-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نبيل القروي.. المرشح السجين الذي صنع المفاجأة

نبيل القروي.. المرشح السجين الذي صنع المفاجأة

لم يعُد السباق الانتخابي في عصر الانفجار الإعلامي والتكنولوجي يعتمد على وسائل الدعاية التقليدية التي ميزت فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى نهاية الألفية الثانية، فحظوظُ المرشح في هذا العصر تزداد بازدياد الترسانة الإعلامية والتكنولوجية التي يمتلكها وبحسن إدارتها لها لخدمة برنامجه الانتخابي، وفي المقابل تقل حظوظ المرشح الذي لا يمتلك شيئا من هذه الترسانة ويعتمد كل الاعتماد على الاحتكاك الجماهيري في الميادين والقاعات، فالتواصل الجماهيري في عصر الانفجار الإعلامي والتكنولوجي أكثر نجاعة من الاحتكاك الجماهيري التقليدي الذي يكون في الغالب الأعمّ محدود التأثير والفعالية ولا يمكّن من إيصال الرسالة الانتخابية بالسرعة اللازمة والنوعية المطلوبة.

إن التحكم في وسائل التواصل الحديثة ضرورة لا محيص عنها في أي سباق انتخابي؛ إذ القاعدة في ذلك أن من يحسن إدارة هذه الوسائل أكثر هو من يستميل كتلة ناخبة أكبر، فعصر الحملات الانتخابية التقليدية قد ولى، والظهور الإعلامي للمرشح في هذا العصر يغني بكثير عن حضوره الميداني، لأن المنافسة الانتخابية الحديثة تحكمها آليات بديلة تتنقل من خلالها المعلومة والرسالة بسرعة البرق إلى كل الآفاق القريبة والبعيدة. إن وسائل التواصل الحديثة بإمكانها أن تدير حملة انتخابية ناجحة، وهو ما يوفر على المرشح كثيرا من الجهد الذي يكابده وهو ينشِّط حملاتٍ ماراطونية يصول فيها ويجول من بداية الحملة الانتخابية إلى منتهاها.

تتحدث كثيرٌ من القنوات الإعلامية عن المفاجأة التي صنعها المرشح السجين للانتخابات الرئاسية في تونس “نبيل القروي” عن حزب “قلب تونس”، ويكمن عنصر المفاجأة في نظرها في الوضعية غير العادية التي يوجد عليها هذا المرشح خلافا للمرشحين الآخرين، فهو رهن الحبس على ذمة التحقيق بتهمة التهرُّب الجبائي وتبييض الأموال بعد شكوى رفعتها ضده منظمة “أنا يقِظ”. إن وضعية نبيل القروي وضعية خاصة لا أملك حيالها أكثر من الإشارة إليها دون أي تفاصيل أخرى لأنني لا أملك حق إبداء الرأي حول قضية خارج دائرة الرأي، فوحده الجهاز القضائي التونسي من يملك هذا الحق.

إن المفاجأة التي صنعها المرشح السجين نبيل القروي تستحق أن نقف عندها لتحليلها ومعرفة سرّ التقدم الباهر الذي حققه هذا المرشح رغم وضعيته غير العادية التي كادت أن تُفشل مهمة القائمين على حملته الانتخابية. إن عنصر المفاجأة التي صنعها نبيل القروي يكمن أولا في قدرة هذا المرشح السجين الذي تدور حظوظه عكس عقارب الساعة وتسبح مجموعته ضد التيار الانتخابي على انتزاع ثقة عدد معتبر من الناخبين التونسيين جعلته ثانيا في سلم الترتيب متفوقا على أكبر المنافسين، ويكمن ثانيا في أن تقدّم نبيل القروي جاء صادما ومخالفا لكل توقعات المحللين والمراقبين التي رشحت مرشح النهضة أو مرشح السلطة لتصدُّر المشهد وحصد أكبر نسبة من الوعاء الانتخابي ومن الجولة الأولى من دون المرور إلى جولة الإعادة.

إن تحليل سر المفاجأة التي صنعها المرشح السجين نبيل القروي لا يتأتى إلا ببيان بعض نقاط القوة في شخصيته، فكفاءتُه الإعلامية التي اكتسبها في مجال الإشهار ومجال السمعي البصري والتي تدعمت بصورة لافتة للنظر بعد إطلاقه لقناة “نسمة” الفضائية التي استقطبت نسبة لا يستهان بها من المشاهدين والمتابعين داخل المغرب العربي والوطن العربي وأجزاء معتبرة من العالم، كانت بلا شك عاملا فاعلا ساعد نبيل القروي على الترويج لأفكاره السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتغلغلها في الداخل التونسي وداخل الجالية التونسية في الخارج، والتي ظهرت ثمارها ونتائجها في التقدم الذي حققه في الانتخابات الرئاسية الحالية. وبمناسبة الحديث عن قناة “نسمة” أو مجموعة نسمة التي يديرها نبيل القروي لا بد من التأكيد على أنه لا يهمني من ذلك إلا ما تعلق بالجانب التقني الإعلامي البحت، وأما القضايا الأخرى ذات الطابع الجزائي فليست من اهتمامي واختصاصي في شيء.

لقد كانت المناظرة الرئاسية بين مترشحي الرئاسة في تونس سابقة انتخابية إيجابية في العالم العربي؛ إذ جعلت هؤلاء المترشحين في مواجهة مباشرة مع عموم الشعب وجمهور الناخبين، حيث يعرض كل مرشح الخطوط العريضة لبرنامجه الانتخابي على الهواء مباشرة، وهذه الطريقة في نظري هي أنجع وأقصر الطرق للتواصل بين المرشح وقاعدته الانتخابية، وينبغي أن تكون بديلة للحملة الانتخابية التقليدية التي تكون في كثير من مراحلها وفصولها أشبه بالمهرجان الشعبي الذي لا يحقق شيئا ذا بال علاوة على ما يصاحبه من إنفاق مالي خيالي في كثير من الأحيان.

أشرت إلى المناظرة الرئاسية بين مترشحي الرئاسة في تونس لبيان أن نبيل القروي كان سيكون أوفر حظا في هذه المناظرة لأنه بشهادة كثيرين أكثر المترشحين تمرُّسا بالخطاب الإعلامي الذي يمكِّنه من إيصال رسائله السياسية والاقتصادية والاجتماعية وشرح برنامجه الانتخابي بأريحية أكبر مقارنة بغيره. إن قوة البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي تحتاج إلى قوة الخطاب الإعلامي، فكم من برامج كبيرة من حيث محتواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي مُنيت بالفشل لأن أصحابها معدمون إعلاميا لا يُحسِنون فن الخطاب الإعلامي.

من أسرار المفاجأة الانتخابية التي صنعها نبيل القروي أنه فقِه قواعد اللعبة الانتخابية فركَّز اهتمامه -حتى قبل الترشح للانتخابات الرئاسية- على العنصر البشري إذ اقتحم عالم الأعمال الخيرية فأنشأ جمعية “ناس الخير” التي حملت فيما بعد اسم “خليل تونس” تذكارا لروح ابنه المتوفى خليل القروي، وكان لهذه الأعمال التي رافقتها ورعتها قناة “نسمة” صدى واسعا في المجتمع التونسي وبخاصّة التجمعات القروية، ليس لأن ساكنة هذه التجمُّعات ممن يبيعون ذممهم وأصواتهم -كما يدَّعي بعض المرجفين- بل لأن المنطق يقول إن المواطن لا يتجاوب مع أي برنامج انتخابي إلا إذا كان من أولويات هذا البرنامج تأمينُ الحقوق والحاجيات الاجتماعية. إن البرامج الانتخابية لا تحقق أهدافها إلا إذا وضعت حاجيات ومتطلبات الطبقات الاجتماعية وخاصة الهشة منها في صدارة اهتماماتها، وتجدر الإشارة هنا دفعا لأي لبس أو تأويل  إلى أن الحديث عن ضرورة الاهتمام بالطبقات الاجتماعية المحرومة وإعطائها حيزا كبيرا من الاهتمام في البرامج الانتخابية لا يعني أن تونس الدولة والمجتمع مقصِّرة في ذلك، بل يعني أنه يجب أن يمثل هذا الاهتمام الأولوية الأولى في هذه البرامج.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ter

    نبيل القروي يمثل كل التونسيين بما فيهم أحفاد العرب
    سعيد قيس مرشح أحفاد العرب فقط ويسانده أحفاد العرب بالجزائر والمغرب و..
    تذكروا ماذا قال ذوي الأصل العربي بالجزائر عن مرشحهم قيس سعيد ؟؟!! إنه عروبي يحب اللغة العربية و سيحارب إسرائيل........؟؟