-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نجحنا في ترويض الكرة وسوف ننجح في تكوير السّياسة

أبو جرة سلطاني
  • 374
  • 1
نجحنا في ترويض الكرة وسوف ننجح في تكوير السّياسة
ح.م

مازلت مقتنعًا بأنّ السياسة والرّياضة وجهان لعملة وطنيّة واحدة، إذا كان منبعهما واحدا، وهو تقديم مصلحة الوطن على مصلحة الأفراد، ورفع رأس الأمّة في الدّاخل باحترام إرادة الشّعب، وفي الخارج برفع راية الوطن. وعزف نشيده في كلّ المحافل. ودليلي على ما أقول هو أنّ مصطلح الرّياضة مشتقّ من فعل راضَ يروضُ فهو رائضٌ وريّاضي. فكلّ من ينجح في “ترويض” عقله وقلبه وحركاته على التحكّم في اللعبة التي تخصّص فيها، يصبح رياضيّا. ومادمنا على أبواب التّتويج بكأس الأمم الإفريقيّة، فإنّ المقارنة ستكون أسهل، فقد رأينا فريقنا يروّض الكرة كأنها مفاتيح حاسوب. والسّياسة من فعل ساس يسوس فهو سائس وسياسي. فكلّ من استطاع قيادة الجماهير إلى أهدافها، ودفعها إلى معانقة أشواقها، وتحاشى ردّات أفعالها، وتجنّب سياسة ليّ الذّراع، كان سياسيّا أتقن رُباعيّة سلّ الشّعرة من العجين.

ـ التفكير بعقلية الشّعب وليس بمنطق القوّة.
ـ البحث عن الحلول في ما يريد الرّأي العام، وليس في ما يتمنّى السّياسي.
ـ الاستجابة للمطلوب، وليس البحث عن المرغوب.
ـ تلبيّة المفروض العاجل واستبعاد المرفوض الآجل.

بهذه الرّباعيّة ندرك أنّ السّياسة ليست ” لعبة ريغبي” ينتصر فيها غالبا الأليق قوّة بدنيّة، والأقدر على اقتحام عرين الخصم، بمنطق “تَمُرّ أو تنْكسر”. إنما السياسة كالرّياضة: احترام جمهور، وانتخاب فريق، وتركيز جهد، وخفّة حركة، وثقة في النّفس، وانسجام في الأداء.. وهي أبرز خصائص كلّ عمل جماعي. وكرة القدم لعبة جماعيّة يجتمع فيها الانضباط الفردي، والرّوح القتاليّة، والقدرة على تجاوز استفزاز الخصم، وتقنيّة الإفلات من الحصار، بالنّسبة للعنصر ـ أو العناصر ـ التي تشكّل خطرًا على الفريق المنافس. وإذا كان الملوك قديما يرون السياسة رقعة شطرنج، يتدرّبون فيها على بلوغ القلعة واقتحام حرمة الملك. فإنّ هذه اللعبة كانت، إلى عهد قريب “رياضة أرستقراطيّة”. ثمّ تحوّلت إلى لعبة شعبيّة !! أما كرة القدم فقد أخذت المنحنى العكسي: بدأت لعبة شعبيّة، ثمّ اقتحمت عالم السيّاسة، وصار بمكنة فريق وطني قويّ ومنسجم، أن يحيي وطنيّة شعبه، ويفتح لدولته آفاقا رحبة، ويصلح أخطاء السّياسيّين.. فإذا ذاع صيتُه صار قادر على أن يجعل “وطنه الصّغير” بوابة كبرى إلى العالم الكبير، يخطف الأبصار ويستقطب الأنظار. فالبرازيل مثلا شكّلت عقدة “العالم الأوّل” لسنوات طويلة، ولم تستطع دول كبرى كالولايات المتّحدة الأمريكية والصّين والهند.. التّحلّل من “عقدة بيليه” سابقا، و”عقدة مارادونا” الأرجنتيني لاحقًا، رغم ما بذلته كلّ دولة من جهود مضنيّة لترويض فريق وطني يكون بمستوى تحدّيات المونديال والمحافل القاريّة، والسّبب بسيط ولكنّه فاصل.

ـ محدوديّة عدد أفراد المنتخب، ففريق سلطنة بروناي مثلا، هو نفسه عدد فريق منتخب الصّين ومنتخب الهند.. مع أنّ تعداد السّكان متفجر.
ـ تستطيع الجماهير أنْ توفّر لك الحماس، ولكنّها لا تضمن لك تسجيل الأهداف.
ـ يمكن لأيّةُ دولة شراء لاعبين نجومًا، ولكنّها لا تملك أن تشكّل بهم فريقًا منسجما.
ـ لا وجه للمقارنة بين لاعبين دوليّين يهمّهم مسارهم الرّياضي، وفريق وطني تهمّه الرّاية الوطنيّة، ويسعى ليدخل الفرحة على شعب يستحقّ كل خير.

لست متخصّصا في الرّياضة، وخبرتي بكرة القدم متواضعة جدّا، ولا أتابع من المقابلات إلاّ ما كان منها تصفويّا، ولكنّي شديد الحرص على متابعة المقابلات التي أتعلّم منها السّياسة أكثر مما أستمتع ببراعة اللاّعبين الكبار، الذين يقدّمون للسّياسين دروسًا عمليّة في فنون الطّاعة، والتّنازل، والتّواضع، والانسجام، والتّسامح، و”روح الفريق”. ويلقّنون السّاسة الأنانيّين (الخالدين في كراسيهم) درسًا مرّا في الهزائمة التي يتسبّب فيها اللعب الفردي (والحكم الفردي). فمن يلعب لتضخيم رصيده، وتلميع صورته، وصناعة بطولات فرديّة.. ويستمتع بتصفيقات الجماهير. تتوالى أخطاؤه وتكثر سقطاته، ويوقفه الحكم مرّة ليحذّرة واخرى لينذره ببطاقة صفراء وثالثة يخرجه ببطاقة حمراء تحت صفير من علموا أنه جاء ليسجّل أهدافا تضاف إلى رصيده، ولم يأتِ ليساهم في رفع راية بلده. وشتّان بين عقليّة البطل وروح الفريق. وهي المعاني التي افتقدناها منذ سنوات بعيدة، واستعدناها هذه الأيام بتحرير الإرادة الجماعيّة. وما انتقال آلاف لمشجّعين ـ منذ بداية التّصفيات ـ إلى نهار اليوم سوى مؤشّر كبير على أنّ الشّعب الجزائري قد استعاد عافيته، وتحرّر من هواجس الهزائم التي كانت تلاحقه في السّياسة، والسّياحة، والرّياضة.. وصرنا نستسلم لفرق صغيرة تجرّأ بعضها على هزيمتنا في عقر دارنا.

إنّ الدّموع التي فاضت بها عيون رجال كبار، إثر الهدف القاتل الذي أقصى نسور نيجيريا، لم تكن دموع فرحة بالتّأهّل فحسب، فالفرحة تجاوزت حدود الملعب، وحدود إقليم مصر، والقارّة السّمراء، لتتردّد التّكبيرات والزّغاريد والهتافات في القارّات الخمس. فقد كانت دموع فرحة باستعادة الجزائر عافيتها، وسمعتها، ولقبها، وأداورها الإقليميّة.. كانت أكبر من فرحة التأهّل، وصار الأمر في حكم الحسْم بمنطق رصيد كلّ فريق. فما قدّمه منتخبنا استرعى انتباه العالم، وسوف تعكف كثير من الجهات على رصده ودراسته احتسابا للمونديال المقبل. ولكنّ الذي يبقى في الرّصيد درسان لا يمكن لأيّ وطنيّ مخلص نسيانهما مهما كانت نتائج يوم غدٍ، درس من وحي السّياسة وآخر من وحي الرّياضة.

أما الذي من وحي السّياسة، فإنّ طاقة الشّعب كانت معطّلة، بفعل إرادة سياسيّة أحاديّة النّظرة، أرادت أن تحتكر الرّياضة، والسّياسة، والثّقافة، والتّجارة، والفلاحة، والسّياحة، والتّربيّة، والدّين، والفن، والإعلام، والحركة الجمعويّة.. فأضاعت الوطن، ولم تحقّق تقدّما إلاّ في ما ندر. فلما هبّ الشعب ـ بعد طول انتظار ـ وسحب عنها غطاء الشّرعيّة، اكتشف الرّأي العام ما لم يكن يخطر له على بال: من نهب، وسلب، وغصْب، وتهريب، وتخزين، وتكديس، وتحويل رؤوس أموال.. على نحو تحوّلت معه بعض المساكن إلى بنوك خاصّة !! والأيام حُبلى يلدن كلّ عجيب. فدعو القضاء يعمل باستقلاليّة، وسوف تصل يدُ العدالة إلى كلّ من كان يظنّ أنّه إذا غافل الشّعب، وأفلت من عدالة الأرض، قادر أن يغافل من يمهل ولا يهمل، ويفلت من عدالة السّماء. وهيهات.. هيهات.

وأما الذي من وحي الرّياضة، فإنّ ثمرات الحراك الشّعبي بدأت تظهر، في الرّياضة، والإدارة، والعدالة، والتّربية (نتائج الإمتحانات)، والبرلمان (تزكية رئيس من المعارضة ومن الحراك).. وننتظر التّتويج غدا بالكأس إن شاء الله. وفي غمرة الاحتفالات بأفراح الجزائر ستظهر ثمرة الحراك السياسيّة، التي نأمل أن تتعطّر بالكأس ليتجسّد شعار: “جيش شعب.. خاوة خاوة”. فالجيش قلب أمّتنا النابض، الذي ينطبق عليه القول: ألا إنّ في الدّولة مؤسّسة دستوريّة، إذا صلحت صلح الوضع كلّه وإذا فسدت فسد الوضع كلّه ألاَ وهي الجيش. ولأنّ مؤسستنا العسكريّة قد أبرّت بوعدها، ورصّت صفّها، وتخندقت مع شعبها، وسخّرت طائراتها لحمل الأنصار إلى قاهرة المعزّ، ومازالت ترافق شعبها في مسيرة تجسيد طموحه الكبير لبناء الدّولة النّوفمبريّة الباديسيّة، فإنّ ما بدأه رفاق بلماضي سيكمله أبناء باديس. وهنيئا لمنتخبنا، وإنّ غذا لناظره قريب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لالاس

    بعيدا عن الجزائر الكرة فن والسياسة أخلاق وفي وطننا الحبيب أصبت في قول ان الكرة والسياسة وجهان لعملة واحدة وهو العفن بعينه الفساد ، الفريق الوطني الحالي استثناء للبطولة التجارية المحترفة التي لم تقدم ولا لاعب مؤهل أما السياسة فحدث ولا حرج