-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وخيْرُ رفيقٍ في الحراك كتابُ..!

وخيْرُ رفيقٍ في الحراك كتابُ..!
أرشيف

ها قد أسدل المعرض الدولي للكتاب ستاره الثقافي بعد 10 أيام من الحدث السنوي الأهم في حياة الجزائريين، توافد خلالها الزوار بالملايين على أجنحة الصالون، وباعت مئات دور النشر الوطنية منها والأجنبية آلاف العناوين من إصداراتها الجديدة وتلك المزيدة والمنقحة والقديمة، على أمل أن يلتقي الجميع على أنوار الكتاب من جديد في القريب العاجل.

صحيح أنّ التحقيقات الميدانية حذرت مؤخرا من “أزمة المقروئية” في الجزائر، فهي لم تتعدّ 6.8 % نهاية 2017، بينما ثبت وفقًا لعمليات سبر الآراء أن 20 مليون جزائري على الأقل لا يمارسون القراءة كليا، وهو ما أثار التساؤل الموضوعي حول التناقض الحاصل والهوة الكبيرة بين حجم الأرقام الإحصائية لتظاهرة الكتاب كل عام في الجزائر والمعدل الفعلي للمقروئية بين السكان.

وحتى لو أقررنا بسلبية تلك المؤشرات بصفة مؤقتة، فيجب أن نقرأ الإقبال الجماهيري الواسع للجزائريين على سوق الكتاب بمختلف تخصصاته من منظور إيجابي، وعلى خلاف تشاؤم المهونين للأمر، من الذين لا يرون في تهافت المواطنين على صالون الكتاب سوى مجاراة للموضة أو سياحة للترفيه، فهو في الحقيقة يعكس، حسب المختصين في علم الاجتماع، تحولاً عميقا نحو وعي متصاعد الحاجة إلى القراءة في ظل رهانات كثيرة في شتّى المجالات التعليمية والمهنية والذاتية وحتى الاجتماعية السياسيّة.

ذلك أنّ سلوك القراءة واحتساب المقروئية لا يقتصر على كتب الفكر والفلسفة والثقافة والحقول الاستراتيجية والسياسيّة أو أمّهات الأعمال الأدبية والتراثية والتاريخية والعلمية للنخبة المجتمعية، بل تشمل كل علاقة بالكتاب في كل الميادين والأطوار، من الإصدار شبه المدرسي للمبتدئين إلى أشهر عناوين أفلاطون وأرسطو ومونتسكيو وفولتير وشكسبير وسارتر وهيجل وابن تيمية وأبي حامد الغزالي والقرضاوي وغيرهم كثير، مرورا بكل المنشورات التي يتداولها المتعلمون بمختلف شرائحهم ومستوياتهم.

ربّما تغيرت وسائل القراءة وأشكالها وأولوياتها، بتغيّر رهانات المجتمع المعرفيّة والحياتيّة، فتوجهت أكثر نحو التخصّص الوظيفي والحاجة الذاتية على حساب المطالعات الموسوعيّة الشاملة، لكنها وفق القرائن الملموسة في حالة تصاعد مستمرّ.

إن هذا الإقبال المتنامي على عالم القراءة الورقية أو الإلكترونية واحد من التفسيرات الأساسية في فهم الحراك الشعبي الجزائري المتواصل بسلمية مبهرة منذ ثمانية أشهر دون انقطاع، كما يُترجم وعي المتظاهرين براهنيّة التحولات الكونية من حولهم، ومقتضيات الاندماج في الآفاق العالميّة وما تستوجبه من إصلاحات وطنيّة جذرية للانخراط في ركب العصر المتقدم.

لذلك لم يكن أبدا من الغريب أن يتسابق زوار المعرض إلى اقتناء كافة العناوين التي تناولت ظاهرة الحراك في الجزائر على اختلاف زوايا المعالجة، ولا تدافع الطلبة والباحثين على أروقة الكتب الجامعية، ولا هرولة الأولياء لإسعاد أبنائهم بالقصص المدرسية والمراجع المساعدة، لأنّ هؤلاء متعطشون إلى المعرفة الجديدة وإلى قراءة الأحداث من منظور الكتاب المتخصصين ولرفع مستويات التحصيل التعليمي.

كما جاءت قبل أيام نتائج الاستبيان حول تعميم استعمال اللغة الإنجليزية بنسبة فاقت 93 بالمائة منسجمة مع تطلعات الجزائريين في عيش واقعهم دون أغلال التسلط الأيديولوجي.

كل هذه المؤشرات تدفعنا إلى التفاؤل بأنّ المجتمع الجزائري، ومهما كانت العقبات والمثبطات، فهو يتقدم نحو الأفضل بخوض معركة العلم والوعي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!