-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل سيصبح العلماء كبش فداء؟!

هل سيصبح العلماء كبش فداء؟!
ح.م

قبل يومين، ظهر تحت هذا العنوان المثير مقالٌ للأستاذة ماري لومبير-شان (Marie Lambert-Chan)، رئيسة تحرير مجلة علمية كندية (هي Québec Science). وقد حلّلت فيه الكاتبة الوضع الراهن بخصوص نظرة المواطن في العالم إلى العلم والعلماء بعد تفشي داء كورونا، واعتبرت أن الأمر يتعلق بوضع خطير، الجميع فيه خاسر. دعنا نتعرف هنا عما جاء في هذا المقال.

تصوّرُ المواطن انقلب رأسًا على عقب!

تشير الكاتبة إلى أننا رفعنا علماءنا، قبل بضعة أشهر، إلى مرتبة “الأبطال” عبر العالم -في ألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا…- عندما بدأوا يخوضون في أسباب وعلاجات هذه الجائحة. ثم تحوّل الفيروس الجديد إلى وحش معقّد، استحال تقديم إجابات نهائية للجمهور حوله. لكن عديد العلماء ادَّعى احتكار نتائج الأبحاث، وبعضهم قام بتشويهها وتأويلها وفق الأهواء والقناعات غير العلمية. بل أصبحت الإجراءات الصحيّة محلّ نزاعات، مما غذى الجدل العقيم ونظريات المؤامرة.

وهكذا صار الأبطال “أصفارًا” لأنهم يجسدون كل العقبات والإخفاقات التي عرفتها الأزمة. ومع ذلك كانت بعض الانتقادات معقولة ومبررة. بينما كان البعض الآخر ينشر بذاءات غضبهم على شبكات

التواصل الاجتماعي، وبلغ الأمر بهم إلى إصدار تهديدات بالقتل وُجِّهت للمختصين في علم الفيروسات. والأدهى من ذلك أن فئة من المنتخَبين في عدد من البلدان حذوْا حذوَ الناقمين فزادوا الطين بلة.

فهذه تيريز كوفي (Coffey)، وزيرة الدولة للعمل والمعاشات في حكومة بريطانيا تصرح بخصوص جائحة كورونا، عندما تعرضت لانتقادات كثيرة بسبب إدارتها للجائحة: “إذا كان العلم خاطئًا، فليس من المدهش أن تكون التوصيات التي قدّمناها خاطئة أيضًا”. وما كان على صاحب جائزة نوبل البيوكيميائي فينكاترامان راماكريشنان (Ramakrishnan) إلا أنّ طلب من الحكومة التبرُّؤ من مثل هذه التصريحات لتيريز كوفي، موضحا أن “هذا لا يعني أن العلماء سيتمكنون من

الوصول إلى نتائج صحيحة في كل مرة، فهذا لا يخطر ببالهم أبدا. وإذا ما أخطأوا في بعض الأمور فإنّ جمال العلم يتمثل في كون ظهور أدلة جديدة يفرض إعادة النظر في فهمنا لتلك الأمور. وفي نهاية المطاف، نرى أن السبيل الوحيد للتخلص من هذه الجائحة سيتحقق عبر العلم”.

ترى الكاتبة أن هذا التغيير في لهجة الخطاب عبر العالم إزاء العلم والعلماء يبعث على القلق لأن اللهجة توحي بأننا نبحث عن متهمين. وقد انطلقت أولى الاتهامات باستهداف المجتمع الآسيوي. ومع ذلك نلاحظ، منذ جانفي 2020، أن غالبية العلماء لم يحيدوا عن أهدافهم، وهي: فهمُ الفيروس، وإيجاد العلاجات، وتطوير لقاحات، والحدّ من الوفيات. لكن تصوّر المواطن لمهمة هؤلاء انقلب رأسًا على عقب.

ومن الأبحاث التي أجريت في باب الثقة في العلم والعلماء، ما قام به خبراء بريطانيون قبل شهرين إذ قيّموا التأثير طويل المدى للوباء على درجة هذه الثقة. وفي هذا السياق، قارنوا المعلومات حول جميع الأوبئة العالمية منذ عام 1970. كما درسوا نتائج تحقيق أجراه عام 2018 أحد المراصد العالمية -شمل أكثر من 70 ألف شخص- سبَر آراءَ هؤلاء الأفراد عبر العالم حول المصداقية التي يولونها لأعمال الخبراء. وقد ركز التحقيق على المواطنين الذين عايشوا فترات الأوبئة عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 18 و25 سنة (وهي فترة محورية لدى الإنسان تتجسّد فيها المعتقدات والقيم التي تميّز الفرد). لقد أظهر بحث الخبراء البريطانيين نقطة إيجابية مفادها أنّ التعرض للأزمات الصحية لم يؤثر على الاعتقاد بأن العلم هو مشروعٌ جماعي ضروري

للحياة. لكن البحث أبرز في الجانب الآخر، نقطة سلبية بالغة الخطورة: لقد خفَّض الوضع، بشكل كبير، مستوى ثقة المواطن في العلماء كأفراد، من حيث الصدقية والإيثار. والأكثر من ذلك أن هذه الانطباعات قد ظلت سارية مع الزمن.

العلم الجيّد لا يضمن السياسة الجيّدة

ومن ثم تستخلص الكاتبة أن المشكلة ليست في العلوم بقدر ما هي في الأفراد الذين يمثلونه. فلا أحد يعارض مثلا البحث عن الأدوية ضد كورونا، لكن الكثير يشككون في مصداقية الباحثين. وعندما يكون ذلك هو الوضع السائد في الأذهان فكيف يمكن للخبير التحدث أمام الملأ عن عمله أو تقديم توصيات بشأن موضوعات الساعة دون خوف من أن يصبح كبش فداء إن أثبت المستقبل أنه كان

مخطئا؟ وعلى سبيل المثال، تتساءل صاحبة المقال: كيف يواصل الخبير الألماني كريستيان دروستن (Drosten) -أحد مكتشفي دِنَا فيروس سارس عام 2003- إسداء المشورة للحكومة الألمانية ومواصلة تقديم مداخلاته اليومية والشكوك لدى المواطن تحيط بمضامين أقواله؟

وحتى يتجنب الباحثون المصادرة الذاتية لأعمالهم من جرَّاء هذا الوضع، يجب على المؤسسات العلمية (الجامعات، مراكز البحوث، الهيئات المموِّلة…) إتاحة الفرصة لهؤلاء الخبراء للتدرُّب على سبل التواصل ومخاطبة الجمهور بشكل أفضل خلال الأزمات. أما السياسيون فهم مطالَبون بتحمل مسؤولية قراراتهم والتوقف عن استخدام رجال العلم كدرع واق من غضب المواطن عندما يصرحون بأن تلك القرارات مطابقة لما يمليه عليهم العلم وأصحابه.

ذلك أن قراراتهم تظل في مطلق الأحوال قرارات سياسية، حتى لو كانت مستوحاة من المشورة العلمية… علما أن الآراء العلمية متعددة ومتضاربة أحيانا.

وقد قرأنا عام 2005 في مجلة مختصة في علم الأوبئة نصًا جاء فيه: “العلم الجيّد لا يضمن دائمًا سياسة جيّدة. كما أن العلم السيّئ، أو غياب العلم، لا يؤدي بالضرورة إلى سياسة سيئة. علينا أن ندرك بأن العلم ضروري للمساعدة على بناء القرارات السياسية، وضروري أيضا لتقييمها”.

وتنهي ماري لومبير-شان مقالها بالتأكيد على أن السماء لا تُمطر علمًا… ذلك أن العلم يمثل في آخر المطاف، مجموع أعمال متواصلة ومتسلسلة لكافة العلماء الساعين إلى خدمة الصالح العام. ولذا من

واجبنا الاحتفاء بإنجازاتهم بدل مضايقتهم والتشويش عليهم!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • سفيان

    وسائل الإعلام كانت تثير الهلع و تأمر المواطنين المرضى بعدم الذهاب إلى المصحات و المستشفيات و المكوث في بيوتهم و عدم الاتصال بمصالح الإسعاف حتى يشعروا بضيق في التنفس!! قبل يومين صرحت مجموعة من الأطباء الأمريكيين بأن الرعب من هذا الوباء من صنع الإعلام لأنه يُعالج ببساطة و بواسطة عقاقير زهيدة الثمن لكن هذا التصريح تعرض للحذف من مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة لأنه رغم كل ما حدث لا زال أمثال بيل جيتس يصٌرون على تلقيح كل البشرية لغرض في نفس شياطين الإنس!!

  • سفيان

    و أخفوا أن أدوية معروفة تباع في الصدليات منذ منتصف القرن الماضي تعالجه. كل هذا من أجل فتح المجال لمخابر الدواء و لمجرمين مثل بيل جيتس ليجمعوا الملايير بتسويق لقاحهم المشبوه و الذي تدور حوله شكوك مرعبة٠ وسائل الإعلام في الدول التي تدّعي الديموقراطية في عز المأساة المصطنعة تحاشت إعطاء الكلمة للأطباء و ذوي الإختصاص ليقدموا شروحات و ليطمئنوا الرأي العام أما الأطباء الذين تحدوا السلطة و تجرأوا على قول الحقيقة و عالجوا المرضى بالهيدروكسيكلوروكين و الزنك و المضادات الحيوية فقد كانوا ضحايا لمضيقات و شتم و تشويه و تعرّضوا للتهديد

  • حكيم-كريم

    هدا ليس بالشيئ اتلجديد مند القدم وهم ضحايا