-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نكسة الكتب المدرسية السمسرة في أقبح صورها

نور الدين لوشن
  • 481
  • 1
نكسة الكتب المدرسية السمسرة في أقبح صورها
ح.م

إن عدم المصادقة على كتاب الجغرافيا للسنة الرابعة متوسط هو إجراء منطقي وواقعي ولكنه هو أيضا قرار شجاع يعد سابقة في تاريخنا التربوي وموقف حازم وراشد عمد أصحابه إلى مبدأ “التعطيل ولا سرد الأباطيل” على أساس أن الاستمرار على الخطأ أشد عيبا من فوات معلومة لم يحصلها التلميذ. ولا مناص حينئذ من وضع حد لهذه المسخرة التي تفهت الجغرافيا فجعلت منها مادة غير مرغوب فيها من لدن التلاميذ. أما الأساتذة فوجدوه على غير الصواب، ولم يجدوا له مخرجا فتركوه وما زادهم إلا غبنا وضياعا، والأخطر من ذلك هو جهل وتجاهل مسؤولينا لمكانة الجغرافيا التي تهدف إلى تكوين أولئك الذين يراد لهم أن يصبحوا أصحاب قرار.

 لكن من كان وراء هذا التمادي والتواطؤ؟

 لقد كان ولا بد أن ينتهي هذا التخبط والخلط الذي لحق بالجغرافيا بل لقد تأخرنا كثيرا لإصدار هذا الحكم وطال سكوتنا على المنكر الذي دنس ليس فقط قداسة الكتاب المدرسي وإنما أيضا إفساد القيمة التربوية والعلمية لمادة الجغرافيا.

هل من الموضوعية أن ننتظر إلى غاية السنة الرابعة لنقر بعجزنا؟

ظهر الفساد في مادتي التاريخ والجغرافيا منذ البدء ورغم العطب والاختلال الذي أصاب الكتب المدرسية إلا أنها اعتمدت باسم الجيل الثاني الذي استغل لتمرير مشروع تربوي وهمي . وتجدر الإشارة هنا للتذكير بموضوع خريطة إسرائيل التي جاءت من باب “رب ضارة نافعة”، فكانت هي الشجرة التي غطت غابة الأخطاء والتي أحصيناها يومها فكان عددها بعدد صفحات الكتاب وزيادة، ووصفت في حينها بأنها مدمرة لأساسيات علم الجغرافيا ولبعدها التربوي.

إن موضوع هذه الكتب هو فضيحة من الحجم الثقيل كونها ليس فقط تعكس عدم قدرتنا على إعداد كتاب مدرسي وإنما أيضا تكشف عن حال منظومتنا المتدني وعن مستوياتنا شديدة الضعف.

هذا الفشل الذريع قابله تشبث الوزارة بالشخص نفسه الذي تسبب في هذا الإخفاق وفتح له الباب واسعا للقيام بتأليف كتابي السنة الثانية والثالثة متوسط وهو ما يعرف بطور التعزيز والتعمق وهيهات هيهات أن يفلح هذا الفريق، ذلك أن من يتصدى لهذه المهمة وجب أن تتوافر لديه من المهارات الأساسية ومن الملكات الفكرية ما يؤهله لتطوير وإنتاج مواد مكتوبة واضحة ودقيقة وذات جودة عالية تفي الحاضر والمستقبل، غير أن “فاقد الشيء لا يعطيه”. وتبين بما لا يدع مجالا للشك أنه لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويعتقدون أنهم يصلحون.

النتيجة والحصاد

كان المتوقع هو ما حدث بالفعل لقد حجبت هذه الكتب، ولم تتم المصادقة عليها نظرا للتحفظات الكثيرة التي سجلتها لجان القراءة والتي مفادها أن الأعمال التي قدمت لم ترق إلى مواصفات “الكتاب المدرسي” الذي يفترض أن يمثل مطية لتقديم جغرافية محكمة قوية البناء وأكثر حيوية في أبحاثها وصيغ نقاشاتها ترتكز على أسئلة دقيقة وملائمة ووثيقة الصلة بالموضوع آخذة في عين الاعتبار مستوى التلاميذ.

 إنها المميزات التي لم يوفق فريق العمل لضبطها والتحكم فيها، وكنتيجة منطقية لم تصدر هذه الكتب في موعدها المقرر، وأعطيت فرصة التصويب المناسب والضروري ومرت السنة وتمت المصادقة على الكتب الموعودة لكنها مع الأسف جاءت بأحمال من الأخطاء ما يندى له الجبين وأصبحت العملية برمتها مدعاة للريبة والقلق ضاع فيها حق المتعلم وبات الأولياء في حيرة وصعب على أهل الاختصاص فكّ شفرة هذه المعضلة.

ونحن من موقعنا نشعر بمسؤولية ضخمة تقع على عاتقنا جراء هذا الاختلال الذي نحسبه استهتارا واستخفافا ليس فقط بعقول أبنائنا وإنما هو من وجهة نظرنا تدمير لأساسيات علم الجغرافيا هذه المادة التي تصبح مثيرة للاهتمام ومليئة بالحيوية عندما تحظى كتبها المدرسية بالعناية الكافية إخراجا وتصميما وعلما ومعرفة وأسلوبا ومنهجية في حلة أخاذة جذابة.

بل لقد حدث العكس تماما فقد أصبحت عبئا ثقيلا على الأساتذة ونفر منها التلاميذ ووجد الأولياء صعوبة في قراءتها ووجد أصحاب الاختصاص غموضا في محتواها.

 وبالمختصر المفيد هذا عمل غير صالح ولأجل ذلك أفردنا كل كتاب بدراسة مفصلة وبحث مستفيض والهدف من وراء هذا الجهد هو دعوة الجميع إلى مبدأ أن “القيام بالعمل على أحسن وجه هو العدل”

تذكير: للعلم أن هذا الفريق الذي أخفق بشكل واضح في كتاب السنة الأولى يجد نفسه عاجزا تماما في كتابي السنة الثانية والثالثة متوسط.

ومما يدعو للغرابة أن هذه المجموعة الفاشلة هي ذاتها التي سلم لها مشروع كتاب السنة الرابعة متوسط، ومن المؤكد أنها كانت سائرة به إلى التيه الأكبر لولا أن سخر الله رجالا أوقفوا هذه المهزلة ووضعوا حدا لوهم أولئك الذين يعيشون الغرور المدلي والأنانية الكاذبة.

إنها السمسرة في أقبح صورها ويعد كل من ساهم فيها من “أتعس خلق الله تحت ضوء الشمس”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • مقران العربي

    يتحدثون عن السمسرة وهم روادها ، فكاتب الموضوع نفسه كان سمسار فوق العادة ، ، بل وعريقا في السمسرة والاخطر ، ن الذين عملوا معه في التأليف لم يأخذ مستحقات