-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

واجباتُنا نحو العمل الإغاثيّ الإنساني في الجزائر

حسن خليفة
  • 162
  • 1
واجباتُنا نحو العمل الإغاثيّ الإنساني في الجزائر
ح.م

قد يكون من الضروري الوقوف عند بعض المحطّات التي ظهرت للجميع، خلال هذه الجائحة التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، وأنهكت الدول والمجتمعات. وكانت بالنسبة لوطننا منعطفا يحتاج إلى الدراسة والتقييم والاستثمار المعنوي، وخاصة فيما يتعلق بالتفاعل المجتمعي.

نحتاج إلى تركيز الحديث هنا عن هذه الهبّة الشعبية التضامنية التكافلية التي عرّفتنا ـ مرة أخرى ـ بمعدن هذا الشعب، وهذا الإنسان الجزائري الأصيل النفيس)، على الرّغم من كل ما قيل وما يمكن أن يُقال عنه.

إن التأمّل المركّز سيقود إلى استثمار هذه الهبّة بالشكل الإيجابي المطلوب، والبناء عليها في تعزيز قوة الدولة والمجتمع معا. وهذا ما سنبيّنه في ختام هذه السطور. ولكن لنبدأ بهذه الملاحظات:

1- أهم ما يلفت النظر هو التدافع والانخراط العفوي الرائق في أعمال الخير، بكل الوسائل والإمكانات، ومن كثير من الجهات (الشباب، المحسنون، الكوادر، الناس العاديون، الرجال والنساء، أصحاب المركبات ووسائل النقل، التجار وأرباب العمل…).

2ـ أساس هذا التدافع والانخراط هو الدين، الذي يمثل “التكافل “و”التعاون” فيه محورين عظيمين من محاور المعاملات والعلاقات بين الناس، وذلك بعض سرّ هذا الدين العظيم، الذي جاء وسطا ذهبيا بين الفردانية المقيتة والجماعية – الاشتراكية الزائفة.

3ـ إذا كان لجمعية العلماء دورٌ محوري فاعل، وهذا مشاهد يوميا، فلا يُنكر دور جهات أخرى: جمعيات ومؤسسات وهيئات، كل حسبَ رؤيته واجتهاده، وإنما يعظمُ أمر هذا العمل بالتنسيق في أوسط درجاته.. وهو ما دعت إليه الجمعية ولمّا تزل تدعو إليه.. لتصويب أكبر وتحقيق النتائج الأفضل، وتحرير النيّات من منافسة قد تكون أحد مداخل الشيطان إلى النفس الإنسانية الضعيفة.

4 ـ إن قطاع التطوع والعمل الخيري الإنساني يمكن أن يكون رافدا من روافد العمل الوطني، في مجال النماء والنهضة وتحقيق الازدهار إذا أُحسنّا الاشتغال عليه مجتمعا وجمعيات ودولة، ولنأخذ العبرة من بعض مؤسسات الإغاثة في دول هنا وهناك، كالكويت والأردن وتركيا، بل وفي دول الغرب أيضا؛ إذ يُعدّ هذا العمل جزءا من خريطة تحقيق الرفاه، في تلك الدول. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولن تكون هناك مشكلة إذا طُرح السؤال: كيف نحقّق ذلك..؟ فلنحسن الظن بالله تعالى، ولتكن نيّاتنا صافية، ثم لنتداعى للتشاور والتحاور وإيجاد أفضل الصيغ لجعل وطننا وطنا رائدا في هذا المجال، والذي سيكون له دورٌ فيما يمكن تسميته بـ”الديبلوماسية الناعمة”، حين نلتفت إلى دول ومجتمعات تعاني أشد المعاناة، وبعضها من جيراننا في إفريقيا التي تتآكلها النصرانية، وتحاصر دولها أطماعٌ سياسية للدوّل والمنظمات الجشعة الهادفة إلى “السيطرة” بالمال والعون والمساعدة والإغاثة.. وقد تحدّث بعض الأطبَّاء الجزائريين الذين عملوا في دول مثل بوركينا فاسو، وإفريقيا الوسطى وسواهما قصصا محزنة عن تأخرنا ـ في الجزائرـ عن الإغاثة في إفريقيا، رغم توفّر الفرص والإمكانات والخبرات.

إننا نحبُّ بلدنا ونعتقد أنه يستطيع أن يلحمَ علاقاته ويقوّيها بشعوب إفريقيا ببذل حقيقي، وبخطط متوسطة وبعيدة المدى من خلال العمل الخيري-الإغاثي الإنساني، وها نحن نرى في شوارع مدننا إخوة لنا في الدين والإنسانية من أقطار إفريقية، جارة وغير جارة.

5 – من الضروري الانتقال إلى عمل احترافي حقيقي، في كل المراحل والوسائل، في مجال العمل الخيري، ويجب أن تكون الكفاءة والاستقامة والنزاهة من الشروط الأساسية في الانخراط في هذا العمل الإنساني الإيماني الوطني الجليل.

6 ـ كما يجب الاعتماد على الوسائط الجديدة والتكنولوجيات المتقدمة والرقمنة في هذا الباب، حتى يتم التحكم في كل العمليات والمراحل ذات الصلة بهذا الحقل الرائع والنافع.

7ـ حبذا لو تمّ إشراك المجتمع كله في هذا الأمر، وتم إيصال وتسويق الخير، والعمل للخير في كل الشرائح، بما في ذلك المؤسسات التربوية بتذكيرهم وتعويدهم على أهمية عمل الخير، بصيغ مبتكرة ومشوّقة، وقد وقع العمل بهذا في بعض البلدان، وحقق الكثير من الخير، فزراعة القيّم في نفوس وقلوب الناشئة سيؤتي ثمراته بعد حين، وإنما نعوّدهم على البذل والصدقة والتبرّع من الصغر.

8ـ العمل الاجتماعي التطوّعي في صيغه الحالية جيد، ولكن يمكن باهتمام أكبر به، من كل الأطراف، بما في ذلك الدولة نفسها، يمكن أن يشكل رافعة في البناء والازدهار والنماء داخليا، كما سيشكل وسيلة من أجمل الوسائل في تعزيز مكانة بلادنا لدى الشعوب والمجتمعات الأخرى، باعتماد هذه الخيرية أداة ديبلوماسية أخوية وإنسانية، تحقق التعاون بين الشعوب، وتقرب وجهات نظرها في كثير من القضايا.

9- أملنا أن يحظى هذا القطاع الثالث (التطوُّع والخدمات الاجتماعية والإغاثية والإنسانية) بكل ما يستحقه من الاهتمام والدراسة والتنظيم والتنظير والتدبير، حتى يحقق المراد وهو تحصيل التعبئة المجتمعية الدائمة والفعّالة، في كل الميادين وكل الأوقات، وذلك بناء على هذه الخيرية المزروعة في قلوب أبناء وبنات شعبنا.

10ـ من الضروري تعزيز ملمح المصداقية والنزاهة والاستقامة قدر المستطاع، في كل الهياكل رسمية أو مجتمعية؛ فإن الناس إن آنست الثقة والمصداقية، أعطت بلا حدود ولا شروط، وللأسف هذا غير متحقق في بعض الهياكل الرسمية، لما يشوبها من شوائب الإهمال واللامبالاة، والتي كثيرا ما طفت إلى سطح صفحات الجرائد والمواقع.

إنها فرصة ثمينة: أن نقيّم ما يجري من تفاعل مجتمعي إيجابي مدهش، ونستفيد منه مستقبلا، ونرتقي به ليكون أوفى وأكثر نجاعة وفعالية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بن مداني عبد الحكيم

    الدال على الخير كفاعله هكذا تعلمنا والتضامن جزء من حركية المجتمع والتزام اجتماعي ولكن كما فال المثل " في فمي ماء فكيف يشكو فيه ماء" مثل الشبعان الذي لا يدري بالجائع ولكن في اعتقادي ان العمل التضامني يراد به الاصلاح والتغيير كل هذه الاعمال التضامنية في حساباتها الكمية كثيرة جدا ولكن نريد لعمل الخير ان يكون مدروسا شفافا توعويا منظم بعيد عن التسيب والاهمال والارتجال