-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
متورطان في فضائح اختلاس يقحمان هيئات عمومية في عين الإعصار:

هكذا تخطط “العصابة” للاستيلاء على مركز التخييم وفيلات “كناص” بوهران

خيرة غانو
  • 6467
  • 0
هكذا تخطط “العصابة” للاستيلاء على مركز التخييم وفيلات “كناص” بوهران
ح.م

الأملاك العقارية للجزائريين ليست كلها في مأمن.. ولا عجب أن يعاد بيع عقار مملوك رسميا لفلان لصالح عِلاّن، كما ليس مستحيلا أن تستفيق يوما على خبر من مصالح مسح الأراضي أو المحافظة العقارية، مفاده أن العقد التوثيقي لأرضك أو مسكنك ليس له سند على قاعدة بياناتها المسحية.. يعني ببساطة.. يمكنك أن تبلّله وتشرب ماءه..
هذا ليس عنوانا عبثيا للترويع، لكنه للأسف من نواتج التخلف المريب عن إلحاق مختلف هياكل المديرية العامة للأملاك الوطنية بركب الرقمنة إلى يومنا هذا، وحتى في ولاية وهران التي تفتك الصدارة بجدارة في فضائح نهب العقار، وفيها من قنّاصي الفرص في الأوحال والفراغات ما يكفي لبعث القلق، بل لهذا الشعور المخيف ما يؤسسه باستنتاج معزز بقرائن ووثائق رسمية عن تبعات هذا التخلف الرقمي، الذي حوّل الخطأ المؤرشَف إلى قاعدة ارتكاز لدى البعض، ما كلّف صندوق الضمان الاجتماعي لولاية وهران “كناص”، كواحد من أغرب ضحاياه حاليا، منازعته في العدالة بأكثر من 15 قضية في أقل من سنتين، لأجل تجريده بكل الطرق من عقار اكتسبه بموجب عقد مُوَّثق ومُشهَّر، ومرتكز في أصله على سند ملكية يعود لسبعينيات القرن الماضي.
ما يميز هذا الملف الملغم، أن من بين ثناياه تُشتَّم رائحة فضيحة أكبر من مجرد أخطاء وعيوب الإدارة الورقية في أكثر القطاعات حساسية، حيث نجد أبطالها هذه المرة مسؤولين أقحموا بشكل غريب هيئات عمومية على التناحر في معارك قضائية تبدو في النور دفاعا عن أراضي “البايلك”، لكن في السراديب المعتمة، هناك من ينعق في العالم الافتراضي.. وهنالك من يحرّك عن بُعد بيادق هذه “اللعبة”، متناسيا أن في الأمر بصمات لا تخطئ صاحبها عند الزلاّت، وطبعا لا مقامرة في غياب غنيمة يشتهيها المقامرون.. أو هكذا تبدو معالم هذه الصورة على الأقل قبل أن تكتمل…
من منطلق هذه الحلقات المتراكبة التي أثارت فضول “الشروق” منذ وقوع ملف الحال صدفة بين يديها، انطلق التحقيق للبحث عن أخرى وجدناها ضائعة، وهذا بداية من النقطة التي تحرّكت فيها القوى الفاعلة للتأثير علنا على ما بات يعرف أمام المحاكم الإدارية، العقارية، المدنية وحتى الجزائية بوهران بـ”ملف مركز التخييم كناص”… وتحديدا من المحطة التي راحت فيها مديرية الحفظ العقاري لولاية وهران ترفع بتاريخ 19ـ11ـ2020 دعوى قضائية ضد مديرية الضمان الاجتماعي لوهران في المحكمة الإدارية، تلتمس فيها إلغاء عقود ملكية رسمية بقوة القانون بعريضة افتتاحية فتح النبش في ما ورائيات الغموض والشبهات المحتقنة والمتفجرة داخل السطور فيها وما بينها شهية الغوص في العمق..
صاحبة الدعوى تقّر في ذات العريضة صراحة بارتكاب مصالحها لعين الترك أخطاء قانونية وصلت حد المساس بصلاحيات السلطة القضائية، بالقول إنها جمّدت عقود ملكية موثّقة، كانت هي من قامت بإشهارها لعقار يخص الصندوق، ثم أعادت ارتكاب خطأ ثان بتجميدها دفترا عقاريا أصدرته باسم أملاك الدولة ولحسابها على نفس العقار، وفي الختام تتغاضى ذات المديرية عن كل تلك المعطيات الخطيرة والانتهاكات القانونية، لتلتمس الاحتكام للقضاء الإداري وإلغاء عقود “كناص” دون “الدفتر العقاري” الذي سلمته باسم أملاك الدولة المبني على ارتجال ملغّم، معترفة أن ذلك من اختصاصه، وما كان لمحافظها لعين الترك أن يفعل ما فعل؟؟

لماذا تسقط “الحفظ العقاري” عقود شهّرتها سلفا؟؟

قصة هذه السندات وأصلها، كما توضحه ترسانة من الوثائق الرسمية والقرارات والمراسلات الإدارية التي بحوزة “الشروق”، تعود إلى أواخر السبعينيات، عندما اقتنى صندوق تعويضات العطل مدفوعة الأجر للبناء والأشغال العمومية (كاكوباترو)، وهي هيئة تنتمي لقطاع الضمان الاجتماعي، من مديرية أملاك الدولة لولاية وهران آنذاك قطعة أرض صالحة للبناء تقدر مساحتها بـ 6519 متر2 بالمكان المسمى “كلير فونتان” ببلدية مرسى الكبير سابقا (عين الترك حسب التقسيم الحالي)، في مقابل مبلغ مالي قدره 228.165,00 دج، وبموجب قرار ولائي، ثم يحرَّر لأجله عقد بيع بالتراضي لصالح الصندوق في سنة 1978، تحت رقم 97 ومشهر بوهران بتاريخ 06ـ12ـ1978 مجلد رقم 1968 رقم 39.
وكذلك توضح مراسلة أملاك الدولة المؤرخة في 06ـ02ـ1976 لصالح إدارة “كاكوباترو” أن العقار المتفق عليه، يتضمن القطع الأرضية الحاملة للترقيمات 28، 29، 30، 31، 32 و33، مع ذكر حدوده وأنه موجه لبناء مركز للتخييم والعطل، وهو ما تم بالفعل على أرض الواقع، قبل أن يتقرر تحويل كافة ممتلكات “كاكوباترو” إلى “كناص” بمقتضى المرسوم الرئاسي رقم 84/404، بما في ذلك مركز الراحة والاستجمام الذي شيّد على القطعة 29، وكان جاهزا للاستغلال في سنة 1985، وهو مكوّن من 9 بنغالوهات، 10 مراقد و3 فيلات…
لكن ابتداء من سنة 2018، عندما قرّرت هذه الأخيرة تسوية الوضعية الإدارية لممتلكاتها المنقولة إليها من “كاكوباترو”، بدأت تتهاطل المشاكل والتعقيدات، حيث أنها بمجرد استخراجها لعقد نقل ملكية ذلك العقار وشهره بالمحافظة العقارية لعين الترك بتاريخ 05ـ03ـ2018 مجلد 393 رقم 34، تفاجأت بوجود خطأ مسحي يقضي ببطلانه، حيث اصطدمت بتواجد القطعة رقم 42 داخل القسم 70 الذي ينتمي إليه عقار “كناص”، واتضح أنه يخص شخصا تمكّن من الظفر بعقد حيازة إداري من طرف مصالح أملاك الدولة دون علم الصندوق بذلك، لتضطر إلى تصحيحه بعقد ثان حُذفت فيه تلك القطعة، ثم تم توثيقه وشهره بذات المحافظة بتاريخ 19ـ08ـ2018 مجلد 402 رقم 19، لكنها تُبلّغ مجددا بالطعن في صحته، ومن هنا بدأت الأمور تتأزم أكثر، وتأخذ أبعادا خطيرة بل ومنعرجات مثيرة للشبهات، لاسيما بعد دخول هيئات عمومية على الخط، بداية بمديرية أملاك الدولة وهران ـ غرب ومديرية مسح الأراضي، التي سكتت دهرا لتنطق حبرا على ورق بأن العقار الواقع بعين الترك قسم 70 مجموعة ملكية 29 مقيّد باسم الدولة، ولم يسبق تقييده أبدا لحساب “كناص” ولا صندوق “كاكوباترو”، الذي يمثل أصل هذه المعاملة العقارية..

عقد موثّق ودفتر عقاري لمالكين مختلفين يشهران على نفس العقار!

يحدث هذا بعد مرور 40 سنة كاملة على تحرير عقد الملكية الأصلي، والأدهى أن المحافظة العقارية لعين الترك تسارع من تلقاء نفسها إلى تجميد عقد ملكية “كناص” المعدّل بقرار صادر عنها بتاريخ 12ـ03ـ2019 تحت رقم 173/2019، ومن دون المرور إلى العدالة آنذاك لإلغائه، ثم تُعِّد وتُسلِّم لمديرية أملاك الدولة دفترا عقاريا مشهّرا بتاريخ 09ـ03ـ2020 يحمل رقم 144/20 لإثبات أن تلك الملكية تؤول إلى الدولة، وهي إجراءات تمت بشكل ارتجالي ومتسارع، بل ومثير لعلامات الاستفهام، بدليل الاعترافات التي جاءت على لسان مدير الحفظ العقاري في عريضته أمام المحكمة الإدارية، عندما أقّر بوجود أخطاء ارتكبتها مصالحه لعين الترك في ملف الحال، وانجرت عنها إشكالية الشهر المزدوج على عقار واحد، يُسند ملكيته الكاملة من جهة لصندوق “كناص” بموجب عقده المعدَّل، ومن جهة أخرى يُؤوِّلها لصالح مديرية أملاك الدولة على أساس دفترها العقاري.. وهنا يطرح تساؤل جوهري.. أين كان مدير الحفظ العقاري عندما كانت مصالحه آنذاك تصدر قرارات تمس بأصل الحق قبل الوصول بها إلى الشهر المزدوج؟؟!!…
ليس هذا فحسب، بل ماذا يعني أن تتحالف في هذه الظروف تحديدا، مديرية الحفظ العقاري مع باقي هيئات القطاع تلك، لتشكل طرفا موحدا يُدخِل مديرية “كناص” رأسا إلى العدالة، بدلا من البحث عن حل إداري ينهي هذا الجدل، لاسيما أن التماس إبطال العقد الموثق والمشهر لا يناقش قانونا إلا في حال الطعن فيه بالتزوير، وهو غير مثبت في قضية الحال استنادا إلى أحكام وقرارات قضائية تناولت هذا الجانب في ملفات طرحت على العدالة مع خصوم هامشيين.
وبرغم ذلك يصّر ذات التحالف على خوض معارك قضائية لأجل إلغاء عقد هيئة عمومية شيّدت على ذلك العقار قبل سنوات مبان وعقدت بموجبه ولا تزال صفقات عمومية لمشاريع تهيئة وترميم كلّفتها الملايير، وبإقرار صريح حتى من مدير أملاك الدولة، عندما أكد في المذكرة الجوابية التي تقدم بها أمام الغرفة العقارية بمجلس قضاء وهران بتاريخ 14ـ09ـ2020 بأن “المعاينة الميدانية التي قام بها أعوان مصالحه بيّنت أن القطعة محل النزاع تخص مديرية أملاك الدولة بموجب الدفتر العقاري، في حين أن البنايات المشيَّدة فوقها من مركز الراحة والاستجمام والسكنات، تعود لصندوق الضمان الاجتماعي لوهران”، ناهيك عن وصولات تسديد مستحقات استهلاك الكهرباء والغاز الخاصة بذات المركز، والمقيدة كلها باسم الصندوق ـ حسبما هو مثبت في نسخ الفواتير التي بحوزة الشروق.

ابن مدير سابق وزميله بـ “كناص” يقتحمان الملّف.. و”فيلتين”!

الإجابة على التساؤلات التي طرحناها سلفا ومنذ بداية الغوص في دهاليز هذا الملف، وجدناها في سقطات لسان بعض الأطراف الرسمية، وأيضا في وثائق لها وزنها في ضبط الأمور بميزان… ابن مدير سابق لصندوق الضمان الاجتماعي لولاية وهران، ومسؤول سابق في لجنة الخدمات الاجتماعية التابعة لذات الهيئة ـ وكلاهما كانا موظفين لدى “كناص” ـ، يُقحِمان نفسيهما في هذا الملف، ويتهمان المدير الحالي بتزوير عقد ملكية الصندوق للعقار الذي يحتضن مركز التخييم والفيلات أمام قاضي التحقيق لدى محكمة عين الترك، قبل أن يصدر في حقهما بتاريخ 26ـ11ـ2018 أمر بـ”ألا وجه للمتابعة” مؤيد بقرار غرفة الاتهام بتاريخ 13ـ01ـ2019 لانعدام أركان الجريمة، وتبعا لذلك تمّت متابعتهما بجنحة الوشاية الكاذبة، من قبل مدير كناص وهران، وصدر ضدهما حكم جزائي قضى بإدانتهما بشهرين حبسا نافذا، إلى جانب رفعهما عدة دعاوى قضائية مدنية وجزائية ضد الصندوق، وكلها كانت مرفوضة بالأدلة لانعدام الصفة..
وقد اعتبر الغرض من هذه التحركات وقف سير دعاوى الطرد التي رفعتها ضدهما مديرية ” كناص” من العقار محل النزاع، استنادا لتحليلات العدالة نفسها المدونة على الأحكام والقرارات القضائية سالفة الذكر، حيث ثبت أيضا من خلال هذه الأخيرة، أن هذين الشخصين تمكنا قبل نحو 10 سنوات من الاستيلاء على مسكنين داخل مركز الراحة والاستجمام من نوع فيلا، والإقامة فيهما رفقة عائلتيهما بدون صفة ولا سند، إلى أن قرّر المدير السابق لـ “كناص” بالنيابة استرجاع ممتلكات الصندوق، وحرّك ضدهما دعوى قضائية لطردهما، وحينذاك لم يكن بحوزة “كناص” ما يثبت ملكيته لذلك العقار، باستثناء العقد الإداري الأصلي الذي يعود لسنة 1978 باسم “كاكوباترو”، ما أوقف الإجراءات، لكن بمجرد حصوله على عقد نقل الملكية باسمه في سنة 2018، فعّل المدير الحالي ملف الطرد، ليحوز ضد كل واحد منهما على حكم ممهور بالصيغة التنفيذية ومؤيد بقرار الغرفة العقارية لإلزامهما على إخلاء الفيلتين سالفتي الذكر…
إخراج هذين الشخصين كلّ ما في جعبتهما من أوراق أمر غير غريب، لاسيما أن المقابل تحقيق حلم منشود بأن يظفر كل منهما بفيلا مترامية الأطراف على مساحة تتراوح بين 200 متر مربع إلى حوالي 400 م2 وفي مدينة شاطئية تسيل لعاب الطامعين في وهران، وإنما المحيّر بحق أن تدخل هيئات عمومية حسّاسة، ممثلة في مديريات أملاك الدولة، مسح الأراضي والحفظ العقاري طرفا في النزاع، بصفتها مدعية حينا ومدخلة في الخصام حينا آخر في جميع القضايا التي لها علاقة بقضية الطرد ضد “كناص” ولنصرة شاغلين فوضويين، بالتماسها في كل مرة تأييد جميع طلباتهما والحكم بإبقائهما في العقار محل النزاع، لكن العدالة ـ حسب ما هو مفصل في الملفات القضائية التي بحوزتنا ـ تفطنت لهذه العلاقة المستترة، وقضت في أكثر من مرة بعدم قبول إدخال تلك الهيئات في خصومات لا تعنيها…

بأي صفة يدخل الشاغل الفوضوي طرفا ضد “كناص” في “الإداري”؟!

بل الأفدح أن تُمنح للشاغليْن غير الشرعيين محررات رسمية يفترض أنها لا تسلّم إلا لصاحبها بالحضور الشخصي وبطاقة الهوية، سواء من المحافظة العقارية أو مديرية مسح الأراضي، على غرار الدفتر العقاري لأملاك الدولة، ليستغلاها أمام العدالة في محاولة لكسب قضية الطرد في آخر جولة، وأكثر من ذلك عودة ظهور أحد الشاغليْن إلى واجهة النزاع القضائي بين الهيئات العمومية، ليدخل نفسه في الخصومة في قضية “الإداري” 1422/2020، ودون أن تكون له الصفة التي تم على أساسها تبليغه بالعريضة التي تقدمت بها مديرية الحفظ العقاري في آخر دعواها أمام القضاء وجرّته ليدخل بين اللّب والقشور… !
كل هذه الصولات والجولات تأتي لتفسر أيضا سرّ تلك الهرولة في استصدار محافظة عين الترك سندات بخصوص العقار محل النزاع ثم تجميدها لأخرى، عندما كانت عقارب ساعتها آنذاك مضبوطة بدقة على مواقيت تحركات الشاغليْن غير القانونيين، بدليل أن كل ما سمّي أمام المحكمة الإدارية بـ “أخطاء موظف عمومي بالمحافظة” كان متزامنا مع الفترة التي تحرّكت فيها قضية طرد هذين الأخيرين، قبل أن تتدخل الحفظ العقاري في آخر المطاف لإنهاء هذه الإجراءات، بإشهارها ورقة إلغاء العقود التوثيقية أمام العدالة، فيما لم تخف علينا سرا خلال استفسارنا عن مآل العقار محل النزاع في حال كسبت مديرية أملاك الدولة المعركة القضائية لصالحها، بالقول إن الطريق حينها ستكون ممهدة لتسوية طلبات الشاغلين في تملّك الفيلتين في إطار قانون 15ـ08، الذي يمكِّن هكذا حالات من الاستفادة من إجراءات التسوية الإدارية لعقارات الدولة المشغولة من طرفهم!
ونفس الأمر لمّحت إليه المكلفة بالمنازعات لدى مديرية أملاك الدولة عند الحديث عن خلفية الإصغاء لأصوات الشاغلين والخضوع لما أسمته بضغوطهم عليها وطلباتهم إليها بالتسوية، حيث قالت إن الدولة لا يمكنها أن تطرد الأشخاص الطبيعيين من أملاكها… لكن على الرغم من أن هذه التصريحات تقرع بسببها الأجراس الحمراء عند مقارنتها بأمثلة عن مواطنين نُفّذت ضدهم إجراءات إخلاء هياكل تملكها الدولة بالقوة العمومية لكونهم فوضويين، إلا أن المثير للغرابة أكثر، كيف لهذه الإدارة أن تتعامل مع الأشخاص الطبيعيين بنص تلك المادة، ولا تفعلها مع هيئة عمومية رغم أن صاحبة البنايات والمستندات.
وبالعودة إلى منطق هذه الهيئات، هل يكفي أنه بمجرد أن يشغل شخص معين عقارا ما، يكون له الحق في اكتسابه عملا بالقانون المذكور دون أن يستوفي شرط 15 سنة من استغلاله، وحتى لو حاولنا تطبيق ذلك على حالة ذلكما الشاغلين في إطار ما يسمى بالتقادم المُكْسِب أو التنازل عن السكنات الوظيفية، فإن الأمر لا ينطبق عليهما لا بالقانون ولا بعُرف القانون ولا حتى بـ “لحيته”، كون مركز الراحة والفيلات وغيرهم ليسوا بنايات فوضوية، كما أن المسكنين لم يقطناهما أبدا كسكنات وظيفية، في غياب ما يُثبت العكس، كما أن تلك الهياكل لها صاحب يستند على جبل من الوثائق التي تؤكد أن هناك مؤسسة عمومية اشترت العقار وأقامت عليه مبانيها قبل أن تتحول ممتلكاتها إلى خليفتها “كناص” وفق القانون.

القطعة “الشّبح” في سجّلات المسح.. خطأ في الأرقام أم أضغاث أحلام؟

لمعرفة أصل الحكاية من منظور الجهات المسؤولة والمعنية بالملف، كان يتعين علينا أن تكون الحفظ العقاري أولى محطاتنا، حيث أكّد مديرها الولائي “عبد الوهاب بوعكاز” على أن الشرارة التي أشعلت الحرب القضائية في ملف “كناص ـ أملاك الدولة” كانت مجموعة من الشاغلين، قال إنه لا يعرف عددهم ولا هوياتهم، وكل معلوماته عنهم أنهم يحتلون منذ سنوات “شاليهات” بمركز الراحة والاستجمام الكائن بعين الترك، ويطالبون حاليا مديرية أملاك الدولة بتسوية وضعيتها الإدارية لصالحهم على أساس أن الأرض التي تحتضنها هي ملك للدولة، مشيرا إلى أن انتفاضتهم انطلقت من حيث شرعت مديرية الضمان الاجتماعي في مقاضاتهم لطردهم منها باستعمال عقد ملكية رسمي، ليصبح المشكل موضوع نزاع قضائي بينها وبين أملاك الدولة، وكل منهما ينسب تلك القطعة الأرضية قسم 70 مجموعة ملكية 29 إلى حظيرة ممتلكاته، إضافة إلى تلقي هيئته شكاوى رسمية من الطرفين، ما دفع ـ حسبه ـ المحافظ العقاري لعين الترك لطلب مديرية مسح الأراضي لوهران في مراسلة مؤرخة في 02ـ12ـ2018 بإجراء تحقيق ميداني على تلك القطعة، وموافاته بوضعيتها القانونية ومدى توافقها مع التعيين المذكور في العقد الإداري لـ ” كاكوباترو” لسنة 1978، والذي يمثل سند أصل نقل الملكية لـ “كناص”، ليأتيه الرد بعدم وجود توافق بينهما لا من حيث الحدود ولا المساحة، ولا وجود لازدواجية في الترقيم، مؤكدا على أن تلك القطعة مقيّدة باسم الدولة وليس باسم كناص”، وقال أيضا إن ذات المحافظ وجّه طلبا ثانيا إلى نفس الهيئة لإجراء تحقيق تكميلي، جاء في نتائجه أن العقار الذي بني عليه عقد السبعينات يحمل ترقيم قسم 70 مجموعة ملكية 53، ومساحته تقدّر بـ 6397 م2، وهو عبارة عن مستشفى مقيّد لحساب الدولة، ما يعني –حسبه- أن “مديرية الضمان الاجتماعي تطالب بتملك عقار بعقد لا يعني هذا العقار”.

الحفظ العقاري: “مجرد شكوك دفعتني لمقاضاة كناص وإلغاء عقدها”!

كما أشار “بوعكّاز” أنه استنادا لإرساليتي مديرية مسح الأراضي، قام المحافظ العقاري لعين الترك بتجميد إجراءات شهر عقد “كناص” المعدّل، بموجب القرار رقم 173/2019، المؤرخ في 12ـ03ـ2019، ثم أعّد وسلّم الدفتر العقاري لصالح مديرية أملاك وبطلب منها بعد شهره بتاريخ 09ـ03ـ2020 تحت رقم 144/20 للقطعة محل النزاع، وأنه بالموازاة مع ذلك، تلقى شكوى من مدير “كناص” انتقد فيها قرار التجميد، ومصّرا على أن عقد الصندوق يتضمن القطعة 29، ما ولّد لديه ـ حسب قوله ـ شكوكا بأن مصالحه أمام مأزق قانوني لوجود سندي ملكية مشهرين على نفس العقار (العقد الموثق والمشهر لـ “كناص” والدفتر العقاري المشهر لأملاك الدولة)، مشيرا إلى أنه بسبب هذا الوضع المبعد قانونا.
ولعدم تأكده إلى من تؤول ملكية ذلك العقار، قال إنه قرّر عرض هذا الملف كما هو على المحكمة الإدارية ضد كل من مديرية “كناص” ومديرية أملاك الدولة، التي خضع دفترها العقاري هو كذلك للتجميد من طرف محافظ عين الترك، وهذا بغرض تحديد المالك الحقيقي للعقار بحكم قضائي، وهي القضية المسجلة بتاريخ 19ـ11ـ2020 تحت رقم 1422/20، فيما أفادت المكلفة لديه بالمنازعات أن الحفظ العقاري كانت قد التمست في بداية سير الدعوى إلغاء عقد “كناص”، لكنها من خلال المناقشات تلتمس حاليا تعيين خبير عقاري للفصل في الموضوع، وفي هذا السياق اعتبر ذات المسؤول أن هيئته “ليس لها مصلحة مع أي طرف، وهدفها فقط الحفاظ على الأملاك العقارية المشهرة، وسلامة الإجراءات بمسك سجل عقاري لا يشوبه خطأ”.
وفي استفسارها عن سبب البحث عن حلّ قضائي، رغم إمكانية الحل الإداري، لاسيما أن النزاع يدور بين هيئتين عموميتين، وكان أولى للحفظ العقاري لعب دور محوري في التسوية الداخلية بين مصالح القطاع الواحد بدل اللجوء إلى العدالة، لو أصدر الدفتر العقاري لصالح صاحبة سند الملكية الأول(؟؟!!)، أجاب “بوعكاز” أن ذلك لم يكن ممكنا، بسبب ضغط الشاغلين على أملاك الدولة أولا، وأيضا لعدم إمكانية مصالحه تحديد مصدر الخطأ الذي جعل المعطيات التقنية والمسحية لا تتوافق مع ما يتضمنه سند الملكية الأصلي لـ “كناص”، فيما أكد أن هذا الأخير لم يطلب من مصالحه الحصول على الدفتر العقاري للقطعة محل النزاع إلا بعد مديرية أملاك الدولة، مشيرا إلى أنه لو فعلها قبلها لكان من نصيبه ولكانت كل هذه المشاكل عدم، وكذلك برّر ما وصفها بأخطاء ارتكبتها مصالحه عند شهرها عقودا مؤسسة على مراجع “خاطئة تقنيا” حسب ما أفرزه تحقيقها في هذا الإطار، بالقول أن التفطن لهذا الأمر صعب، كون الإجراءات تتعلق بنظام الشهر الشخصي، وقضية الحال تبرز أحد عيوبه على عكس نظام الشهر العيني، أين في الإمكان معرفة مكان العقار.

أملاك الدولة: “غياب الرقمنة وعدم تحيين السجلات العقارية سببا كل البلاوي”

من جهته، “محمد بن عمر”، المدير الولائي بالنيابة لأملاك الدولة وهران ـ غرب، قال إن ملف الحال مطروح حاليا أمام العدالة ولها وحدها القول الفصل، لكن بسبب ارتباطاته أحالنا على المختصة في المنازعات للرد على استفساراتنا، هذه الأخيرة اكتفت بالتأكيد على أن دخول هذه الهيئة في صراع مع ” كناص” حرّكه الشاغلون للعقار محل النزاع، مشيرة إلى إقدام هؤلاء على رفع شكوى ضد أملاك الدولة في المحكمة الإدارية بسبب هذا الموضوع قبل أن يتنازلوا عن الخصومة، كما تقدّموا بطلب “ألزموها” فيه بتسوية وضعية السكنات التي يشغلونها في عين المكان لصالحهم، وهذا على أساس إقامتهم فيها طيلة سنوات ودون أن يكون لـ “كناص” دخل في ذلك، مع تأكيدهم على أنهم هم من شيّدوها.
وللتحري في مدى صحة هذه التصريحات، قالت إن المديرية أسندت مهمة التحقيق في هذا الأمر إلى رئيس مفتشية أملاك الدولة لعين الترك، للتيقن ما إذا كانت تلك البنايات أنجزها المشتكون، بلدية عين الترك أم “كناص”(؟)، لكنه لم ينته منه بعد، وبخصوص تضارب المعطيات حول المالك الشرعي للعقار المتنازع عليه، أشارت المسؤولة القانونية بالمديرية إلى أن المشكل ضارب في العمق، وأن ما تعانيه إدارة أملاك الدولة من متاعب وفوضى أصله غياب الرقمنة وعدم تحيين السجلات والوضعيات العقارية، حيث كشفت أن موظفي الهيئة السابقين خلّفوا تركة من الملفات التي تُركت دون متابعة، ما أوقع الحاليين في مشاكل كبيرة، ترتبت عنها فوضى ونزاعات عقارية ليس لها آخر، ومن ذلك اكتشاف أراض بيعت لأشخاص، ثم أعيد بيعها لآخرين دون علم أصحابها، ولا يتم التفطن لذلك إلا عند القيام بشهرها على مستوى المحافظة العقارية، وكذلك رصد عقارات مملوكة تضم في عقرها أعمدة إنارة عمومية ومخادع كهرباء إلى غير ذلك.
أما عن قضية الحال، فإنها رفضت التحدث شخصيا عن تفاصيلها، باستثناء توضيح أن ما قام به المحافظ العقاري بتجميده الدفتر العقاري لأملاك الدولة يعّد خرقا واضحا للقانون، والإشارة إلى أن المستهدف الحقيقي بالخصومة في قضية الحفظ العقاري أمام المحكمة الإدارية هو “كناص” وليس أملاك الدولة التي تعتبر خصما للمدعية فقط على الورق، وما عدا ذلك، فإنها اكتفت بتدوين كافة أسئلتنا على أساس الاتصال بنا لاحقا للرد عليها بلسان مسؤولها الولائي، لكنها لم تفعل لحد كتابة هذه السطور.

مسح الأراضي.. أم مسح من الأراضي.. في إدارة “الأبيض والأسود”

“لطفي مصلي”، مدير صندوق الضمان الاجتماعي لولاية وهران، فنّد من جهته ما وصفها “ادعاءات” الشاغلين في تصريحاتهم لأملاك الدولة، حيث قال إن الأمر يتعلق بشخصين، أحدهما ابن مدير سابق للصندوق، تمكن على عهد والده الذي تقلّد هذا المنصب بين سنتي 2005 و2013، من الظفر بسكن من نوع فيلا داخل العقار محل النزاع في شهر مارس من سنة 2010 من دون أي قرار، وكذلك تسنى للآخر الذي كان آنذاك مسؤولا إداريا على مستوى لجنة الخدمات الاجتماعية لعمال “كناص” احتلال الفيلا التي كانت سابقا مأوى للحارس قبل إعادة تهيئتها بميزانية رصدتها المديرية العامة للصندوق لهذا الغرض.
وبالاستشهاد بوثائق، أشار محدثنا إلى أن سلفه كان قد وقّع بنفسه طلبا موجها إلى مديرية سونلغاز بتاريخ 11ـ06ـ2006 يدعوها فيها لتركيب عدادات الكهرباء والغاز لفيلات “كناص” مستقلة عن تلك الخاصة بتموين مركز الراحة والاستجمام، والذي أصبح بمقتضى التنظيم الذي أحدثه المدير آنذاك تحت تصرف لجنة الخدمات الاجتماعية تلك، وكذلك جاء في محضر اجتماع تم بتاريخ 29ـ03ـ2000 بين مسؤولي إدارة الصندوق ولجنة الخدمات الاجتماعية التابعة له، والتي كان الشاغل الثاني محل الطرد مسيرا لها، وموقِّعا فيها على أن الفيلتين الكائنتين بالعقار المذكور ستظلان خاضعتين لتسيير مديرية “كناص”، ما يعني –حسبه- أنها اعترافات رسمية من أهل مكة عن شعابها، وأيضا قرائن تؤكد على أن العقار يعود إلى “كناص”، ناهيك عن احتكامه على عقد إداري تعديلي مؤرخ في 13ـ05ـ1992 صادر عن مديرية أملاك الدولة، والذي بمقتضاه تحوّلت حيازة القطعة الأرضية المشيد عليها مركز الراحة والاستجمام من صندوق العطل مدفوعة الأجر إلى الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية، وهو وثيقة يراها كافية لتسقط كافة ذرائع الطرف الآخر ومن ولاه في الوحل.
وحسب مصادر موثوقة من “كناص” وهران، فإن تاريخ قدوم ابن المدير السابق للعمل بالصندوق بعد تحويله من مديرية الضمان الاجتماعي لمستغانم كان في سنة 2008، ما يدحض مزاعمه بقيامه ببناء الفيلا التي استولى عليها، ذلك أن التشييد تم قبل هذا التاريخ بكثير، وعن سبب الجدل في صحة عقدي الصندوق، وما تستند عليه مديرية مسح الأراضي عند طعنها في سلامة المراجع التقنية التي بُنيا عليها، أوضح مُحدثونا أن الإشكال مطروح على مستواها عندما لم تقم بدورها في تسجيل العقار باسم “كاكوباترو” بعد إتمام إجراءات عقد 1978، وتركته على حاله مقيدا باسم أملاك الدولة، فيما يشير هؤلاء إلى ركام من الوثائق الرسمية والثبوتية التي تصب كلها في خانة تأكيد صحة العقد المعدّل وحتى العقد الأول الذي شطبت منه القطعة رقم 42 بطرق يصفونها بالغامضة، مثلما دحضت ذات الجهة تصريح مدير الحفظ العقاري عندما قال إن مديرية أملاك الدولة سبقت الصندوق في طلب الدفتر العقاري، حيث أكدت بالاستشهاد بالتاريخ المدوّن على وصل الاستلام أن ذلك تم في 05ـ12ـ2018، في حين أن أملاك الدولة تحركت لأجل ذلك بعد تجميد الشهر على عقد الصندوق في سنة 2019، معتبرة أن التلاعبات في هذا الملف من طرف بعض الهيئات العمومية لم تظهر إلا بعد شروع الصندوق في إجراءات طرد الشاغلين، حيث لمست بغرابة ميل هذه الأخيرة إلى جانب هؤلاء رغم ما تتضمنه صحائفهم القضائية.

من هم هؤلاء الأشخاص الطبيعيون “فوق العادة”؟؟

من خلال الاطلاع على أحكام وقرارات قضائية لهذين الشاغلين اللذين يمثلان في قضية الحال مجرد أشخاص طبيعيين، يتبيّن أن كليهما مسبوقيْن في قضايا جزائية تتعلق بالفساد، أبرزها ما يتضمنه حكم الإدانة المؤرخ في 26ـ11ـ2020، والذي قضى في حقهما ومن معهما بالحبس النافذ لمدة 18 شهرا و870 مليون سنتيم غرامة عن جريمة اختلاس أموال موظفين، إلى جانب تعرض أحدهما لإجراءات تأديبية بسبب ارتكاب خروقات تسيير، منها قرار التنزيل من الرتبة بسبب خطأ جسيم، تمثل في إخفاء 16 ألف شيك خاص بمؤمّنين، قرار الفصل من العمل بتاريخ 28ـ08ـ2020 إلى غير ذلك من العقوبات التي كلفتهما أحكام إدانة وتغريم مالي في قضايا جزائية وعقارية سلف ذكرها، ما تعكس الطبيعة الجزائية لهذين الشخصين الطبيعييْن مدنيا.

في انتظار إدارة اللمسة.. إدارة “الزّر” تجّر مسؤولين إلى السجون

ما يستشف من تصريحات الحفظ العقاري عن شكوكه التي دفعته إلى طلب خبرة عقارية من المحكمة الإدارية، رغم تحقيقه الذي استند على نتائجه مما أسماه ب “الخبير العقاري للدولة” لإلغاء عقد رسمي كان قد تقدم به في النهاية خطوات إلى الوراء، فإن النزاهة والدقة في خبرة مسح الأراضي لا يمكن القول عنها سوى أنها “فيها.. وعليها..”، وكذا حديث أملاك الدولة عن فوضى المعاملات العقارية بسبب غياب تحيين سجلات الإدارة، بما قد يخلط الأوراق والحقوق في أي وقت، وغيرها من المشاكل التي تتكرر في كافة الولايات، وكانت سببا في تورط محافظين عقاريين ومسؤولين في أملاك الدولة في قضايا “الملك السايب” وتم الزج بهم إما في السجون أو المتابعات القضائية…

إذن ما حدث لـ”كناص”، وهي هيئة عمومية، لها أرشيفها الورقي والمرقمن، وأيضا قدراتها على الدفاع عن مصالحها وممتلكاتها بشراسة عند أي محاولة اعتداء.. لكن ماذا عن حق المواطن البسيط إذا حصل له مثل هذا في ظل واقع قطاع لا تزال عقارب الساعة فيه مضبوطة على زمن الأبيض والأسود، حيث لا يُعرف عن الرقمنة سوى أنها خطاب تلوكه ألسنة السياسيين كاللبانة تحت الأضواء، قبل أن تسمع لها فرقعة خلف كاميرات الإعلام.. حيث هناك على الهوامش من يستغل هذا التخلف ليقتات من الثغرات ويكون رقما إضافيا في سجل فضائح نهب العقار، وهناك أيضا من يدفع الثمن..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!