-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
عرفت موقفا مشابها للمؤامرة التي مرت بها "الشروق" طيلة عامين

هكذا واجه علي فضيل محنة “الشروق العربي”

صالح سعودي
  • 1369
  • 0
هكذا واجه علي فضيل محنة “الشروق العربي”

يعرف الكثير قراء وأوفياء الشروق الضريبة التي سددتها الشروق بسبب انحيازها المطلق للوطن وثوابت الأمة، وهو الانحياز الذي كلفها الكثير من المحن والمؤامرات التي صبت في خانة تحطيمها، ولعل القراء قد وقفوا عن قرب عما حدث لـ”الشروق اليومي” من صائفة 2017 إلى غاية حراك 22 فيفري الماضي، إلا أن بعضهم ربما لا يملكون معطيات كافية عن المحنة التي مرت بها أسبوعية “الشروق العربي” بين ربيع 1997 وخريف 1998، في مشهد لا يختلف عما عرفته “الشروق اليومي”، لكن القاسم المشترك فيما حدث هو إصرار المدير العام علي فضيل على الانحياز الدائم والأبدي لثوابت الشعب ومصلحة الوطن.

وإذا كانت “الشروق اليومي” قد حطمت جميع الأرقام في النجاح والتميز، حتى أنها عُدّت ضمن أكبر الجرائد الوطنية والعربية بوصولها إلى سحب يفوق مليوني نسخة، فإن هذا النجاح قد أسست له أسبوعية “الشروق العربي” التي وصل سحبها نحو 400 ألف نسخة بعد سنوات قليلة من تأسيسها، وهو ما يعكس بصمة المدير الراحل علي فضيل الذي حاول أن يجمع الجزائريين في أسبوعية حرصت على أن تلبي أذواقهم وفضولهم.

 وفوق كل هذا الحرص على خدمة ثوابت الأمة، ما جعلها تسدد الفاتورة غاليا، بدليل المؤامرات التي تعرضت لها في منتصف التسعينيات، حتى أن الأمر وصل إلى حد توقيفها بشكل تعسفي، بعد رفض طبعها من طرف حكومة أويحيى رغم أنها كسبت جميع القضايا المدرجة في العدالة، ما اضطر الأستاذ علي فضيل إلى الاستنجاد ببعض المطابع الخاصة التي لم تكن متوفرة على الإمكانات اللازمة، وتحويل الجريدة إلى شبه مجلة لضمان الحضور، إلا أن تواصل المعاناة والمؤامرات أرغم الشروق العربي على الاختفاء قسرا عن السوق الإعلامية، حيث كتب المدير العام علي فضيل في العدد 318 الصادر يوم 22 سبتمبر 1997 افتتاحية بعنوان توقيف جزئي اضطراري، ومن بين ما قال فيها “أعزاءنا القراء.. تكونون قد تفاجأتم بشكل الغلاف الذي صدر به العدد السابق من الشروق العربي، الأولى مضببة أو قل مشوّهة لا تعكس الشكل الناصع الذي كانت تصدر به جريدتكم منذ الانطلاق في طبعتها على شكل مجلة.. معاناة شاقة نعانيها في طباعة كل عدد حتى نكون في الموعد”، وختم الافتتاحية بأن الشروق العربي قد تضطر إلى الاحتجاب لـ 3 أو 4 أسابيع، لكن في الحقيقة غابت عن قرائها لمدة تزيد عن العام.

حرمان من الطبع رغم قرار العدالة

وقد عاش قراء الشروق العربي في تلك الفترة على الأعصاب، ينتظرون ويترقبون وهم قلقون، فجاء الفرج الأولي بعودتها تحت لواء العدد 319 الصادر يوم 17 أكتوبر 1998، وهو العدد الذي حمل افتتاحية بقلم الأستاذ الراحل علي فضيل الذي أفرغ ما في جعبته من هموم وظلم وتعسف، فوضع النقاط على الحروف وسمى الأمور بمسمياتها بنفسية قلقة غاضبة لكن بأسلوب بليغ يصل إلى القلب لأن المضمون جاء من القلب، فكان عنوان الافتتاحية “عدنا فهل يكون العود أحمد”، حيث حملت الافتتاحية تحية شوق للقراء قائلا: “ها هي ذي الشروق تعود إليك عزيزي القارئ.. بعد غياب قسري دام أكثر من سنة، بداية نعتذر لك أيها القارئ الوفي عن هذا الانقطاع الاضطراري الطويل الذي دفعنا إليه دفعا وقمعنا فيه قمعا ولسعنا فيه لسعا لا لشيء إلا لأننا على الحق ذائدون وبالوطن متشبثون، وعن قيمه وحياضه مدافعون، وعلى خدمة قرائنا وإعلامهم صدقا وموضوعية مستمرون مخلصون ولو كره المتسلطون المتنفذون حيثما كانوا وأينما يكونون..”.

 وأوضح علي فضيل الغياب في فقرة مؤثرة قائلا: “إن هذا الغياب – وبالأحرى التغييب – الذي دفعنا ثمنه غاليا حز في نفوسنا كما حز في نفوس القراء الكرام، ونحن نرى الساحة الإعلامية الوطنية كما أراد لها البعض تنطق بصوت واحد وتتكلم بلسان واحد، وتنحى منحى واحدا وتعكس في الغالب اتجاها واحدا وكأني بها لها رئيس تحرير واحد يقبع في مكان ما بأحد مراكز اتخاذ القرار يحركها بمهماز كلما عنّ له فتح ملف عن هذا أو ذاك أو إبعاد النظر في هذه القضية أو تلك“.

ولم يتوان حينها في انتقاد الصحافة التي تحترف فنون الشتم والاستهانة بقيم الشعب والوطن قائلا: “إن غالبية هذه الصحافة تفتح عقيرتها كل صباح لتشتم هذا أو ذاك بل وتشتم قيم الشعب وأصالته وتبصق على مقومات المجتمع ورموزه الحضارية وتكتم أصوات وطنية وتفتح صفحاتها لنعيق الغربان واليوم وعواء الذئاب وفحيح الأفاعي”. كما تأسف لحال الصحافة الوطنية المستقلة بقوله: “إن الصحافة الوطنية المستقلة المتزنة فهي مغيبة ومقموعة تمارس عليها الضغوط ويشهر عليها السوط، وكيف ننسى المعلقات العشر التي نسجت على قرارات توقيفها خيوط العنكبوت ولم يرتفع صوت واحد يطالب الإفراج عنها ورغم أن البرلمان المنتخب ذو أغلبية مما يسمى بالوطنيين على مختلف مشاربهم”.

يريدوننا أن نحني رؤوسنا

وفضل علي فضيل في تلك الافتتاحية وضع النقاط على الحروف وتسمية الأسماء بمسمياتها قائلا: “حال الشروق العربي عزيزي القارئ تتعدى فضيحة مونيكا غيبت، فنحن في حوزتنا أكثر من عشرة أحكام قضائية نهائية صدرت كلها لصالح الشروق تأمر مطابع الدولة بمواصلة طبع الجريدة فورا تحت غرامات تهديدية بالغة لكن هذه المطابع تلقت أوامر صارمة بعدم تطبيق الأحكام القضائية بقدرة قادر وإمرة آمر وتخفي متآمر”.

وأضاف قائلا: “.. رغم مساعينا المتكررة على مختلف الأصعدة وشكاوينا لمختلف الجهات الوصية والمستوصية العصية والمستعصية إلا أنها كانت كمن يحرث في البحر وينحت في الصخر وهذا ما يفسر هذا الانقطاع الطويل لترك المحاكم تعمل دون ضجيج أو تهويل. وفي السياق ذاته قال علي فضيل في افتتاحية العودة “.. وحينما بات واضحا وأكيد أن لا مفر من الاعتماد على الله والنفس شمرنا سواعدنا وربطنا الأحزمة على بطوننا وأوصينا الأهل والأولاد بأن “اخشوشنوا” واعتمدوا على خشاش الأرض، فإن بعض أهل الحل والعقد يريدوننا أن نتمسح على الأحذية ونحني رؤوسنا لعل صكوك الغفران تمنح لنا وفتات الموائد ترمى لنا كما يفعل بعض المتعنترين الإعلاميين الذين يرتزقون ببعض العنتريات الدنكوشوتية، فيخيل للبعض أنهم وحيدو عصرهم وفريدو دهرهم.

في الشروق نصنع من اليأس أملا

من جانب آخر، حمل العدد 320 الصادر يوم 23 أكتوبر افتتاحية أخرى لاذعة بقلم الأستاذ علي فضيل لا تقل عن سابقتها، حيث قال فيها: “إن اليأس يلف الحياة في بلادنا ويشل النفوس عن الحركة، غير أننا في الشروق نصنع من اليأس أملا ومن الكآبة بسمة ومن الكراهية حبا ومن الحقد أخوة ولذلك ترانا عزيزي القارئ رغم كيد الأعداء وغيض الحساد والغيارى فإننا نتجشم بعذوبة المشاق الجمة والصعاب الضخمة لإنجاز عدد الشروق بإمكاناتنا المتواضعة ووسائلنا البسيطة عزاؤنا الوحيد هو رضى القارئ”، ليبلغ في العدد الموالي الذي صدر بأن العدد الأول بعد العودة قد نفد من الأكشاك، وقال في هذا الجانب: “أن نغيب أكثر من عام عن عيون القراء ولا نغيب عن ضمائرهم فذاك هو الرصيد الذي ينبغي أن يفتخر به كل من يعمل في حقل الإعلام”، وجدد دعوة القراء إلى المساهمة قائلا: “سددنا فاتورة باهظة التكاليف حتى نسمع صوتنا وصوتك فكن معنا محررا وكاتبا ومرشدا وناصحا ومقترحا واعذرنا فيما قد تلحظه من هنات وعثرات فجل من لا يخطئ.”

مؤامرة مماثلة ضد “الشروق اليومي”

ورغم تلك الهزات، فقد بقيت الشروق العربي صامدة وصريحة، مفضلة وضع النقاط على الحروف بنفس الجرأة والشجاعة، بدليل الافتتاحية التي كتبها حسان زهار في العدد 324 تحت عنوان “ضد قذائف الشراب والهبهاب”، وافتتاحية أخرى في العدد الموالي الصادر يوم 28 نوفمبر بعنوان “كان بالإمكان..”، منتقدة سياسة اللف والدوران التي تسببت في تضييع الكثير من المكاسب وخلفت الكثير من المآسي التي سدد الشعب والوطن فاتورتها غاليا، وهو نفس المبدأ الذي سارت عليه “الشروق اليومي”  التي قوبلت بالقمع والتجفيف طبعا وإشهارا لمدة عامين كاملين، لكن بقيت الشروق صامدة، كيف ولا والأستاذ علي فضيل كان يقول دائما “إن شمس الشروق لا تغيب”، فما أشبه محن الأمس بمؤامرات اليوم، وهي التي تستهدف الصوت الحر الذي جعلته الشروق في خدمة واقع ومستقبل الشعب والوطن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!