-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وباءٌ خطير.. ولا كمامة!

وباءٌ خطير.. ولا كمامة!
أرشيف

لا أدري، إلى حد الآن، كيف يشاهد الجزائريون هذا الدمار الشامل، الذي أتى على ما تبقى من بساط أخضر يزيّن جبال جرجرة والأوراس وجنان القالة وميلة وبجاية من دون أن يحرك أي منهم “جامدا”؟ لا أدري كيف تمكن وباء حرق الغابات من بعض الناس، ولا ثورة مضادة، توقف هذا الخراب الذي حوّل ما تبقى من لوحات خضراء فاتنة، إلى لون الحداد؟

في الصيف الماضي، عندما احترقت محميات قسنطينة وسكيكدة وتلمسان وتيزي وزو، ألصقت التُّهم في بائعي فحم شواء عيد الأضحى، وناهبي أراضي قطاع الغابات، من أجل تحويلها إلى بور، قبل ضمها إلى أراضيهم، وعزف حينها المسؤولون وبعض الجمعيات التي تتغنى بالبيئة كسجلّ تجاري، لحن التحدي لأجل غرس نصف مليار شجرة، على وزن التحدي الذي رفعه الإثيوبيون ونجحوا فيه، وأكثر من ذلك وفّروا له سد النهضة الذي تزيد طاقته عن طاقة أكبر سدّ في الجزائر بخمس وسبعين مرة، الذي قد يحوّل إثيوبيا، التي كانت مضربا للمثل في الجفاف والجوع، إلى أمازون القارّة السمراء.

 ومرّت أيام السنة، بما فيها فصول الغرس، ولم نشهد غير حملات محتشمة لغرس بعض الأشجار، التي مات غالبيتُها في المهد، فكانت النتيجة دمار آلاف الهكتارات، مقابل غرس بعض الشجيرات، في أكبر انتصار للشر على الخير في بلادنا.

يحفظ الجزائريون جميعا مقولة: “الساكت عن الحقّ شيطانٌ أخرس”، ومع ذلك يفضِّلون أن يبقوا في صف “الخُرس” الذين يشاهدون قتل الحياة وكتم أنفاس مصدر الأوكسيجين ومتعة العين وظل الأبدان، والكفة الخضراء في ميزان بلد ينتصر فيه التصحُّر والجفاف من سنة إلى أخرى، فهم يطالبون بكاميرات مراقبة في الشوارع لتوقيف اللصوص، وفي الملاعب لكبح جماح المشاغبين، وبتشديد العقاب على المهربين ومروجي المخدرات والمعتدين على أفراد السلك الطبي، ويحتجُّ المواطنون لأجل رفع القمامة ولأجل الحصول على القطع الأرضية وتوصيلات الغاز والكهرباء، ولا أحد همّه ما تعرَّض له الغطاء الأخضر من دمار يهدّد الجزائر بتضييع آخر رئة في كيانها إن لم تكن قد أضاعتها.

نتابع بإعجاب ما تفعله الإمارات العربية المتحدة وقطر وهما تحوّلان سعير صحراء شبه الجزيرة العربية إلى جنان يانعة، برغم شحِّ الأمطار وقساوة البيداء، ونقرأ بدهشة كيف تحوّلت صحراء كاليفورنيا في أمريكا وأتكاما في الشيلي وصحراء مونغوليا إلى فردوس من الخضرة، ونتألم في المقابل ونحن نعدّ بشكل يومي مئات الهكتارات التي تلتهمها النار بجرّة عقاب كبريت الجشعين الذين عجزوا عن بناء أنفسهم فخرّبوا الغابة لأجل تحويل أرضها إلى بناء إسمنتي أو ضمِّها إلى ممتلكاتهم، مادامت الغابة ملكا للدولة وليس لها غير ربٍّ يحميها.

لا يمكن أن نبني جزائر جديدة، ولا يمكن حتى التفكير أو الحلم بها، إذا لم تكن للطبيعة مسافةٌ شاسعة فيها.

يقول الفيلسوف هيتوباديسا: “الشجرة لا تحجب ظلها، حتى عن الحطَّاب”، ويقول المفكر يوسف زيدان: “الشجرة أنقى من البشر، وأكثر حبا لله، ولو صرتُ شجرة، سأنشر ظلي على المساكين”، ويقول الكاتب روبرت سكولر: “لا تقطع شجرة في الشتاء، من أجل الحطب، فقد يغادرك الربيعُ إلى الأبد”.. ويقول المثل الفيتنامي: “فكّر في من زرع الشجرة التي تأكل ثمارها”، ويقول المثل الهندي: “اغرس شجرة اليوم، تنم غدا تحت ظلها”. فماذا نقول نحن؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ابن الجبل

    من الخطأ الاعتقاد أن بناء الجزائر الجديدة يكون بغرس الأشجار ،وجعل الطبيعة جنة خضراء ، دون أن نغرس حب الوطن في كل فرد من أفراد المجتمع ، سواء كان مسؤولا أو مواطنا بسيطا ... حب الوطن لا يكون بالأقوال الرنانة ، ولكن بالأفعال البناءة، التي تظهر آثارها الايجابي على أرض الواقع . آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه عليك ياجزائر الشهداء ، جزائر قبلة الأحرار !!.

  • سامي

    الذين يحرقون الغابات و يعطلون مصالح الناس في الادارات والذين يحرمون الناس من قطرة ماء بالحنافيات هؤلاء كلهم قوارض تعمل لصالح جهات خفية لأجل زرع الفوضى الخلاقة.هؤلاء هم أذرع الاخطبوط فيجب كشفهم للرأي العام ومحاكمتهم على أساس الخيانة العظمى.

  • Ahmed

    نقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها))