-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

نهاية عهد الأنديجان

عمار يزلي
  • 1175
  • 2
نهاية عهد الأنديجان
ح.م

التجربة التونسية، التي أنتجت وفاة رئيسين، أحدهما مخلوع والثاني مسموع، ثم مرحلة انتقالية أفضت إلى أول انتخابات رئاسية تعددية ديمقراطية تديرها هيئة مستقلة عن الحكومة، هذه التجربة التي أخرجت من الصندوق ما لم يكن في الحسبان: المستقلون يتغلبون على الأحزاب السياسية الكلاسيكية.. هي نفس التجربة التي قد تحدُث عندنا في 12 ديسمبر، لاسيما أن تجربة تونس للمرور إلى الصندوق الشفاف بعيدا عن المحاصصة والتزوير والإشراف الإداري ومن ورائه السفراء الأجانب “المتعمدين” المعتمدين، قد ألهمت الشارع الجزائري ومن خلفه الإرادة السياسية الإصلاحية للمؤسسة العسكرية المرافِقة للحَراك، نقلَ خيار الشعب المغيَّب إلى هيئةٍ مستقلة تماما عن جهاز الداخلية والإدارة، ما قد يُنتج سيناريو مقارباً للسيناريو التونسي.

 التصحر السياسي الذي أحدثه نظام بوتفليقة وما نجم عنه من تتفيه العمل الحزبي والنقابي وتعفينه عبر نظام موالاة في غاية الخنوع والعبودية المطلقة لحامي حمى النهاب والسراق والمفسدين في الأرض وفي السماء، ومعارضة مُفلسة “مكارشة” حاضرة على كل الصحون والموائد والمآدب، مهمتها المعارضة المعروضة والمشاركة بصيغة المكارشة.. هذا الجو المتصحِّر جعل النخب النظيفة والحاملة لمشروع وطني متحرر من التبعية والفساد، تتوارى عن الأنظار وتلجأ إلى قواعد خلفية مراقبة لا مشارِكة ولا فاعلة بحكم طغيان الفساد وشمولية النظام الشمولي الفاسد نفسه. هذه النخب المستقلة، سواء تلك التي كانت في السلطة يوما وخرجت معارضة لنظام الأوليغارشيا أو الملكية الوارثة للبلاد بلا عباد، أو تلك النخب التي لم تتورط ولم تتلطخ بوسخ العمل السياسي المتَّسخ، هي من قد يُخرجها الصندوق، إن ترشحت أوزانٌ نظيفة وقادرة على استقطاب صوت الناخب الذي ملَّ من “الكمامير” القديمة والخطاب البائس واللغة الركيكة والعربية المغيَّبة..

الشعب بات يعرف أنه من حقه الآن فصاعدا أن يصوِّت وأن يُؤخذ صوتُه بعين الاعتبار وأن لا يكون مجرد ديكور انتخابي لحساب حجم المشاركة المتلفز، ولا لذر الرماد في الأعين وتحويله إلى مجرد مشارك، كامبارس.. يذهب للانتخاب لينتخب فلانا.. فينتخب ذلك “الفلان” لتجد الإدارة المسيَّرة من طرف الغرف السوداء للدولة “العقيمة”.. يعين علانا.. من الأرندي أو جبهة التحرير..

وعليه، ليس من السَّهل أن تمرِّر خطابا على شعب بات يعرف معنى الكلام ومعنى الخطاب ومعنى التزييف. الصدق بائن والكذب بائن، وعلى السياسيين والمترشحين أن يعرفوا أن وقت جمع التوقيعات لا يكفي، وسحب الاستمارة لا يكفي، ليصبح كل مهرِّج مشروع رئيس. الشهادة الجامعية، ليست كافية، فكم من شهادةٍ تشهد على صاحبها بالأمية والجهل العصامي. الصدق والأخلاق والعمل وحب الوطن والتفاني لأجله ومعرفة أن حكم الناس يعني خدمتهم والتواضع لهم لأنهم هم من بيدهم القدرة والسلطة على أن يرفعوك أو يعزلوك أو يحاكموك…

المسؤولية تكليفٌ وليست تشريفاً، كنا نردِّدها أيَّام بومدين، لكن ما حدث صار عكسه تماما: المنتخَب والمسؤول إذا صار كذلك، تنقطع صلته مع الشعب، لأنه يعرف أن الشعب ليس هو من أوصله إلى المنصب، بل الإدارة والمعارف والغرف المعتمة والسيد الأعلى. وعليه، فولاؤه سيكون لوليِّ نعمته لا لوطنه ولا لشعبه.

هكذا، فالانتخابات المقبلة ستكون تجربة جديدة لنا في معرفة كيف يختار الشعب مسؤوله الأعلى، وكيف يُحتَرم اختيارُ الشعب ولا تتلاعب به أيادي الإدارة الموجَّهة من طرف الأقلية ذات المصلحة في إبقاء البلد يسير على نمط الاحتلال: كوليج أول وثان؛ كوليج للأقلية الساحقة من نخب وزمر زمن الاحتلال، وكوليج للأنديجان..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جزائري حر

    واش عجبكم في تونس وهي أول بلد يدخل التاريخ في ترشيح مسجون للرئسيات من يحكم تونس : مسجون

  • محمد

    الانتخاب كلمة يرددها المغرضون لئلا يعيها الجاهلون.عند من نعاديهم لا يجرأ على الترشح لأي منصب إلا من دعم موقفه بخصال فعالة يشهد لها العام والخاص نتيجة خدمات ميدانية قدمها ذلك الشخص للمجتمع.الناس يعرفونه من خلال أفعاله ويختارونه على أساس مشارعه لخدمة موطنه ومحيطه.أما عند الأنديجان فيكفي انتماؤه للحي أو القرية أو الناحية أو الفئة أو الحزب أو لأنه يتردد على حصص شاشات التلفزيون المخصصة لعرض الأزياء والنجوم ولإظهار بلاغته وقدرته على الطعن في غيره.ألم نكتوي ببرنامج الرئيس الذي لا نعرف عنه سوى العنوان؟أما اليوم فكل انتهازي يهلل للسلطة الحالية فعوض النفاق والخبث والجهل موقع الصدق والصراحة ومعرفة اليقين