-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نريد أن نفرح ولكن!!

التهامي مجوري
  • 775
  • 3
نريد أن نفرح ولكن!!

في ليلة الجمعة الماضية، تابعت فرحة الأسرة الجزائرية بفوز أبنائها بشهادة الباكالوريا، وما صاحب تلك الفرحة من زغاريد وألعاب نارية، وتهاني بأصوات مرتفعة من عمارة لأخرى..؛ بل إن الاتصالات الهاتفية في تلك الليلة كادت تتوقف من شدة ازدحامات التهاني والبحث عن النتائج عبر شبكة موبيليس. وشاركت هذه الأسرة المباركة فرحتها بتهاني بعض من اعرف منها، وشاركت باقيها بالدعاء لها بالتوفيق، وبمواساة من لم يوفق فيها بالفوز بهذه الشهادة التي لا تمثل إلا محطة قصيرة وسرية في قطار الحياة الطويل، ثم سرحت في هموم أمتنا المزمنة، التي تصدنا عن الأفراح، وعن تذوق طعمها..، بحيث تفرض علينا بعض عادات الأفراح، مثل الفوز بالحصول على الشهادات العلمية، وتزويج الأبناء والبنات، ونفرح أو يفرح أبناؤنا بالأعياد… ولكن كل ذلك لا يعمر طويلا مثل النزوات الغريزية. أما طعم هذه الأفراح فلا وجود له، وسرعان ما ينتهي عند الانتهاء من التهنئة التي يقدمها أحدنا لغيره، وعند الزعردة التي تطلقها المرأة عند وصولها دار المعني بالتهنئة.
ثم قلت في نفسي، لماذا لا نفرح كما كنا نفرح؟ ما الذي ينقصنا لنسر بأفراحنا كما كان يفعل أجدادنا؟ من الذي كان يدون الفرح عندهم في مثل هذه المناسبات أياما.. أهي السياسة ورجالها؟ أم هو فساد المجتمع؟ أم هي الحاجة التي تضغط على الناس فشغلتهم عن مهامهم الفردية والجماعية؟ أم أن المجتمع لم يعد مجتمعا، بسبب تقطع أوصاله وتمزق علاقاته؟ بحيث لم يعد يشعر أحد بأحد…
تمر علينا أفراح.. وبعضها نتلقى تاريخها قبل أشهر.. ولكن لا نشعر بها كقيمة اجتماعية تلتقي فيها العائلات وبما يقضون مع بعضهم أياما، حيث أصبحت هذه المناسبات عبارة عن إسقاط واجب بزيارة خفيفة وسريعة وربما يكتفي فيها باتصال هاتفي او رسالة نصية.
لا شك أن اختفاء هذه الأفراح له أسباب كثيرة، واختفاء آثارها له أسباب أخرى أعمق، ولكنهما يلتقيان في جذر واحد هو فساد المجتمع وتفسخه، بحيث لم يبق فيه شيء طبيعي يمكن أن يعد من الأمور القابلة للإصلاح.
أما اختفاء الأفراح فبسبب كثرة المآسي، إذ العرف الجاري في الأسرة الجزائرية، أنه إذا وقع في العائلة مكروه، فإنها تعطل جميع أفراحها.. فإذا مات واحد من العائلة مثلا، فإن كل زواج أو غيره يؤجل وإذا اقتضت الضرورة إقامته فإنه يقام0 بلا مراسيم… ومآسي المجتمع الجزائري المانعة من إظهار الأفراح غير خافية على أحد. وأما اختفاء آثارها فلكثرة المصائب التي لا تبشر بالخير.. فلا أظن أن جزائريا يشعر أنه بمنأى عما يجري في البلاد، الكل خائف، متوجس، ويترقب…، لا يحلو له شيء وهو لا يعلم عن غده شيئا؛ بل ربما انقلب هذا الغد إلى أسوأ ما كان في البلاد من الظنون.
وعليه لا يسع العاقل في هذه البلاد إلا أن يتساءل ببراءة وصدق كتلازمين:
ما يمنع أصحاب القرار في بلادنا من إعادة الفرحة باعتبارهم المفصل الأهم في المجتمع..؟ فمتى نفرح بسياسة راشدة واقتصاد قوي؟ ومتى تقر أعيننا برجال أمناء على واقع الأمة ومصيرها؟ ومتى نودع هذه المهازل التي لم تبق لنا ما نتشرف به أمام العالم.. فلان سرق وهرب، وعلان أودع السجن، و”عمار بزور” يتاجر في الكوكايين، وغيرهم يستغل نفوذه في استغلال الأمة وإذلالها.
وما يمنع المعارضة السياسية -إن كانت- من أن تبادر بفعل سياسي قوي يغير وجه الجزائر الكالح؟ إن واقع الجزائر اليوم بمؤسساته يبدو انه استنفذ كل ما يملك من عطاء، وينتظر قوى جديدة تنقل هذا الواقع البئيس إلى واقع مختلف، تصورا وممارسة ورجال وهيئات…
وما يمنع المجتمع المدني، جمعيات ونقابات وغيرها من الهيئات العرفية والأعيان من فرض قيم جديدة تنقلنا من هذا الواقع التقليدي الذي لا يزال يجتر الماضي البعيد والقريب..، بكله وكلكله، لا يذكر المجتمع إلا في المناسبات، في قفة رمضان وفي ملابس العيد وفي الأدوات المدرسية، في حين أن المجتمع المدني اليوم يساهم في بناء وتمتين العلاقات الدولية، ويحرك من مجتمع راكد إلى مجتمع متحرك منتج، بفضل الأنشطة الفاعلة المتجددة.
وما يمنع الشعب من أن يتفاعل فيما بينه، لبناء شبكة علاقات اجتماعية تجعل منه كتلة واحدة تتحرك في إطار تفاعلي مثمر؟ فلا يعبأ بالمعوقات التي توضع في طريقه من هذه الجهة أو تلك… وما يمنعه من محاصرة الفئات الفاسدة من المرتشين والمستغلين لحاجات الناس والجشعين من أرباب المال؟
لا شك أن هذه الفئات الأربعة لها ما تتحجج به، فصاحب القرار قد يعاني من “مجتمع معوج”، والمعارضة تشتكي من تضييق السلطة عليها، والمجتمع المدني يرى أن مسؤوليته منحصرة في جمع أشياء وتوزيعها عن المحتاجين، والشعب منشغل بقضاياه المطلبية رفع أجور وسكن ومعيشة.
ولكن ما يذكرونه فيه شيء من الموضوعية ولكن يمثل كل الحقيقة؛ لأن الحقيقة أن كل هؤلاء يملكون مفاتيح يستطيعون بها إعادة الأمل والأفراح إلى المجتمع، بشيء من الشعور بالمسؤولية وبصدق العلاقة بينهم.. فصاحب القرار ينبغي أن يثق أكثر في شعبه، وكذلك الشعب بجميع توجهاته وفئاته لا بد من أن يثق في مؤسسات بلاده، وأن يشعر الجميع ويؤمنون ببلادهم وبحاجاتها وبقدراتها مهما كانت المصاعب.
إننا نريد ان نفرح كما فرحنا باستعادة السيادة الوطنية في سنة 1962، ونريد أن نفرح كما فرحنا بالانفتاح في سنة 1988، ونريد أن نفرح كما فرحنا بكسر جدار الخوف وعودة الأمل سنة 1999، ولا نريد أن تبقى الكوابح التي أفسدت علينا تلك “الفرحات” في هذه المحطات الثلاث على الأقل.
ونريد أن يكون لفرحنا طعم، قد حرمنا منه إثر تلك المحطات الثلاث… إذ لم يدم الفرح إلا قليلا واختفى
نريد أن نفرح يا ناس…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • Mohamed-tlm

    Il y en a une minorité qui vit au profit de votre joie .. Naîf

  • ابني نجح ولم يهلل احد !!

    موضوع في الصميم اصبت يا استاذ ووضعت يدك على الجرح وككل مرةهذا وان دل على شيء انما يدل على انك يا استاذ كاتب جيد و رجل حكيم تصور لنا الحياة كما تراها عيناك لا كما تراهاعينا غيرك من فقدوا الاحساس ولا بعد نظر لهم ( ذراري ان صح التعبير ) فانا كما قلت لم احتفل ولم اقم الليالي الملاح ليس خوفا من العين والحسد على قرة عيني وفلذة كبدي ولكن راعيت مشاعر من لم ينجح ابنه او ابنته من الجيران وهناك من فقدت ابنتها التي من المفروض ان تشتاز معه شهادة الباكالوريا وهكذا هذه سنة الحياة فارح وحزين الى يوم الدين

  • الطيب

    واش من حاجة راهي تفرح يا أستاذ !؟
    تصريحات أشباه السياسيين تبكي ! تشوف للاقتصاد رانا عايشين غير هاك !
    تروح للتربية و التعليم تجد أكثر من 300 ألف شاب راسب بمصير مجهول لانعدام الرؤية عند قوم سكنوا فوق رؤوسنا فوضويا !
    تروح تسمع أخبار الرياضة تقول الرحمة يا السياسة !
    تدي الذراري يحوسو شوية تقنط من حال السياحة و مواليها عندنا !
    تروح تبحر تخاف يموتلك ذري ...
    منين تجينا الفرحة و منين تجينا راحة البال !