدة لونيسي، وبصفتها خبيرة في الشؤون المالية والمحاسبة، لوضع استراتيجية محكمة لانتشال المطبعة من الضياع، وإعادتها لخدمة القارئ البليدي الذي يربطه ارتباط حميم بالكتاب، رغم كل المشاكل الاقتصادية التي وجدتها فمنذ إعادة فتح المكتبة التابعة لها سنة 2019م، والتي تأسست عام 1909م، قام الفريق بتنظيم ورشات قراءة مجانية للأطفال كل ثلاثاء، وكعرفان لهذا الجميل يقبل الاولياء على شراء الكتب منها وإعادة علاقتهم بالكتاب تدريجيا، لم يكن الأمر سهلا، ولا مستحيلا حسب إفادة السيدة لونيسي، اذ تم تخصيص قاعة للمناقشة زرناها رفقتها فوجدناها بمثابة متحف مصغر يحتوي وثائق وصور، وقطع غاية في الندرة، تصطف على الجانبين عشرات الأدراج الخشبية التي تضم آلاف الحروف المعدنية والخشبية وقطعا تحدد أنماط الكتابة كانت تستعمل للطباعة على عديد الآلات هناك، قبل ان تحول الى تراث مادي لا يمكن العثور عليه في مكان اخر عدى في مطبعة موقان، ومن هذا القسم كذلك كانت تصدر اشهر جريدة في الاطلس البليدي تحت عنوان “التل”، ناطقة بالفرنسية، وتهتم بشؤون أهالي متيجة وانشغالاتهم، تقول مسيرة المطبعة انه طوال السنوات المائة التي صدرت فيها من 1864-1964، كانت تعلق على الواجهة الزجاجية للمكتبة في الطابق السفلي، في يومي السبت والأربعاء متى يتم صدورها حتى يتمكن المارة ممن لا يملكون ثمن شرائها من الاطلاع على الاخبار والمستجدات.

في الطابق العلوي تقبع التكنولويا التي تسعى لحفظ الإرث القديم، هناك مكتب خصص للانفوغرافيا والطباعة الرقمية لمواكبة التطور السريع في مجال الطباعة ورقمنة الوثائق.

ان علاقة أهالي البليدة بمكتبة موقان، تفوق ارتباطهم بما توفره من كتب قيمة ونادرة، فالعلاقة روحانية أكثر فهم يعرفون على عائلة موقان انها كانت صديقة للثورة التحريرية، ناهيك عن الخدمات الجليلة التي قدمتها مؤسستهم للبليدين، من ترجمة للوثائق المدنية كعقود الزواج والوفاة..، ومساهمتهم في نشر الثقافة والتعليم من خلال فتح مساحة للقراءة، واعارتهم وحتى اهدائهم كتبا بالمجان، حتى ان المكتبي الشهير ذي المكانة الاجتماعية المرموقة ألبير بولونجي، كان قد أصدر كتابا على اللهجات والثقافات الجزائرية، وها هي الآنسة ياسمين لونيسي مديرة المكتبة تحاول جاهدة الحفاظ على هذا الإرث بتوفير الكتب التي يحتاجها الطلاب الجامعيون خاصة وبمختلف اللغات.

يجدر بالذكر أن كل من مطبعة ومكتبة موقان، قد تحولتا منذ إعادة فتحهما الى مزار للسياح الأجانب وشخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!