-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مَخرج الواقعية السياسية.. البديل الأفضل!؟

مَخرج الواقعية السياسية.. البديل الأفضل!؟

المسائل الأساسية التي مازالت تُعطِّل التقارب بين الجزائريين في تقديري، ويستثمر فيها الكثير، هي حالة الظلم الاقتصادي والاجتماعي التي يعيشها الناس ويرونها رأي العين، وفي مرتبة ثانية الظلم الثقافي المتعلق بالقيم الوطنية والتاريخ، ثم في مرتبة ثالثة الظلم السياسي المتعلق بالمشاركة السياسية وبشرعية السلطة…

وكما هو معروف، هناك مقاربتان رئيستان لتسوية مثل هذه المسائل، الأولى ترى أن الاستبداد السياسي هو مصدر كل أنواع الظلم، أي عندما تتحكم أقلية في الحكم تُحوِّل كافة الثروات والموارد لصالحها وتستأثر بها مما يُمكِّنها من ممارسة مختلف أشكال الظلم الأخرى… والثانية ترى أن الظلم السياسي، والاستبداد أحد مظاهره، أساسه الظلم الاقتصادي واحتكار الموارد المادية والمالية للدولة من قبل أقلية تَمكَّنت من الثروة في ظل ظرف تاريخي خاص أو تَحوُّلٍ اجتماعي يتميز في الغالب بطابع الأزمة أو الحرب.

ومن غير الخوض في التفاصيل النظرية للاتجاهين وحُجَج كل مدرسة من المدرستين، يبدو أننا في الجزائر عرفنا التجربتين معا. الأولى كانت غداة استعادة الاستقلال عندما سبق الوصول إلى السياسة الوصول إلى الثروة، والثانية بعد التسعينيات من القرن الماضي وإلى اليوم عندما تمكن من وصلوا إلى الثروة بطرق غير مشروعة أثناء العشرية السوداء ومَن ضاعفوا تلك الثروة مع بداية الألفية الثالثة من الوصول إلى الحكم واستغلاله لصالح مزيد من الثروة. وبين التجربتين يُمكِن متابعة شريطَ مختلف أشكال المظالم التي عرفها المجتمع.

في العقدين الأولين تمَكَّن الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله من تخيير القادة السياسيين وأرباب المال بين “الثورة والثروة” في عبارته الشهيرة. وجسّد ذلك على أرض الواقع بالفعل، إذ بإمكاننا انتقاد فترته في كافة المجالات، إلا في مجال نهب ثروة الشعب، فذلك لم يكن مسموحا به، وهو ما جعله يبني شرعيته السياسية التي بدأها من الصفر.

 وفي العقدين الأخيرين كان بإمكان الرئيس السابق أن يُحوِّل الشرعية الاقتصادية والمالية إلى شرعية سياسية، إلا أن ذلك لم يتم، بعدَ أن تَمكَّن أرباب المال، لأسباب عدّة، من التحكم في السياسة، وأصبحوا هم مصدر الخلافات التي يعرفها المجتمع، بل هُم مَن أنتجوا الكثير من الأمراض الجديدة التي سادت في السنوات الأخيرة.

واليوم، نحن أمام مرحلة حرِجة، يبدو لي أنه علينا فيها إيجاد مخرج للبلاد، يَمنَعُنا مِن الاستبدادين معا، باسم السياسة أو باسم المال، باسم الثورة أو باسم الثروة. وهذا المخرج لن يكون في تقديري إلا من خلال اتفاق الجميع، على أولوية إيجاد آليات لوضع حدٍّ لجميع أشكال الظلم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، باعتبارها الأكثر استعجالا، والأكثر ارتباطا بحياة الناس، فضلا عما فيها من عمق سياسي، على أن يَعتَبر ذلك بداية حقيقية لممارسة الواقعية السياسية الأنسب لبلادنا في ظل معطيات الظرف الراهن المحلي والدولي. وسيكون ذلك بمثابة الخيار الأقدَر على أنْ يُجنِّب بلادنا الوصولَ إلى حالة أزمة شديدة نُصبِح فيها، غير قادرين لا على إنتاج الثروة ولا على الإبقاء على الثورة، أي غير قادرين على إعادة الأمل الحقيقي للناس… وهو ما ينبغي التنبيه والانتباه إليه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • Observer

    Read the Story of Omer Ben Abd Alaziz.: أيها الناس أصلحوا آخرتكم يصلح الله دنياكم.”

    أقبل – رضي الله عنه- على آخرته يصلحها، وأعطاها كل اهتمامه، فتولى الله أمر دنياه حتى جعله سيد الدنيا

  • ام الفاتح

    ان التحالف غير المقدس الذي جمع بين رجال الاعمال وكبار السياسيين والمسوولين الفاسدين في غياب الرقابة والمحاسبة و في ظل الوفرة المالية مع غياب العدالة التوزيعية للموارد هو اصل الاستبداد المالي والسيا سي واملنا في جزاير جديدة لا يظلم فيها احد

  • لمبارك

    سيد قلالة هناك من سرق ونهب اموال الجزائريين باسم الشرعية الثورية والوطنية وهم الا بالسجن -رحم الله القايد صالح رحمة واسعة واسكنه فسيح جنانه -.
    وهناك من سرق ارواح الجزائريين اقصد الجماعات الارهابية السلفية الدموية -قتل وسفك دمائهم بغير وجه حق - باسم الدين الاسلامي (المتاجرة بالدين والتستر به لقضاءمصالحهم وتمرير مخططاتهم الفاسدة الاجرامية ) .
    الجزائر بحاجة لتغيير جذري واقعي ي كل مناحي الحياة

    اتمني من رئيسنا الجديد عبد المجيد تبون ان يكون له الشرف والفضل الكبير في تجديد بلادنا وشكرا

  • Ezzine

    الدوران المتكرر في حلقات مفرغة متتالية دون مبالات لأبسط القواعد الخلوقية (دونها الأخلاقية) لا ينجم عنه شيء إجابي حتى ولو حرصت وكانت النية صافية. مفهوم العلم والمعرفة لم يعد اعتباريا بل أصبح مضاد لطبيعة الأشياء وليس مترادف لها. حيث ان العلم...والمعرفة ... بالمفهوم الحالي أضحي ينافسها في حيثياتها. العلم إذا عليك ان تعلم ما تريده من منفعة مادية حتى ولو كنت غير متعلم. والمعرفة يكفيك البحث عن المادة ومعرفة طريقها وأخلاؤها "حق المعرفة" لتتحصل عليها…. اما وانت متعلم فأنت "ما شاء الله عليك " ولكن غير مرغوب في نادي… هيئة المنتفعين.

  • حسام

    لا أمدحك ولا أمجدك يا دكتور لأنني لست من مستواك ،وأنهل دائما من أفكارك النيرة ....مارتبته في المرتبة الثالثة ،"الظلم السياسي المتعلق بالمشاركة وشرعية السلطة.."،مع العلم أشرت له في بداية تحليلك ،هو المقام الأول ..."صراع الجزائر صراع أجيال"؟من استولوا عليها في 1962 ،هل فكروا في خلق خلفا لهم ،أم في حكمهم الى الممات؟.أيوجد في العالم من فاق 90 سنة ويقول هل من مزيد ولا يسمح حتى لأبنه من صلبه لخلافته؟...هؤلاء القوم من سلمتهم فافا السلطة هم المشكل الحقيقي ؟

  • ابن الجبل

    لوضع حد لجميع أنواع الظلم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، يجب أن نضع حدا لاستبداد السياسي ، لأن الاستبداد السياسي هو مصدر كل أنواع الظلم ، كما تفضلت في هذا المقال ... فلا نجاح لخطة اقتصادية ولا اجتماعية ولا ثقافية ، دون سياسة حكيمة ، وحكم راشد ... لأننا جربنا الانطلاق ـ منذ الاستقلال ـ من كل المحاور ، ولكن فشلنا منذ الاستقلال ، لأننا أهملنا الجانب الاساسي ، ألا وهو الحكم الراشد ..وهو الديموقرطية .

  • عبدين من تبسة (الجزائر)

    (....المخرج لن يكون في تقديري إلا من خلال إتفاق الجميع عل أولوية إيجاد آليات لوضع حد لجميع أشكال الظلم...)!!!؟
    رجاء أستاذ،
    - من هم "الجميع"؟ و كيف يتفقوا!؟
    إن أصل الأزمة عندنا هو أننا منذ ثورة التحرير لم نستطع، لأسباب ذاتية أو خارجية ، أن نكون "جميع"
    و أتفقنا على شيئ واحد هو أنه بعد أي مسيرة يجب أن لا نتفق، ولنا في ما بعد الإستقلال و في ما بعد سقوط العصابة حقائق و عبر....
    أبرز خاصية تميزنا عن غيرنا من الشعوب هي أننا نتفق على الخصم و لكن نختلف في تحديد الحليف الى غاية إختلاق خصم و لنا في خلفيات و مقاصد شعار الحراك (مدنية لا عسكرية) آخر إبداع في اللا إتفاق.