-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عـقـيـد المخابرات محمد الطاهر عبد السلام لـ"الشروق":

هكذا قضى مفدي زكرياء عذابات سجن البرواقية!

فاروق معزوزي
  • 4182
  • 0
هكذا قضى مفدي زكرياء عذابات سجن البرواقية!
ح.م
محمد الطاهر عبد السلام

يواصل العقيد محمد الطاهر شهادته بالحديث حول وصوله إلى تبسة بعد محنة السجن التي دامت أربع سنوات، ليجد نفسه مجددا في سجن تبسة الذي فر منه في عملية “ماكرة” مع رفقائه المناضلين الخمسة، مستطردا في كلامه حول استعادته لواجبه الثوري مع إخوانه من خلال تحيين وتنشيط شبكة المناضلين في المدينة التي خفت بها الوهج الثوري الميداني، حيث تمكن عبر شبكة من الفدائيين الذين جندهم للقيام بعمليات ساهمت في تفعيل جذوة العمل الثوري المسلح من خلال عمليات ميدانية استهدف فيها العدّو في قلب تبسة.

متى وكيف غادرتم سجون المستعمر؟

تم نقلنا من وهران إلى سجن البرواقية، وكان سجنا قاسيا في الحر والقر، جل نزلائه أصيبوا بمرض السل، كونه مشيدا من الصفيح، بقيت فيه سنة ونصفا، وهناك التقيت بشقيقي الأكبر محمد الصغير، كان محكوما عليه بخمس سنوات، تم القبض عليه في عنابة سنة 1955، وهو فدائي من جماعة “لوس”، والتقيت كذلك بعباسي مدني، كما التقيت بالشاعر الرمز مفدي زكريا، ومن أخلاق وتواضع هذا الرجل، كان يتناوب معنا في تنظيف حجرة السجن، وأتذكر كانت له عادة حيث يستلقي على ظهره ويترك الكراس فوق وجهه، ثم يقوم ويشرع في التدوين، وما تألمت له أن علما من أعلام الحركة الوطنية بحجم مفدي زكريا ينتهي به المطاف أن يموت في المنفى، هذا ظلم وإجحاف في حقه، يكفي فخرا أنه صاحب النشيد الوطني قسما، ولقد غادرت السجن بعد انقضاء محكوميتي في فيفري 1958.

ما هي الظروف التي وصلتم فيها إلى تبسة، ثم كيف وجدتموها نضاليا وثوريا، بعد محنة غياهب السجون التي دامت 4 سنوات؟

وصلت تبسة وجدتها في أجواء حرب، محاصرة بالمربعات الأمنية وحاجز يتلوه حاجز، تعج بالحركى والوشاة والمخبرين، وفي المقابل وجدت “الخاوة” في انتظاري منهم محمد طيب رايس حيث كلفوني بإعادة تنظيم تبسة، فأجبتهم هل خلص الرجال في تبسة حتى تنتظروني؟ ثم قرّعتهم، كيف لكم تتركون تبسة وكأنها مستسلمة لاستعمار؟ وفي هذه الظروف طلب مني شاب اسمه شريف ولد الحفناوي استعداده لتهريبي إلى تونس، كونه ملم بمسالكها، لكني رفضت طلبه، وعللت رفضي بأني سأواجه أقداري الثلاثة، إما الجبل وإما السجن مجددا وإما الاستشهاد.

كيف باشرت أيامك الأولى في تبسة؟

مكثت عند عمي يومين، وفي اليوم الثالث نزلت إلى مركز الشرطة مصحوبا بدفتر النفي، المدون فيه التهمة والحكم والمخالفة وقرار النفي، موقع من طرف وزير الداخلية فرانسوا ميتران، لإثبات الوجود الأسبوعي، كوني تحت طائلة الإقامة الجبرية، ومن خبث التاريخ وجدت في مركز الشرطة ذات الشخص الذي اعتقلني سنة 1954 أحمد بن فاتح، وبعد أيام حصلت على عمل كخياط وقد زارني آنذاك شاب اسمه عبد العزيز مراح (حاليا هو رئيس اتحاد العمال في تبسة) الذي أبلغني انه تم تكليفه ليسلمني مجموعة من الصور، والتي تعود لعناصر اللفيف الأجنبي.

ما نوع هذه الصور وماذا كان طلبه؟

الصور التي وصلتني فيها نوعان، فأما الأولى صور لعناصر اللفيف الأجنبي وهم يرتدون فيها البزة العسكرية الفرنسية وأما الثانية فكانت وهم يرتدون لباس المجاهدين (القشبية) أما بخصوص طلبه مني، فهو القيام بتوزيعها بهدف تشجيع عناصر اللفيف الأجنبي على الهروب والالتحاق برفقائهم الذين انظموا للثورة.

كيف تصرفتم في هذه الصور؟

كانت تربطني علاقات مع مجموعة من الشباب المتحضرين، يحتكون بالفرنسيين ويترددون على قاعة سينما اسمها كازينو، صارت أيام الثورة مخصصة لعناصر الجيش الفرنسي ولبعض المدنيين، فسعيت من خلال شاب اسمه بوزيد مداني، وهو صديق، فطلبت منه تمكيني من الدخول إلى قاعة السينما، وعبرهم تمكنت من الولوج، وعند إطفاء الأضواء قمت برميها بين الكراسي وأسفلها ثم غادرت، في الصباح اكتشف الأمر من طرف الجيش والمخابرات، وأعقبها تفتيش وبحث دقيق وكانت العملية ناجحة إعلاميا وسياسيا.

هل استعدتم نشاطكم النضالي والثوري؟

نعم قد جاءني صديق سجن معي في 1954 اسمه صالح سليماني، الذي أبلغني بأن التقي بقياد المنطقة السادسة بتازبنت، وأنها جد مستاءون إلى ما آلات إليه تبسة، كون المدينة لم يتم بها أي عمل ثوري منذ سنتين، وأنهم مستعدون للهجوم عليها لتنفيذ عمليات ميدانية، فرددت عليه برسالة ومحتواها أن تبسة بلد الوطنين والثوار، طالبا منه منحنا السلاح للقيام بواجبنا الثوري وإلا سنطالبكم في المستقبل أمام الله والتاريخ، فلما وصلته الرسالة طلب من المرسل أن يجلبني إليه وكوني تحت الإقامة الجبرية، فاستعنت بشرطي اسمه بن خديم صار هو من ينوب عليا في التوقيع، وعند وقت المغرب صعدت الجبل مرتديا لباس الرعاة، حتى وصلت للمكان المتواجد به مجموعة من قيادة المنطقة والناحية.

كيف كان محتوى هذا اللقاء وما الذي خلص إليه؟

حضر اللقاء كل من قائد الناحية الأولى بلخيري وبوزيد كمسؤل سياسي وعلي بن يونس كمسؤول عسكري للمنطقة، فيما تمحور النقاش حول السبل والوسائل لإعادة تنظيم تبسة المدينة من جديد، هذا من جهة ومن جهة أخرى سلمني دفتر الاشتراكات وقنبلتين يدويتين، وقد تجدد لقاء ثان حضره أعضاء قيادة المنطقة وتم تعين اللجنة العسكرية الخاصة بتبسة، يرأس هذه اللجنة صالح سليماني، فيما تم تكليفي نائبا له ومسؤولا للتنظيم، ومن أعضاء اللجنة صالح برمضان وبوزيدي حسين وطاهر بن جدو ومحفوظي محمود.

كيف باشرت مهمتك الجديدة؟

بخصوص الاشتراكات قد تكلف بابا ولد إسماعيل عن طريق ابنه إبراهيم الذي تكفل بدوره وبقوله ” كل اشتراكات المزابية تجدها عندي ـ مبررا ـ في حالة تمت الوشاية بنا يتم القبض على واحد وليس على الجميع” وقد انتدبت أن يستلمها منه حسين بوزيدي دوريا، فيما تفرغت لمهمتي العسكرية، حيث تكفلت بتجنيد الفدائيين وقد تمكنت عبرهم من تنفيذ عمليتين عبر قنبلتين يدويتين، الأولى تم تفجيرها وسط الحضور من العسكريين والسياسيين عشية الاحتفال بذكرى العدو 14 جويلية 1960 في ساحة الرقص الملاصقة للثكنة، والثانية على مخمرة اسمها “الفرنسي” يرتادها عساكر العدو.

كيف استمرت مسؤولياتكم التي كلفتم بها؟

بقينا على هذا المنوال حتى مظاهرات ديسمبر 1961، وهنا يسمح لي أخي علي بن محمد، كانت حرمه المصون من ابرز المناضلات المحركات في هذه المسيرات، فيما كنت شخصيا في تواصل مع مناضلتين واحدة دراجية (نسيت اسمها) ابنة محمد بن الدخان والثانية جويني فريدة الذي كان أحد أقاربها رئيس بلدية تبسة، اسمه جويني محمد لخضر، وكذلك كان نائبا في المجلس الوطني الفرنسي، وهو صديق شخصي للجنرال ديغول، الذي شارك معه في الحرب العالمية الثانية، فالسيدة فريدة طلبت مني يوما منحها مسدسا لتصفية ابن عمها الخائن، أخبرتها لدينا شاب فدائي متطوع متخصص في التصفية، لكن سليماني صالح ابلغنا أن هؤلاء الرموز لا يمكن اتخاذ قرار تصفيتهم إلا بأمر من قيادة الثورة، وهكذا حرمت من تصفية رمز من رموز الخيانة.

ما هي الانعكاسات التي خلفتها مظاهرات ديسمبر 1961؟

قرر الفرنسيون شن سلسلة من الاعتقال بعد مظاهرات ديسمبر ضد المتظاهرين والمنظمين والمحركين، وتم مباغتي على الرابعة صباحا وأنا نائم، وقد عثروا بحوزتي على وثائق مهمة، لكن جزء منها أخفيته في سروالي الذي تكسوه قشبية ولم ينتبهوا له، وقد أخذوني إلى مركز الحركى الذي يشرف عليه النقيب سماتي، وهناك وجدت عبد السلام بوخشم من قدماء مناضلي حزب الشعب (المنطقة الخامسة) ثم ادخلوا علينا الشيخ مكي بوغانم من كبار تجار تبسة، خاطبني هذا الأخير بأن ملفّي كبير وأنا النقيب سماتي مستعد لأخذ الرشوة، وأن الحاج سعد الله عزوز ( أحد رجالات علماء المسلمين ومن وجهاء وتجار تبسة وجار لنا) مستعد أن يدفع خمسمائة ألف، حتى يتركوني أمضي لحالي، فأجبته: “لن أشترى بالدراهم ولو أخرج سأقوم بتصفية أي شخص يدفع رشاوى لسماتي مقابل خروجي”.

كيف كانت ظروف التحقيق والاستنطاق؟

تم استمالتي هذه المرة مباشرة من طرف سماتي الذي أراد مراوغتي بأنه يشتغل لصالح الثورة، حيث اخبرني أنهم عثروا على قائمة أسماء موجود فيها اسمي، طالبا مني كشف أسماء الخلية حتى يتم الاتصال بهم ليمكنوهم من الهروب، وعند رفضي لحيلته، كلف مساعده الذي أخرجني للساحة وكانت في غاية البرودة، حيث جردني من ملابسي، ثم عذبني بالماء والكهرباء حتى انهرت وأغمي عليا.

أين وجدتم أنفسكم بعدها؟

بعدها تم نقلي إلى مصلحة دوب ” المخابرات العسكرية “، فوجدت أحدهم كان يخيط عندي سراويله، وكان مزودا بالمعلومة المضخمة، أنهم عثروا عندي على حقيبة من الوثائق، فأخبرته أنها ليست وثائقي وأن سماتي وراء هذه المكيدة لتوريطي، وبقيت على هذا الحال 17 يوما، أتنقل بين ثلاث مكاتب للتحقيق والتعذيب، مكتب سماتي ومكتب دوب (المخابرات العسكرية) ومكتب المخابرات العامة، وبعدها أخذوني إلى ثكنة في تبسة، هناك التقيت بقائد المنطقة السادسة، جدي مقداد وهناك بقيت زهاء الشهر.

هل من تفاصيل حول اعتقالكم وسجنكم هذه المرة؟

السجن يقع داخل الثكنة ويجاوره مستشفى وكان يقبع فيه زهاء 250 مناضلا وكنت أكثرهم تضررا جسديا من قوة التعذيب، ولذلك عزمت على الهروب مهما كان الثمن، ولو اسقط قتيلا في الساحة، وقد فاتحت مقداد في الموضوع، لكنه تردد واستشار شيخا مسجونا معنا اسمه عمي صالح محفوظي، فطمأنه بأني ثقة وجاد في ما أسعى إليه.

كيف شرعت في التخطيط للهروب؟

تمكنا من حفر الحائط الذي يفصل الثكنة بالمستشفى، وبعدها شرعنا في تحضير الجانب اللوجستيكي للتمكن من الهرب، ثم طلبنا من صالح بورقعة محقق في مصالح الشرطة الفرنسية، أن يسلم الممرض نسيت اسمه، بالمقابل أرسلت لاثنين من رجالنا، فأما الأول هو أحمد شاوش باشا، الذي أبلغناه أن ثمة أمانة في المستشفى، لابد أن يستلمها، والثاني قبايلي نسيت اسمه، عنده سيارة بيجو من نوع 404، فيما طلبت سيارة ثانية للاحتياط في حالة الفشل، وكذلك عندي مناضل صديق اسمه صديق شبيرة، اتصلت به عبر شباك المستشفى، فطلبت منه أن يأتيني إلى المستشفى غدا في حدود المغرب، حيث كنا في شهر رمضان صائمين.

حدثنا عن اللمسات الأخيرة لعملية الفرار؟

كلفت صديقا بجلب خمسة مليات مع نقاب (العجار)، للخروج بهم من المستشفى باتجاه السيارة، لكن مقداد جدّي اعترض بشدة قائلا: أنا لا أقبل الموت في ملاية كالنساء، وإن كان لابد من قتلنا فسنموت كالرجال في قشبية الثوار، تسللنا للمستشفى عبر غرفة الأمراض العقلية، وجدنا هناك مجاهد ينتظرنا، حيث سلمنا قنبلة يدوية، وقد تمكنا من الخروج إلى السيارة، وغادرنا على عجل، حتى وصلنا ملعب سباق الخيل، حيث قطعنا حوالي ثلاث كلمترات.

كيف واصلتم هروبكم؟

صعدنا نحن الخمسة الفارين إلى الجبل وظللنا في جري مستمر، تقطعه دقائق للراحة، ثم نواصل الهرب، وبقينا على هذا الحال من الساعة السابعة مساء إلى الرابعة صباحا، في جو غاية كان جد قاسيا من برد شديد وثلوج كثيفة، حتى تصادفنا مع مجموعة من الأحصنة، ماكثة في مكان من شدة الصقيع، امتطيناها وهي غير مسرجة، حتى وصلنا إلى تازبنت قبل الفجر، فقصدنا بيت مناضل طرقنا بابه فخرج، طلب منه الأكل كوننا صائمين، أجابنا بأن أولاده ناموا دون عشاء، أخبرناه نحن مجاهدين فارين من السجن، قال سواء كنتم مجاهدين أو حركى لا يوجد لديّ أي طعام، طلبنا منه ثانية كيف يمكنك أن تدلنا على مكان الخاوة، قال لم يعد عندي اتصال بأي خاوة.

ما سر كل هذا التنكر لكم؟

ساورته الشكوك فأراد التخلص منا، وفي هذا النقاش البزنطي بدأنا نلمح بوضوح أضواء الشاحنات قادمة من الشريعة نحو تبسة، التي كانت قد طوقت تبسة ولأول مرة بتلك الطريقة، خرجت للبحث على الفارين، تركناه ثم عدنا بعد أن فشلنا في الوصول للخاوة، عدنا له ثانية وقد تمكنا هذه المرة من إقناعه، قام وذبح خروفا وأيقظ زوجته وطلب منا أن نكتب له رسالة لينقلها للمجاهدين، في المقابل طمأننا في حالة اقتراب الجيش سيقوم بإخفائنا في “كازمة”، كان يملكها داخل بيته، وما إن حل المغرب حتى وصلنا زهاء أربعين مجاهدا، على رأسهم بلقاسم بوزيدي قائد المنطقة.

كيف خلص اللقاء مع قائد المنطقة؟

تم توزيع كل واحد منا بين خمسة مجاهدين لحمياته، مع توصيات صارمة من طرف قائد المنطقة بقوله: “لو يمسهم أي مكروه ستدفعون الثمن”، حيث بقينا مطاردين لأسبوعين ونحن في تنقل مستمر بين الأرياف والجبال، ومن بيت إلى بيت حتى تمكنا من لقاء قائد المنطقة، حيث تم فرز الإخوة الأربعة نحو الاوراس، فيما تم تعيني مسؤولا سياسيا في المنطقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!