-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا ما ينبغي القيامُ به في قطاع الصحّة بعد انحسار كورونا

محمد شيدخ
  • 592
  • 4
هذا ما ينبغي القيامُ به في قطاع الصحّة بعد انحسار كورونا
أرشيف

خلال سنوات الستينيات اعتقد خبراء المنظمة العالمية للصحة وكذا عديد  الهيئات المهتمة بمتابعة الشؤون الصحية العالمية أن البشرية قد انتهت من مشكل الأمراض المعدية والمتنقلة وذلك تزامنا مع توفر المضادات الحيوية المتنوعة وشتى اللقاحات الخاصة بغالبية الأمراض الخطيرة، ولكن بعد ظهور مرض السيدا في مطلع الثمانينيات وجدت هذه التنظيمات نفسها مجبرة على إعادة النظر في سياساتها المعتمدة فيما يخص الأمراض المعدية وإعادة ترتيب أولوياتها في هذا الجانب.

وتوالت الأزمات تباعا؛ فبعد ظهور وباء “اش5 ان1” في هونغ كونغ سنة 1997 ثم “السارس” خلال سنة 2003 بالصين ووباء “ايبولا” سنة 2014-2015 بإفريقيا الغربية “غينيا بالذات”، صرح بعض الخبراء أن البشرية أمام زلازل وبائية خطيرة، ما جعل بعض الدول تقوم بإرساء مخططات عملية قوامها إبرام اتفاقيات مسبقة مع شركات دوائية مختصة في صناعة اللقاحات تمهيدا لاستلامها بعد ظهور وباء ما وإيجاد لقاح ملائم له، وحدث هذا خاصة عقب وباء “اش5 ان1” لأن نسبة الوفيات الناجمة عن هذا النوع من الفيروسات قد تصل إلى ثمانين بالمائة، فهو وباء خطير جدا.

دولٌ أخرى باشرت تغييرات على مستوى أنظمتها الصحية وأعادت النظر في توزيع الموارد المالية على النشاطات الصحية إذ أقرت عدم نجاعة سياسة الرفع من قيمة “الناتج الداخلي الخام” الموجَّه للصحة مع الإبقاء على نفس أنماط التسيير ونفس السياسات الصحية ونفس المهام لمختلف الهياكل الصحية، معتبرة أنه من الضروري مباشرة اصلاحات هيكلية عميقة لسد نقائص المنظومة الصحية خاصة في جانبها المتعلق بالوقاية والدراسات الوبائية والفيروسية.

وفي هذا السياق وبعد وباء “السارس” اتضح للصينيين أن سياسة “الإصلاح والانفتاح” الاقتصادي التي باشرها الرئيس “دانغ غزياوبينغ” أواخر السبعينيات بعد وفاة “ماوتسي تونغ” لم تكن إسقاطاتها وثمارها طيبة في مجال الصحة، فبالرغم من كونها أسست لاقتصاد قوي مشفوع بتطور تكنولوجي وتجاري معتبر، فإنها هشمت وفككت  النسيج الاجتماعي والتغطية الصحية للمواطن الصيني، ما أجبر السلطات العليا على اعتماد سياسة صحية قوامها تيسير وصول واستفادة كل الصينيين من علاجات محترمة ولائقة نوعا وكما بما فيها تغطية المناطق الريفية والمنعزلة، وقامت الصين بإنشاء مخبر للدراسات الجينية الفيروسية من نوع “بي 4” ذات المستوى العالي والأمن الصارم نظرا لنوعية الدراسات التي تقوم بها.

وفي هذا السياق دائما قامت بعض الدول بتوأمة وربط الاتصال الاجتماعي في مجال التوعية والتثقيف الصحي بالترقية الصحية وأسست المعاهد الوطنية للوقاية والتربية الصحية للمواطن كما حدث في عديد الدول مثل كندا بلجيكا وفرنسا وغيرها، وهذه الإستراتيجية تدخل فيما يسمى بالوقاية الأولية ومنهم من قام بتدعيم وتحريك البحث العلمي في ميدان الصحة العمومية في جانبها المتعلق باليقظة والمراقبة الصحية، كما كان أثر وباء “إيبولا” وخيما على بعض دول إفريقيا، ما جعل المنظمة العالمية للصحة تطلب من ليبيريا وسيراليون وغينيا الاعتناء أكثر بهياكل الاستعجالات الطبية وتنظيمها وتأهيلها بالتجهيزات الكافية والكوادر المؤهلة وإنشاء آليات مُناسبة لصيانة التجهيزات الطبية وتوفير الأدوية مع دعم قدرات استقبال المرضى والحرص على تفعيل أدوات النظافة والتعقيم في المؤسسات الصحية.

إلى جانب ذلك تأكد للفاعلين في الحقل الصحي ضرورة إصلاح المنظومة الصحية لجعلها قادرة على مواجهة أي وباء محتمل مع الابقاء على أهليتها في الاستمرار في إسداء مختلف العلاجات لسائر الفئات الأخرى بصفة اعتيادية مع ضرورة الاستعداد للتصدي لمثل هذه الأوبئة في إطار تشاركي جماعي وخلق الإطار القانوني للتنسيق العملي المتعدد القطاعات. ويبقى أكبر تحد أمام غالبية الدول هو توفير المستخدمين بشتى أسلاكهم مع الرفع من مستوى تكوينهم باستمرار وما حدث في كوبا خير مثال يبلور هذه الحقيقة حيث تتوفر على إحدى اكبر نسب الأطباء في العالم “راسيو” بالتقريب 90 طبيبا لكل عشرة آلاف نسمة مكوَّنين تكوينا جيدا، أضف إلى ذلك وجوب تأهيل المستشفيات لمباشرة الدراسات والأبحاث، سريرية كانت أو مخبرية ودقيقة، إذ نجد مثلا في أمريكا كل المستشفيات متوفرة على أقسام أبحاث ودراسات.

وخلال هذه الجائحة قامت بعض المؤسسات الاستشفائية في عديد الدول بإجراء دراسات ومتابعات سريرية لمرضى كورونا المستجد ونشرت نتائجها مثل ما قام به أطباء من مدينة تولوز الفرنسية إذ تابعوا مرضى كورونا بحثا عن الآثار التي يخلفها هذا الوباء على الجهاز العصبي وتم نشر نتائجها يوم 29 أفريل 2020، فما الذي يمنعنا نحن من خوض غمار البحث في مثل هذه الظروف بما تتوفر عليه مستشفياتنا ولو بالملاحظة والمتابعة من خلال العلامات لأن الفيروس جديد ولا أحد يعرف أسراره ومآلاته، فالكل يتحدث وينشر ونحن نسوِّق ونستهلك، فإلى متى تبقى كفاءاتنا منكمشة ومنسحبة من خوض غمار البحث بما تيسر ونحن نتوفر على أطباء علماء في شتى الميادين يمكنهم إسماع صوتهم عاليا انطلاقا من الجزائر لو تجرّدوا من خوف انتابهم بحكم عادة تغلغلت في غالبية العقول وتوارثتها الأجيال تباعا وهي أننا نستورد ونسوِّق العلم بامتياز ولا كلمة لنا فيه خاصة لمن لم يهاجر خارج الديار ونبقى ننتظر ونتعفف حتى عن إبداء الرأي أو المعارضة لعدم الثقة في النفس.

وإذا كانت ألمانيا وفرنسا تتقاربان في نسبة الميزانية الموجّهة للصحة، فإن ألمانيا تتوفر على ضِعف أسرَّة الإنعاش مما تتوفر عليه فرنسا، ويتميز التسيير الصحي في المانيا بليونة أكبر نظرا للهيكلة الفدرالية، أما فرنسا فلا تزال البيروقراطية والمركزية يسيطران على الساحة، وحتى طبيعة الأداء المؤسساتي الألماني الذي يؤسس دائما للوفاق والإجماع عكس النظام الفرنسي الذي يدفع للمواجهة، كل هذه الاسباب جعلت ألمانيا صاحبة الثلاثة وثمانين مليون نسمة، منهم 60 من المائة يثقون في حكومتهم، وفرنسا بـ65 مليون نسمة منهم 34 من المائة فقط يثقون في حكومتهم، ما جعل ألمانيا تواجه كورونا بطريقة أحسن، فإلى غاية 20 أفريل 2020 سجلت ألمانيا 4500 وفاة مقابل 20000 وفاة بفرنسا.

أما في كوريا الجنوبية فإن سياسة الكشوفات السيرولوجية الشاملة التي باشرتها والتي عارضتُ من دعوا إليها في بلادنا قد نجحت بسبب توفرها على 96 مخبرا عموميا وخاصا مؤهَّلا للكشف وكذا وضع حيز التطبيق منذ مدة كل الآليات التكنولوجية والرقمنة في جميع التعاملات، إذ يمكن عند إصابة شخص بالفيروس رسم مساره من خلال البطاقة البنكية وجهاز الهاتف الذي يتوفر على تطبيق خاص ومعرفة كل معاملات المريض السابقة وأين كانت ومع من، ومن ثمّ التكفل بسلسلة الأشخاص جميعا، ما جعل نسبة الوفيات في حدود 0.7 بالمائة مقابل 3.4 كمعدل عالمي حسب المنظمة العالمية للصحة وعندما كان عدد الإصابات 8413 توفي منهم 84 مريضا فقط.

وفي ضوء هذا السرد المختصر يجدر بنا عند تلاشي هذه الجائحة أن نعمد إلى نهج سياسة وطنية للنهوض الشامل عبر انفتاح اقتصادي يحافظ على اللحمة الاجتماعية والأمن الصحي للفرد والمجتمع، من خلال التأسيس لأطر التفكير والتنسيق الجماعي قصد تحريك وتفعيل مجالات البحث العلمي في شتى المجالات وربطها بالميادين الاقتصادية، وجعل العلم والمعرفة صفتين لصيقتين بالفرد الجزائر كهوية وطنية أخرى، مع الإسراع إلى الاستفادة من تكنولوجية الإعلام والرقمنة بصفة كاملة قصد تسهيل التفاعل مع كل من يؤثر في الفعل الصحي بسرعة ودقة، مع خلق مراكز للوقاية واليقظة والأمن الصحي ولمَ لا مراكز خاصة لمواجهة المخاطر الصحية الوبائية ذات البعد العالمي، وإعادة هيكلة المنظومة الصحية وتسييرها وفق ليونة مالية وقانونية معتبرة، وإرساء التعاقد في تسييرها مع وكالات الضمان الاجتماعي، وخلق الجهة الصحية كقطب خاص، مع تنظيم للهياكل الصحية وفق مبدا جمع مختلف العلاجات في مؤسسة واحدة، ودعم الشراكة والتعاون بين القطاع العام والخاص، وتثمين دور العنصر البشري في قطاع الصحة بما يحفز ويُبقي على ديمومة العطاء والتضحيات الجسام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • أنا

    من أعجب أفعال التهريج التي تحدث في المنطومة الصحية أن الكل يتحدث عن ضورة الرقمنة بينما يتقاضى مهندس الدولة في الإعلام الآلي الذي يعمل في المستشفى 3.5 مليون سنتيم أي أقل بحوالي النصف من راتب الممرض الذي عنده في أحسن الأحوال (باك+3) ؟ مع احترامنا و توقيرنا الشديد للممرضين خاصة في أيامنا العصيبة هذه، فالعيب ليس فيهم و إنما فيمن يضع سلم الأجور ؟ !

  • dr A .chanderli

    et Bonne chance docteur

  • dr A .chanderli

    chapeau bas docteur pour ces efforts et ces contributions bénéfiques pour les autoriés publiques on espère vous voir prendre les choses en main et installer cette vision perspicace il faut aller toujours de l;avant et ne pas s'arretter .merci encore une fois

  • dr A .chanderli

    merci dr chidakh de cette abondance documentaire et strategique sur la santé et ce que vous avez dit est fait en partie , j'rspere qu'ils vous en contacté puisque c est pertinent ce que proposez et nous souhaitons vous voir en possession d un ' poste clé pour appliquer ces corrections et propositions..