-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
فيلسوف سنغالي يردّ على الفرنسي ريمي براغ

هل يمرّ الإسلام بأزمة هويّة ..وهل يبرّر القرآن العنف؟

الشروق أونلاين
  • 1006
  • 3
هل يمرّ الإسلام بأزمة هويّة ..وهل يبرّر القرآن العنف؟
ح.م

إذا كانت السلطات الدينيّة في جميع الديانات تتعرّض بانتظام للمهاجمة بسبب سلوكها المشين، كما تشهد عليه فضيحة الاعتداء الجنسيّ على الأطفال في الكنيسة الكاثوليكيّة، وتواطؤ البطريركيّة الأرثوذكسيّة في موسكو مع نظام فلاديمير بوتين، والتجاوزات القوميّة الهندوسيّة أو عنف الرهبان البوذيّين ضد الروهينغا في بورما، إلاّ أنّ الجوهر اللاهوتيّ لهذه الأديان، ورسالتها عن الحبّ والتسامح المعترف بها بالإجماع تقريبًا، لم ينلها أيّ تشكيك.

هذا باستثناء الإسلام، فمن ينتقدونه يعودون أحيانًا إلى مصدر الدين الإسلاميّ، أي القرآن والأحاديث التي تروي حياة النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم، بحثًا عن جذور عدم التسامح والعنف تجاه معتنقي الديانات الأخرى، أو ضدّ النساء. واليوم، يزعمون أنّ الإسلام لا يتوافق مع الحياة الديمقراطيّة أو العلمانيّة أو حقوق الإنسان، مثله مثل الدين المسيحيّ أو ديانة الشنتو. إنّ هذه الإدانة لجوهر الإسلام تُسيء إلى كثير من المسلمين، إذ يجدونها ظالمة وعنيفة. فما العمل؟ هل نأخذ هذا الموقف بجديّة، ونرفض التهرّب الذي يتحوّل إلى ارتياب وتجريح، ونذهب إلى عمق الأشياء ونسأل الأسئلة الغاضبة: هل يمرّ الإسلام بأزمة هويّة؟ هل يبرّر القرآن العنف؟ هل يُمارس الإسلام ضغطًا على أتباعه؟ هل هو معادٍ للأديان الأخرى؟ هل هو دين سياسيّ بالأساس؟ ما هي مكانة العقلانيّة فيه؟ هل هو قابل للذّوبان في الحداثة؟ هل الاختلاف بين الإسلام والإسلامويّة اختلاف نوعيّ أم كيفيّ فحسب؟ هل يمكن أن تتجلّى فيه حرّية الإنسان؟ هذه هي الأسئلة التي تُشكّل معالم كتاب “جدل….حوار حول الإسلام”، الصادر عن داريْ إبن النديم الجزائرية والروافد الثقافية ببيروت.

ومن أجل مقاربة هذه الأسئلة، طلب الناشران من اثنين من كبار المثقّفين الالتقاء ومواجهة الرأي بالرأي. الأوّل هو الفيلسوف السنغاليّ سليمان بشير ديان. وقد كان فيلسوفًا شغوفًا مذ كان طالبًا في المدرسة الثانويّة بالفكر الوجوديّ لجون بول سارتر،  ثم بفلسفة هنري برغسون،  درس في باريس، في الفصل التحضيريّ لمعهد لويس الأكبر، ثمّ في المدرسة العليا للمعلّمين في أواخر السبعينات ليكون أحد تلاميذ الماركسيّ لويس ألتوسير وفيلسوف التفكيكيّة جاك دريدا، وبعد إنهاء دراسته، درّس لما يُناهز العشرين عامًا كلاًّ من المنطق وفلسفة العلم، كما درّس أيضًا تاريخ الفلسفة في العالم الإسلاميّ، وكذلك المسائل الفلسفيّة في أفريقيا، وهي المجالات التي نشر فيها، باللّغات الفرنسيّة والانكليزيّة والفولانيّة. وبعد التدريس في جامعة نورث وسترن في شيكاغو، أصبح الآن أستاذًا في جامعة كولومبيا في نيويورك. ويمكن العثور على أهمّ آرائه في فلسفة الإسلام في كتابه الصادر عام 2013 بعنوان: كيف نتفلسف في الإسلام؟ وهو وريث فكر محمّد إقبال (1877-1938)، الذي تحاور مع برغسون، والذي كان يدعو إلى إسلام يُعاود التواصل مع مبدأ حركته لاختراع مستقبله وعدم تكرار ماضيه. وقد خصّص سليمان بشير ديان كتابين لمحمّد إقبال، وكذلك للشّاعر والمفكّر الكاثوليكيّ السنغاليّ ليوبولد سيدار سنغور.

أمّا الثاني، فهو هو الفيلسوف الفرنسي ريمي براغ (Rémi Brague). وقد مرّ أيضًا قبل سليمان ببضع سنوات بالمدرسة العليا للمعلّمين ليُحرز شهادة التبريز في الفلسفة، واختار طريق التراث الكلاسيكيّ وتاريخ الفكر. وقد كان براغ تلميذًا لبيير أوبنك (Pierre Aubenque) وأنجز تحت إشرافه أطروحة دكتوراه حول أفلاطون وأرسطو. ثمّ قام بتوسيع بحوثه لتشمل فلسفة العصور الوسطى، وهي الحقبة التي التقت فيها العوالم اللاتينيّة واليهوديّة والعربيّة واختلطت. عمل في المركز الوطني للبحث العلمي، ودرّس لسنوات عديدة في جامعة السوربون وجامعة لويس ومكسمليان في ميونيخ، وفي العديد من الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة، كما انتسب عضوًا في معهد فرنسا. وبعد عدّة أعمال في تاريخ الفلسفة القديمة، أصبح معروفًا لعامّة الناس في عام 1992 حين نشر كتابه أوروبّا، الطريق الرومانيّة. وتدريجيًّا، أصبح انتقاده للمشروع الحديث لما أسماه “مملكة الإنسان” أكثر وضوحًا. وأخيرًا، فهو فيلسوف على وجه الخصوص، جريء جدًّا في ما يتعلّق بالإسلام.

التقى هذان الرجلان اللذان لم يسبق أن عرف أحدهما الآخر طوال أربع جلسات من النقاش الطويل، كان خلالها ريمي براغ يحمل دائمًا في يده مصحف قرآن (بالعربيّة)، بينما كان سليمان بشير ديان يستظهر الآيات عن ظهر قلب. وقد أظهر كلاهما أدبًا جمًّا، قبل أن يتبيّن بعد أولى المناقشات أنّ هذا الحوار لن يكون موحّدًا بين الآراء. فبالنّسبة لريمي براغ، فإنّ الإسلام يختلف اختلافًا جذريًّا عن المسيحيّة واليهوديّة، وإذا كان الكتاب المقدّس لليهود والمسيحيّين قد كُتب بأيدي بشر (حتى ولو كانوا ملهمين)، فإنّ القرآن يعتبر بالفعل في الإسلام، كلام الله نفسه. لذا فإنّ كلّ آية من القرآن، وإن كانت محلّ تساؤل، هي بالفعل كلمة الله. وفي هذا السياق، يغدو من الصعب التظاهر بتليين تلك الآيات أو تناسيها أو حتى إلغاؤها.

وبناءً على هذا الموقف، حاول ريمي براغ أن يئد في مهدها فكرة تحالف الإسلام والحداثة التي دافع عنها خصمه. أمّا السلاح الثاني الذي استخدمه ريمي براغ، بحوث المؤرّخين حول الحقبة والشخصيّات التي وصفها القرآن الكريم، والتي تكشف في رأيه عن تناقضات وأخطاء.

هل انتشر الإسلام في العالم بوصفه وحيًا جديدًا؟ هذا ليس واضحًا عند الفيلسوف الكاثوليكي. وفي مواجهة هذا الهجوم، أراد سليمان بشير ديان، الذي يعرف النصّ القرآني تمام المعرفة، كما يعرف تراثه الفقهيّ وممارساته الحاليّة، أن يثبت أنّ تأويل أيّ نصّ أمر ممكن دائمًا، حتى وإن كان نصًّا منزّلاً من الله، وأنّ الاجتهاد البشريّ في هذا الخصوص أحد مطالب اللاهوت الإسلامي.

وبالإضافة إلى ذلك، ودون رفض “منطق الحقيقة” الذي يدّعيه ريمي براغ، تبنّى سليمان بشير ديان بدلاً منه “منطق المعنى”. فحتى لو وُجدت آية من القرآن لا تستقيم مع وجهة النظر التاريخيّة، فإنّ المؤمن يعتبرها رسالة تتطلّب الاجتهاد في فهمها أخلاقيًّا وروحيًّا، وحتى عرفانيًّا. كما أدان الفيلسوف السنغاليّ بشدّة الإسلاموفوبيا (خُواف الإسلام)، بينما قال ريمي براغ إنه لا يُوجد حدّ فاصل بين الإسلام والإسلامويّة.

وبذلك سيجد القارئ نفسه أمام نقاش محتدم، فقد كان على الفيلسوفين للإجابة عن جميع الأسئلة التي قدّمها لهما الناشران، أن يشحذا أسلحتهما وأن يصقلاً حججهما، لإعطاء صورة واضحة وشاملة عن رؤيتهم للأشياء. وإذا أغلق القارئ هذا الكتاب وهو أكثر معرفة من قبل، وإذا اهتزّت بعض قناعاته، فإنّ هذا الجدل يكون قد آتى أُكْلَه، بحسب مترجم الحوار محمّد الحاج سالم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • محمد ب

    لا يمكن أن يعقب أحدنا في 600 كلمة عن زخم من الأفكار .لكن:
    *ــ ما الإسلام ؟ هل هو ديانة مثل بقية الدّيانات المنسوخة :(اليهودية نسبة لجنس اليهود المتمثّلة في رسالة موسى عليه السّلام (التوراة)إلى بني إسرائيل )و(المسيحية نسبة للمسيح عيسى بن مريم المتمثّلة في رسالته عليه السّلام (الإنجيل)إلى بني اسرائيل)أم هو مثل المعتقدات الوتنية منها وحدة الوجود (الإيمان بأن الطبيعة المادية هي الإله)، تعدد الآلهة، مذهب حيوية المادة:الاعتقاد بأن المادية في العالم هي الطاقة الالهية وتقديسها؟أم هو فلسفة بشرية يشطح فيها العقل حسب صاحبه؟
    أم هو كلام الخالق جاء به الرسل للعالمين عن ماهية الإنسان المخلوق؟

  • عادل رشيد

    الاسلام السياسي " الاخوان المسلمين " هم ناس لا يؤمنون بالحريات الشخصية و يؤمنون بحقوق الانسان و لا يؤمنون بالفصل بين السلطات و لا يؤمنون بالصحافة الحرة و لا بالمساوات بين الرجل و المرأة و لا بحقوق المراة و حقوق الطفل و هم لا يمنون بالتعايش بين الاديان او القوميات أنهم أعداء ألأنسانية و أن كانوا هم يمثلون الاسلام فاذن الاسلام على شاكلتم و أن كانوا لا يمثلون الاسلام فألاسلام بريء مما يقومون به و الله من وراء القصد .

  • رشيد الجزائر العظيمة ?

    مجرد طرح هذا السؤال يعتبر تجني .الفتوحات الاسلامية لم يقتل فيه اهل البلد بينما الحملات الصليبية و احتلال الدول في افريقيا و اسيا و الامريكتين اباد فيها الصليبيون امم و شعوب و ختى في العصر الحديث في افريقيا الوسطى و رواندا قتل النصارى بعضهم البعض و قتلو المسلمين بمئات الالاف في هذه الدول