-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل يلام “ديلام” على ما فعل؟!!

التهامي مجوري
  • 3665
  • 15
هل يلام “ديلام” على ما فعل؟!!
ح.م

شرعت في الكتابة عن فرنكوش الجزائر، بسبب الحملة التي شنها القوم على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لمجرد أن فتوى صدرت عن أحد المنتسبين إليها، يقول فيها: إن يناير عادة جاهلية لا يجوز الاحتفال بها، وبدلا من إحياء السنة المازيغية كان الأولى أن نحيي السنة الهجرية.
ورغم أنني لست مع الفتوى بهذا التعميم، فإن الفتوى لا تزيد عن رأي فقهي لرجل من أهل الإختصاص، حيث كان مديرا للشؤون الدينية لمدة طويلة، وشخص يملك حريته كمواطن جزائري في الكلام، وكعالم يتحمل مسؤوليته فيما يقول ويفعل، ولكن القوم لم يكن يعنيهم صاحب الفتوى، بقدر ما تهمهم الحملة على جمعية العلماء، لينعتوها بكل ما يحلو لهم من نعوت، لا تليق بكل من في قلبه ذرة من حب للجزائر والجزائريين وإرادة الخير لهم..
ولكن لما اطلعت على كاريكاتير “ديلام”، أرجأت الكلام عن تفاصيل ما قاله الفرنكوش، ورأيت أن الكلام عن الأصل، أولى من الكلام عن الفرع؛ لأن ما قاله ديلام صراحة هو الكل والجذر والأصل لكل ما قاله الفرنكوش بطرق تفصيلية وملتوية.
إن في الجزائر -إذا أردنا أن نسمي الأمور بأسمائها- شرذمة من “العنصريين البربر، والفرنكوفيليين، ومتطرفين شوعيين”، لكل فئة من هذه الفئات الثلاث، صورة للجزائر التي يحلم بها، ولكنهم يجمعون الحقد على كل ما هو عربي وإسلامي في هذه البلاد، إذ لا يجدون فرصة للطعن في العرب والمسلمين إلا وفعلوا الأفاعيل بلا تردد، وبعنصرية لم يبق لها وجود في العالم اليوم، حتى عند السود في أدغال إفريقيا من الذين يشعرون أن الأبيض شيطان..
هذه الشرذمة ليست من النوع الذي له قناعات يريد أن يدافع عنها، أو أفكار يريد لها أن تعم البشر لينتفعوا بها، سواء كقوميين يعتقدون أن الفكر القومي له مزية، أو كوكلاء للفرانكوفونية من الذين تبنوا النضال من أجل الفرنسية، أو كمناضلين من اليساريين الذين يعتقدون أن توجهاتهم السياسية والإقتصادية فيها خدمة للإنسان. فلو كانوا من هذا التوجه أو ذاك، لهان الأمر واحترمت آراؤهم كتوجه نضالي بقطع النظر عن الصواب والخطأ.
وإنما هم من طينة أخرى همها تصيد الفرص، للطعن في العربية والعرب، وفي الإسلام والمسلمين. فإذا جاء رمضان مثلا شحذوا سيوفهم دفاعا عن “وكّالي” رمضان، حفاظا على الحريات الشخصية بزعمهم..، وإذا جاء عيد الأضحى، لمزوا الإسلام والمسلمين بالإرهاب، ونعتوهم بحبهم للذبح والقتل..، وبحبهم للأوساخ المترتبة عن ذبائح العيد..، وإذا صدرت فتوى أو رأي فقهي من شيخ محترم في مسألة ما لا تعجبهم –صوابا أو خطأ-، اندلعت حربهم على كل ما لا يعجبهم، وليس على صاحب الفتوى فحسب، وإنما على كل من ينتمي إلى فصيلته العربية الإسلامية…، وليس الفتاوى الدينية فحسب، وإنما في المواقف المبدئية الوطنية الاستقلالية الرشيدة أيضا، من الأمور التي لا تعجبهم.. فعندما قررت وزارة الدفاع الوطني كتابة لوحاتها بالعربية والأنجليزية وحذفت الفرنسية ثارت ثائرتهم.. وأشعلوها نارا على هذا الذي سولت له نفسه باستبعاد الفرنسية وإهانتها بهذا الشكل !!.
هذه الشرذمة التي نطق اليوم ديلام باسمها، لتقول لنا إن العرب سيُنْفَون تلقائيا من الجزائر… وإن قرار رحيلهم تأخر 14 قرنا!! هي نفس الشرذمة التي قارنت في يوم من الأيام بين “العربي بلخير” و”لقبايلي بالشر”!! يا له من سفه وسفالة. وهي ذاتها التي أدخلت البلاد في بحر من الدماء والدموع ابتداء من 1992، بالتحريش بين أبناء الجزائر، وتحريض القوى العمومية على كل من فيه رائحة التدين، وهي نفسها التي دعت “سرا” قوى الدفاع الذاتي الموجودة في المناطق الداخلية، ومنها على وجه الخصوص منطقة زواوة، إلى الإحتفاظ بالسلاح وعدم رده إلى الدولة… كان ذلك في سنة 1997، ربما تحضيرا لفتنة ثانية..
إن هذا التوجه أو بعضه هو الذي سمي في تاريخ الحركة الوطنية بـ”الأزمة البربرية” في حزب الشعب وحركة الانتصار، لما تحمل في طواياها من سوء نبية وخبث سريرة وفساد طوية.. وإذا كان أبناء الحركة الوطنية قد نجحوا في تلك المرحلة المبكرة في إخماد نار الفتنة التي أرادوا إشعالها، وتراجع المغرر بهم ممن كانوا منشطيها، لشعورهم بخطر هذه الشرذمة على البلاد، فإنهم بكل أسف لا أظنهم اليوم يشعرون بنفس الشعور، أو على الأقل لا يشعرون بالمستوى الذي يوقف هذه الشرذمة عند حدها.. مثلما وأدوا مشروع “الـبي بي كا” حزب الشعب القابئلي في أربعينيات القرن الماضي، المشروع الذي كان يهدد الحركة الوطنية بالانقسام والتمزق.
من طبعي لا أريد إثارة مثل هذه المسائل في معالجة قضايانا الخلافية، دينية وثقافية وسياسية، ولكن ما حيلتي وبلادي مهددة بالانقسام، وأهلها مهددون بالتناحر كما تناحروا في العشرية الحمراء.. 1988/1999. وإذا لم يستدرك الأمر فإن البلاد مهددة بما هو أسوأ لا لا قدر الله؛ لأن وسائل الفتك والتمزيق اليوم أيسر بكثير مما كانت عليه قبل عقدين من الزمان، والذين يُطمْئنون أنفسهم ويشعرون غيرهم بعدم عودة أحداث التسعينيات واهمون..؛ لأن مواليد التسعينيات راشدون وأعمارهم اليوم ما بين 18/28 سنة، أي لا يعرفون عن تلك الأحداث شيئا، واستدراجهم لفتنة أخرى سهل ويسير؛ بل يوجد في نفوسهم قدرا من اليأس ما يستدرجهم لذلك لأسباب أخرى ليس هنا مجال الحديث عنها.
أنا لا ألوم ديلام كفنان عبر عن قناعاته بتطرف؛ لأن للفنانين شطحات معروفة خارج المألوف والمعروف، حتى أن العرب تقول عن الشعر “أعذب الشعر أكذبه” لما عرف عن الشعراء من مبالغات في الصور الفنية والألفاظ، وإنما ألوم النخبة الوطنية التي تركت لهذه الشرذبة المجال للّعب بالبلاد والعباد.
إن ديلام لم يعبَّر بكاريكاتوره عن مكنوناته هو بالأساس، وإنما عبر عن مكنونات أولئك بموضوع الساعة “يناير”، وما يحيط به من قيم مازيغية، التي أقرتها السلطة كتراث وثقافة من صميم مكونات الشخصية الوطنية الجزائرية، فكانت له فرصة الدعوة إلى تهجير العرب من الجزائر بعدما استعاد البربر حقوقهم الضائعة.. بترسيم المازيغية وعيد ينَّاير!!
إن من يفكر في تهجير العرب من الجزائر لن يكون إلا عنصريا، ولا علاقة له بالقيم الإنسانية والوطنية والعرفية الجزائرية؛ بل لا يكون إلا عامل تمزيق للبلاد، وخائن للوطن والوطنية. وكل ذلك لا يمكن فصله عن الأكاديمية البربربة الفرنسية، وعن حركة الماك الانفصالية ذات العلاقة بالإدارة الفرنسية والصهيونية العالمية.
واللوم على النخبة؛ لأنها لم تتعامل مع هذه الشرذمة بما تستحق من القوة العاقلة..، بل تساهلت معها بعدم تسجيل الموقف في الوقت المناسب..، أحيانا خوفا على المنطقة زواوة من تأثيرهم السلبي عليها.. وأحيانا بأنهم ضعاف لا يؤثرون على الشعب.. وأحيانا بأن خيانتهم هي التي ستكشفهم.. وفي كل ذلك خطأ لا ينبغي الوقوف عنده.
إن الأمر يحتاج إلى شجاعة كما فعل رجال الحركة الوطنية، عندما ظهرت الأزمة البربرية في الحركة الوطنية، فإنهم وأدوها في مهدها.. وحتى لا تتحول المشكلة إلى صراع عربي/ مازيغي، أمر حكماء الحركة الوطنية بأن تصفى العملية في إطار مازيغي صرف، أي أن أبناء الحركة الوطنية من منطقة زواوة، هم الذين تولوا وأدها في مهدها.. ولم يتدخل أحد من العرب، ثم أطلت علينا بقرونها بعد الاستقلال بعباءات متنوعة، في عباءة إحياء التراث المازيغي حينا، والدفاع عن التوجه الاشتراكي حينا آخر، والعمل على الإبقاء على اللغة الفرنسية باعتبارها لغة علم وتطور ونهضة… أما حقيقة الأمر الجامع بين أطراف هذه الشرذمة هو النيل من كل ما يصل الجزائر بالشرق.. حتى انهم قالوا إن امتدادنا متوسطي وليس مشرقيا.
آسف لذكر هذه التفاصيل، التي لا أريد لها أن تدخل أدبياتي، ولكن الضرورة هي التي ألجأتني للدخول فيها..
فعلى أهل المنطقة تحديدا وغيرهم من أبناء الجزائر عموما، أن يشعروا بالخطورة التي تهدد الجزائر، كما شعر بها عمار أورقان رحمه الله –وهو أمين عام للحزب الشيوعي في مرحلة من تاريخ الجزائر- أن المساس بالعربية والإسلام في الجزائر، تآمر على الوطن الجزائري. لقد كان عمار اوزقان -رغم خلفيته الأيديولوجية- من كتاب جريدة “الشاب المسلم” الناطقة بالفرنسية التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مطلع خمسينيات القرن الماضي… ولم ير في قناعته الفكرية مانعا له من الدفاع عن الإسلام والعربية، كمقومين أساسيين في الحراك الوطني، مثلما هو الحال اليوم عند الجزائري مهما كانت خلفيته، لا يشعر بأي مانع له من الاعتزاز بالانتماء للتراث المازيغي المتناغم مع قيم الإنسان عموما، وقيم الدين الإسلامي وأخلاقه خصوصا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
15
  • عبد الرحمان إليزي

    لماذا لا نجتمع على كلمة سواء فنقول أن الجزائر لغتها العربية والأمازيغية باختلاف لهجاتها ونضع اليد في اليد لطرد الفرنسية من مؤسساتنا وتصير الوثائق تصدر باللغتين الوطنيتين جنبا إلى جنب ، لأن ما نقرؤه من تصريحات ومن أقلام ومن بعض الإخوة المعلقين يوحي أن العربية مهيمنة وأ ن صراعا بينها وبين الأمازيغية بينما الحقيقة الصراع مع الفرنسية ، وليس معنى هذا أننا لا ندرس الفرنسية تدرس ولكن كلغة أجنبية بعد الإنجليزية

  • benchikh

    je vais vous répondre une sorte de caricature écrite " Monsieur Macron vous saluent et vous dites bravo Dilem vous êtes un "bon garçon, vous avez bien révisé vos leçons " vive la France Algérienne

  • الدكتور ياسين .قسنطينة

    مقـــال،......قمة القمم .

  • الجزائري الحقيقي أول نوفمبر 1954

    هذا اضعف الايمان. مقال متوازن و متعقل

  • أستاذ متقاعد

    سي توهامي يرد على من إتهمهم بالعنصرية " بعنصرية مضاعفة " حيث أفرغ كل حقده وسمومه وكراهيته ... على جزائريين هم فقط من مورست ضدهم العنصرية طيلة قرون أو على الأقل منذ 1962

  • arrêtez

    وددت لو كان تدخل الكاتب جزائريا محضا و لا ربط و لا صلة له بالمشرق و وددت لو تجرد من العنصربة العرقية القومية التي ميزته تلميحا و تصريحا. مع ان الكاتب أظهر نفسه مناوئا للعنصرية عموما و لكن كما يقال : رمتني بدائها و انسلت...

  • sofiene

    شكرا لك على شجاعتك و ذهابك مباشرة الى الهدف و ان سميت الاسماء بمسمياتها ..... أعجب العجب ان الشرذمة تحاول فرض رأيها و منطقها على الجميع ؟؟؟؟؟

  • mourad

    La solution est d'éradiquer la lnague française de l'état algérienne et le problème sera résolu à jamais

  • دفاعا عن "ديلام"

    Je me sens l'obligation de rapporter ce petit éclaircissement,
    La caricature fait allusion à l'arrivée de terroristes syriens de l'ASL en algérie financés par le président turc " Erdogan" et qui ont pour mission de déstabiliser l'Algerie ,Celui ci après avoir réussi à mater la rébellion kurde en Syrie et en Irak tente de réussir le même coup contre les Amazighs en Afrique du nord,Ainsi des bateaux d'armes sont acheminés vers la Lybie pour équiper ces terroristes qui ont pour but de créer le chaos en Algérie et ressusciter l'Empire Ottaman.

  • Yacin ben Mohamed

    Barak allahou fik.

  • صالح بوقدير

    إن الفكرة في حد ذاتها موجودةوله أنصارها ومريدوها ومهما كثر عددهم فهم أقلية قليلة لاتشكل خطرا على المجموعة الوطنيةبل ولاحتى على البئة التي نشأت فيها وإنما الخطر قد يكون من الترويج لها عبر التخويف منها وإعطائها حجما غير جحمها لأن العرب لم يعودوا عربا ولا الامازبغ أمازيغ فالعناصر امتزجت وصارت واحدا ومن يحاول فصلها فهو واهم فلا لوم على ديلام ولكن اللوم على من يروج له.

  • Aurassy54

    مهما كانت عنصرية هؤلاء الذين تتكلم عنهم ففي النهاية ليست الا رد فعل لما فعلته حكوماتكم الفرنكوعروبية على مدار 60 سنة من ابادة للبعد الامازيغي و الوطني الخاص بالاستناد على شرذمة من ملحدي البعث الاعرابي و خرفان الوهابية
    الجزائر يجب ان تعود لاصالتها ولعمقها التاريخي المرتبط بالارض
    الصراع من اجل الهوية هو ترسيخ لسنة الله في الوجود و في تاصيل التعددية والاختلاف

  • جزائري - الجزائر

    كل ماذكرته عبارة عن ردود فعل متشنجة إلى حد التطرق لمواقف خاطئة للسلطة الجزائرية تجاه مسألة الهوية. تم تأجيل الأزمة البربرية ولم يتم حلها نهائياً ....كل ما وقع هو تجاهلها بل إنكارها بداية من 62....ما نشاهده اليوم هو "بزنسة" بالهوية الأمازيغية وستكون له عواقب وخيمة إذا أستمرينا في هذا "البريكولاج" من أجل الحفاظ على الكرسي ...على حساب الجزائر ....

  • الطيب

    الذي جمع أجدادنا عرب و أمازيغ منذ قرون هو هذا الدين وحده تمامًا مثلما جمع بين النبي العربي عليه الصلاة و السلام و بين بلال الحبشي و صهيب الرومي و سلمان الفارسي رضي الله عنهم ....و إذا أردنا العزة في غير هذا الدين أذلنا الله عربا و أمازيغ حتى و إن كان أصلنا من بيض ذهبي ليس كبقية البشر !

  • Mehdi

    Je ne suis pas kabyle mais de Skikda mais au plus profond de mon ae je me sens amazigh, il est une vrité que nul ne pourra effacer, celle qui est que les berbères sont les autochtones de cette terrer et les arabes des envahisseurs comme il y en a eu à travers l'Histoire de notre Algérie. Votre haine de la France n'a d'égal que votre hypocrisie en vivant là-bas.