-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يكفي استرجاع الجماجم من فرنسا؟

هل يكفي استرجاع الجماجم من فرنسا؟
ح.م

عودة رفات شهدائنا الميامين في الذكرى الثامنة والخمسين للاستقلال، بعد احتجاز قسري لما يربو عن 170 عام بمتحف الإنسان في باريس، تشكل حدثا تاريخيّا ولحظة رمزية فارقة، يحق للجزائر الاحتفاء بها رسميّا وشعبيا، بكل مظاهر النصر والاعتزاز بالأمجاد، بعيدا عن وساوس الاستغلال السياسي، كما يحاول ترويجها المُرجفون في البلاد، لإفساد كل فرحة وطنية بالتشويش والانتقاص من أهمية المكتسبات المادية والمعنوية.

إنّ تلك الجماجم التي حصدتها فرنسا المُجرمة، بجزّ رؤوس المقاومين الأبطال، سعيًا منها لترهيب الجزائريين حتى يعدلوا عن محاربتها، هي اليوم وسام شرف وفخر للشعب الجزائري الأبيّ، توثّق لبسالته التاريخية في الدفاع عن أرضه وعرضه، مثلما تبقى شاهدة على وحشية الاستعمار الفرنسي وانعدام الإنسانية لديه، عكس ما كان يزعم بشأن التمدن والحضارة.

كما أنّ الموقف الرهيب الذي عاشته الجزائر، وهي تستقبل رموزها الأشاوس، يُعيد إلى الذاكرة الجمعيّة حجم التضحيات والبذل والإيثار لدى جيل المقاومة والتحرر لأجل الوطن، وهو ما يزيد اليوم من عبء المسؤولية الأخلاقية في الحفاظ على مُنجز الاستقلال والبناء عليه، لتعزيز السيادة الوطنية بكل تجلياتها.

لقد أدى ذلك الجيل المبارك، على مرّ الحقب، دوره التاريخي بكل شجاعة وتفانٍ، ومن الخيانة التنكّر لأفضاله أو إثقاله بإخفاقات اللاحقين من الخلف، ناهيك عن التقصير في صيانة الأمانة التي بذلوا في سبيلها دماءهم الزكيّة وأرواحهم الطاهرة.

وبهذا الصدد، من الإنصاف الإقرار أن الرئيس عبد المجيد تبون يبدو حريصًا على تفعيل ملف الذاكرة، وهو ما تجسّد عبر عدة قرارات اتخذها مؤخرا، منها إطلاق القناة التلفزيونية المتخصصة، وترسيم يوم وطني لتخليدها، وتعيين مستشار بالرئاسة مكلفا بها، بل تشير التسريبات إلى أن مشروع قانون تجريم الاستعمار جارٍ العمل عليه بالبرلمان.

غير أنّ الاحتفاء بالحدث الجلل على أهميته، لا يعفينا أبدا من النظر في الزاوية الأخرى تجاه الواقع والمستقبل، لنسأل أنفسنا بكل صراحة: هل يكفي استرجاع الجماجم من فرنسا؟ وهل يمكن أن نتخلص من آثار العهد الفرنسي بمجرّد التغني بمجد تليدٍ؟

لقد سجّل المؤرّخ الفرنسي بنيامين سطورا في آخر حوار له مع وكالة الأنباء الفرنسية تنامِي “حركة عالمية لاستعادة تاريخ الشعوب، ولا يمكن أن تبقى فرنسا في منأى منها”، ما يعني أنّ تسوية قضية الذاكرة والاعتراف بجرائم الاحتلال وحتى الاعتذار عن تلك الفترة آتية لا مفرّ منها، وأنّ التحدّي الأكبر هو التخلّص داخليّا من الآثار السلبيّة للاستعمار على الصعيد الثقافي واللغوي والاقتصادي، حتى نبْني دولة ذات سيادة تواجه فرنسا وغيرها من قوى العالم الندّ للندّ بكل عنفوان.

معركتنا مع فرنسا لا تزال مفتوحة على جبهات كثيرة، وأولها الضغط عليها لطرد زعيم الانفصاليين، فرحات مهنّي، وما يرتبط به من منظمات، حيث ترعاه باريس ويقدّمه إعلامها بصفته رئيسًا لـ”الحكومة القبائلية المؤقتة”، وأحرار المنطقة منه براء.

إنّ استكمال المسعى الوطني الصادق في التخلص من التركة السابقة، يقتضي وقف الامتيازات والاحتكارات غير المبررة للشركات الفرنسية، في كثير من القطاعات الاقتصاديّة الحساسة، بل وإبعاد المسؤولين السامين المعروفين بولائهم لها، في مختلف الإدارات والمستويات، مقابل ترقية الشراكة المنفتحة والمتوازنة مع كافة القوى الدولية.

مثلما يستوجب الأمر تفعيل مسار التعريب المعطل عمليّا، لإنهاء اللوثة والوصاية اللغوية الفرنسية في الإدارات الجزائرية العليا، موازاة مع التحضير الجادّ للانتقال اللغوي

نحو الإنجليزية، كلغة أجنبية أولى في مختلف أطوار التعليم، لتحرير الأجيال القادمة من عقدة لغة آيلة للزوال.

ويبقى رهان الوصول إلى اقتصاد إنتاجي عصري، متحرّر من قبضة الريع البترولي، هو جسر الأمان للعبور نحو المستقبل في بلوغ علاقات ثنائية متكافئة مع فرنسا، إذ “جميل أنْ تحمل الأوراق النقدية الجديدة رموزنا التاريخية، وهذه رمزية لها دلالتها وفعلها النفسي بلا شك، لكن سيكون أجمل أن نعطي لها قيمتها الاقتصادية، لأن هذا هو ما يحوّل الرمزية إلى أثر فعلي، يلمسه المواطن في قدرته الشرائية”، مثلما كتب الزميل حاتم غندير.

إن كل ما أوردناه أعلاه من متطلبات لاستكمال الاستقلال الوطني على مستعمِر الأمس، يظلّ مرهونا بإنجاز الإصلاح السياسي العميق الذي ينقل بلادنا إلى مصاف دولة الحق والقانون والشرعية والعدالة، بما يضمن تماسك جبهتها الداخلية وتعبئة طاقاتها، وتفعيل قدراتها ضمن رؤية الجزائر الجديدة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • حماده

    الاحتفاظ برؤوس بشرية في حد ذاته جريمة نكراء واعتراف ببشاعة وحقد المستعمر وكل العالم الذي يدّعي حقوق الانسان يتفرج !!!

  • احمد

    يا أبو عمار لقد صدقت و انت اكيد تعرف ان حسب البذرة تخرج الثمرة
    و الحديث قياس

  • ابو عمر

    لا يكفي سيدي
    بل يجب إخراج فرنسا من جماجم السفهاء مثل solo والانطلاق إلى العمل الجاد والصبر على النتائج .

  • جزائري

    صدقت الآخ عبدالحميد، ما زال الكثير لم يتحقق ليكتمل استقلالنا،وحتى ننهي الوصاية اللغوية علينا نطالب اللجنة المشرفة على تعديل الدستور بأن تدرج بندا فيه يجرّم حديث المسؤولين الجزائريين الى المواطنين الجزائريين بلغة الاستعمار. كفانا استفزازا.

  • Ezzine

    الا يجب غرس عمليا في اذهان طلابنا وجميع شبابنا نضال هؤلاء الأبطال عبر التاريخ…. وفق برامج تعليمية مستدامة جزائرية محضة…. لكي تحصنهم ضد اطماع المتربصين بالجزائر وخيراتها حتى يحافظوا ويدافعوا على وديعة شهداء الجزائر الأبرار الذين ضحو بالغالي والنفيس من أجل ان تعيش الجزائر حرة مستقلة ذات سيادة. من هذا الباب سوف تضطر " فرنسا الاستعمار" على الاعتذار.

  • franchise

    - فرنسا فهمت جيّدًا أنّها إستطاعت قتل زعماء المقاومة لأنّها وجدتهم متفرّقون، َفسَهل على دولة وطنية ذات هويّة و قيادة واحدة أن تهزم القبيلة، و منذ ذلك الزّمن إلى يومنا هذا و فرنسا تسهر على تخليد و ديمومة التّفرقة بين الجزائريين، و الوسيلة في ذلك هي اللّغة و الثقافة الفرنسية المغرية لبعض السّفهاء.
    - الدّرس الذي أعطاه لنا زعماء المقاومة ، هو أنه لا نستطيع مواجهة فرنسا أوغيرها بصفة فرديّة و قبليّة، بل بكيان واحد، كلمة واحدة و يد واحدة، و هذا يمرّ حتمًا عبر تعزيز ثلاثيّة الهويّة الوطنيّة بدون منازع أو حرف فرنسي لاتيني

  • SoloDZ

    معنويا نحمد الله عز وجل على هذا النصر التاريخي اما عمليا فهناك عمل جبار ينتظر الطرف الجزائري ويتطلب هذا العمل نفس الصرامة والثبات وما عاشته الجزائر هذه الايام بهذا الحدث الاستثنائي كان موقف مهيب من الهيبة وليس رهيب من الرهبة