-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ابن الزيبان الشيخ بلقاسم أفرن يكشف في حوار لـ"الشروق":

هذه قصّة الكيس اللغز الذي جعلني مغرما بقصائد محمد العيد آل خليفة

صالح سعودي
  • 695
  • 2
هذه قصّة الكيس اللغز الذي جعلني مغرما بقصائد محمد العيد آل خليفة
ح.م
بلقاسم أفرن

يتحدث الأستاذ الشيخ بلقاسم أفرن، وهو إمام بأحد مساجد بسكرة، عن تعلقه الشديد بأشعار ودواوين الشاعر محمد العيد آل خليفة، وكذا تأثره بسيرة ومسيرة الرجل، ما جعله يتقفى آثره الإبداعية والإنسانية، خاصة وأن الشيخ آل خليفة كان صديقا وزميلا لوالده في مجال التعليم والإصلاح، كما يكشف الشيخ بلقاسم أفرن الكيس اللغز الذي جعله فيما بعد مغرما بقصائد محمد العيد آل خليفة.

الكثير يعرف مسارك الطويل كإمام في قطاع الشؤون الدينية لبسكرة، لكن الكثير لا يعرف قصتك الطويلة مع الشعر، وفي مقدمة ذلك أشعار الشيخ محمد العيد آل خليفة.. كيف ذلك؟

كنت وأنا صغير شغوفا بالمطالعة حيث بدأتها وأنا في المرحلة الابتدائية، فكنت أحيانا أتردد خلسة على مكتبة الوالد رحمه الله وأغتنم فرصة غياب الوالدة في الخروج بعنزاتها نحو المرعى، وإذا بي أعثر على أمور تفوق عقلي وقتها، فكنت أحفظ وأخزن عملا بقاعدة العوام “أتعلم واترك”. فكنت أقرأ تفسير ابن باديس المسمى مجالس التذكير، وأعدته مرارا لإعجابي به ولكن المذهل فيه هو قصيدة الشاعر محمد العيد بمناسبة الحفل الكبير الذي أقيم بمناسبة ختم الإمام ابن باديس تفسير القرآن الكريم، وقد استغرق معه ربع قرن بكامله، فكانت القصيدة تعجبني وأترك التفسير وأنحاز للقصيدة، هذا إذا علمنا أن الشيخ البشير الإبراهيمي هو من قدم لها وألقاها على الجمع الكريم من العلماء إكراما لها ولقائلها.

هل نفهم من كلامك بأن تعلقك بأشعار الشيخ محمد العيد آل خليفة كانت من بوابة هذه القصيدة؟

نعم، كانت تلك القصيدة أول الغيث وبعدها وجدت قصائد أخرى له مخطوطة بخطه كان قد بعثها لوالدي على شكل رسائل وتهان وتعاز وإكراميات. بدأت أفتش في أسرارها خاصة وأن الخط اليدوي صعب مقارنة بالمطبعي، ونظرا لمستواي آنذاك فقد كنت في السنة الخامسة فقط. ورغم وجود الكتب وكثرتها إلا أني جبلت على قصائده الغر الطوال أحفظها، كما أحفظ لوحة القرآن مستعدا لأستعرضها على المعلم، لكن القصائد كانت دون استعراض لأن المجتمع فقير وأمي لا يفقه الشعر مثلما لا أفقهه أنا الآخر وهذا لعامل السن، لكن الرغبة في الحفظ ازدادت لدي فصرت كلفا بكل قصيدة تقع عليها عيناي وهي قليلة طبعا .

ما قصة الكيس الورقي للشيخ محمد العيد آل خليفة الذي جلبه والدك إلى البيت؟

في ذلك اليوم، عاد الوالد رحمه الله من سفره حزينا كئيبا، وكنا ألفنا أن نلتقيه ليكرمنا ببعض الحلوى ومختلف اللعب، لكن هذه المرة عاد ومعه كيس ورقي لا نستطيع السؤال عن محتواه، وفور وصوله إلى البيت نادى أمي قائلا: “الشيخ رحمه الله توفي قبل أمس وكنت محظوظا لحضور جنازته” .وبعدما كبرت روى لي أنه كان صديقه الحميم، حيث تعارفا بمدرسة العرفان بعين مليلة، والوالد كان مدرّسا والشاعر محمد العيد آل خليفة كان مدرّسا ومديرا في نفس الوقت. وقال بأنه أصيب بداء البروستات المضاعف نتيجة إدمانه القهوة وإن كان صحراويا، لأن معظم عمله كان في الشمال، حيث تشتهر القهوة ولا مكان للشاي إلا القليل.

ماذا قال لك بخصوص جنازة الشاعر محمد العيد آل خليفة وردود أفعال محبيه وتلامذته؟

حدثني كيف أبّنه الناس بكلماتهم، ومنهم الراحل محمد الصادق مراوي العقبي الذي كان وقتها قاضيا بتبسة، حيث روى لي بلسانه أنه سمع خبر وفاته وهو من تلاميذه، فأمر سائقه بالاتجاه إلى بسكرة مباشرة لحضور مراسيم توديع شيخه الوداع الأخير، وفعلا كان الحال. وفي الطريق نظم القاضي قصيدة شعرية رثائية في حق أستاذه، وما إن وصل إلى بسكرة حتى كانت القصيدة جاهزة، للإشارة فقد أعطاني نسخة منها مكتوبة على الآلة الراقنة. ثم يكمل الوالد حديثه قائلا: “لقد جاء المعزون من كل البلدان حتى أصبحت المقبرة لا تسعهم، وقدم رؤساء الوفود تأبيناتهم وكان البساكرة لهم بالمرصاد حيث كان الشهر رمضان والجو حار، وقد تكفلوا بجميع من حضر من قريب أو من بعيد”.

وماذا عن قصة الكيس الورقي الذي كان بالنسبة إليك أشبه باللغز في صغرك؟

لقد أطلعني على ذلك الكيس الورقي فإذا هو ديوان الشيخ محمد العيد آل خليفة مطبوعا مفهوما، فأخذت ألتهمه التهاما وأمر على القصيدة مرات ومرات، ومما ساعدني على حفظها هو ترتيبها حسب المناسبات، وشاءت الصدف والمقادير أن أدرس عند نجله الأكبر في مرحلة المتوسط، فلما رأى إعجابي وانشغالي بأبيه أحضر لي هو الآخر ديوانا كالأول، فحفظت الإسلاميات والاجتماعيات والمولديات والمتفرقات وكذا الاخوانيات والألغاز.

هل أشبعت غليلك بعد هدية نجله؟

هدية جميلة، لكن ما حز في صدري هو أن الديوان خال من مسرحية بلال بن رباح التي قيل لي إنها طبعت مستقلة عن الديوان. ودار الزمن دورته وإذا بي أعثر في سوق تبسة على كتاب عنوانه “تكملة ديوان محمد العيد”، فاشتريته غير مبال بثمنه. وبقيت المسرحية غائبة لا أعرف منها بيتا حتى جاء أحد تلاميذ الشاعر وهو الشيخ محمد المختار اسكندر وحضر معنا المهرجان الشعري، حيث كلمته عن القصيدة فقال: “هي عندي بمكتبتي وعندما أصل أرسلها لك بريديا”.

هل تحققت أمنيتك في هذا الجانب؟

ذات يوم أرسلها لي فإذا هي ناقصة ومبعثرة لكن حاولت أن أنهل منها بعض الفصول، حتى جاء الدكتور باسم بلام الذي استطاع بعد عمل مضن دام ثلاث سنوات أن يخرج للقراء والمثقفين والشعراء الأعمال الكاملة لمحمد العيد آل خليفة بتقديم من رئاسة الجمهورية، وهذا العمل والجهد يقع في ثلاثة مجلدات اقتنيتها فور صدورها من مكتبة الإحسان بباتنة. وكان العمل شاقا لكن الطبعة ممتازة، حيث أضاف إليها بعض القصائد التي كنت أجهلها لعدم صدورها في الديوان ولا في التكملة للراحل محمد بن سمينة العقبي، ما يدل على أن الدكتور باسم بلام بحث هو الآخر عما ضاع من شعره وتفرق في الأمصار.

ما هي الجوانب التي لفتت انتباهك في سيرة ومواقف الشاعر والشيخ محمد العيد آل خليفة؟

الشاعر محمد العيد آل خليفة سوفي الأصل، ولد بعين البيضاء ودرس ببسكرة ثم الزيتونة ليتخرج ويعين بالعاصمة، وبعدها عين مليلة وباتنة ومنها حصل على تقاعده. كان يحب بسكرة شتاء ويهجرها صيفا، حيث يقضي الصيف في مسكن أعطته إياه وزارة التربية نظير ما قدم للجزائر من خدمات. تأثري به جعلني أحفظ له أكثر لما تحصلت على الأعمال الكاملة، وكان بالنسبة لي مضرب المثل، فآخذ القصيدة من أولها إلى آخرها من دون كلل ولا ملل. وأنا على المنبر مستشهدا بحادثة ما، ألجأ إلى أشعاره، خاصة فيما تعلق بقصائد المناسبات الوطنية أو المولديات التي اعتاد الشاعر إلقاءها بنادي الترقي بمناسبة المولد النبوي الشريف.

هل من إضافة في الأخير؟

أنا سعيد بقصتي الطويلة مع قصائد ودواوين الشاعر محمد العيد آل خليفة الذي عشقته حد النخاع وحفظت شعره الذي لا يعتريه زجر ولا شنآن، وهذا عملا بالحكمة القائلة “من أحب شيئا أكثر من ذكره وهام فيه”. كيف لا وهو الذي أطلق عليه لقب شاعر الشمال الأفريقي بلا منازع. عاش لوطنه الجزائر ونافح بشعره الطغاة والجبابرة حتى وافاه الأجل المحتوم سنة 1979 وعمره 75 سنة، وجسده ينام بمقبرة لعزيلات وزرته مرات ومرات رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مأواه وتقبله في الصالحين

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • أرض الشهداء

    من قصائده التي تعجبني جدا قصيدة ذكرى الشهيد:
    رحم الله معشر الشهداء …… وجزاهم عنا كريم الجزاء
    وسقى بالنعيم منهم ترابا …… مستطابا معطر الأرجاء
    ان ذكرى الشهيد أرفع من أن …… ترفعوها بالصخرة الصماء
    فأقيموا لهم تماثيل عز …… في قلوب ثورية الأهواء
    اقتدوا وائتسوا بهم في المزايا …… إنهم أهل قدوة وائتساء

  • رشيد من الجزائر

    بارك الله فيك يا أستاذ.
    لقد أحببت أستاذا وشاعرا عظيما من عظماء الجزائر.