-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

.. ورحل عام النّكبة الثّانية!

سلطان بركاني
  • 703
  • 5
.. ورحل عام النّكبة الثّانية!

ساعات ويرحل العام العشرون بعد الألفين.. كان أشدّ أعوام الألفية الثالثة للميلاد وطأة على البشرية عامّة وعلى المسلمين خاصّة؛ غزا فيه العالمَ وباء سمّي “وباء كورونا المستجدّ”؛ لم يكن بلاءً هيّنا ولا هائلا، لكنّ الإعلام المموّن والموجّه من طرف دهاقنة العالم، صنع له هالة أضعاف حجمه، وشغل البشرية بتعداد المصابين به وعدّ ضحاياه، بشكل يوميّ وهستيريّ، أنسى العالمين ضحايا الأمراض والأوبئة والآفات التي تفتك بعشرات الملايين من البشر كلّ عام!
لقد كان لافتا أنّ عدّاد ضحايا الوباء خلال العام 2020م، بلغ 82 مليون مصاب، في حين لم يتجاوز عدد الوفيات بسببه 1.8 مليون ضحية، أي أنّ نسبة عدد الوفيات إلى عدد الإصابات بهذا الوباء لم تتجاوز 2.2 %، وبمقارنة بسيطة بين وباء كورونا ومرض السرطان، مثلا، نجد أنّ عدد ضحايا الأخير في العام 2020م بلغ 10 ملايين متوفّى، أي ما يتجاوز 5 أضعاف ضحايا كورونا الذين أسديت التعليمات بأن تحفر قبورهم بالجرافات ويُدلوا في قبورهم بالحبال، في مشاهد بكت لها العيون وتفطّرت لها القلوب.
أدّى الوباء إلى تعطّل المطارات وتوقّف حركة الطّيران، وإلى تعليق الدّراسة في أغلب دول العالم لمدّة بلغت 7 أشهر في بعض الدّول، كما توقّفت كثير من الأعمال، وأحيل أرباب كثير من الأسر على البطالة، وتوالت الأشهر على مئات الآلاف منهم من دون أن يحصّلوا أيّ مداخيل، وانتشرت الإشاعات حول ندرة الموادّ الغذائية والتّموينية، وافتعلت أزمة سيولة وامتدّت الطوابير الطّويلة أمام مراكز البريد والبنوك، وتدافع النّاس أمام محلات بيع السميد والحليب، وصار السّميد أعزّ مطلوب عند كثير من النّاس!

طرفان ووسط في الموقف من الوباء

لقد كان واضحا أنّ رأس النّظام العالميّ، سخّر كلّ الإمكانات الإعلامية والمالية واستثمر في هذا الوباء، لفرض النّسخة الجديدة من النّظام العالمي، تحاكي النّظام الإقطاعيّ القديم لكن بأدوات ووسائل متطوّرة، وتتحوّل البشرية بموجبها إلى جماعات من العبيد، تضطرّ إلى تنفيذ تعليمات السّادة الذين يتقمّصون دور البطولة ويظهرون في مظهر الحريص على تخليص العالم من الوباء القاتل ومن نسخه القادمة.. كما ظهر للمهتمّين بالغوص في الحقائق وقراءة ما بين السّطور، كيف أنّ وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأوزانها أبت إلاّ أن تُظهر الاختلاف في شأن الوباء على أنّه بين فريقين لا ثالث لهما: فريق من الجهلة ومروّجي الخرافات، يقول إنّ الوباء كذبة كبيرة، أطلقت لتحقيق مآرب الدول الكبرى، وفريق آخر من العلماء والواعين يقول إنّ الوباء خطر حقيقيّ يتهدّد البشرية وما عليها إلا أن تصطفّ خلف منظّمة الصحّة العالمية التي تصطفّ بدورها خلف “الكبار” لمجابهة الأخطار، وتعمّدت –وسائل الإعلام- إغفال وجود رأي ثالث ربّما يكون هو الرّأي الصّواب، يقول إنّ الوباء حقيقيّ، لكنّه ليس بتلك الضّراوة والخطورة التي يظهره عليها من يحاولون الاستثمار فيه لاستعباد البشر.

عام إغلاق المساجد وتعليق الحجّ والعمرة

كان العام 2020م، شديد الوطأة على البشريّة كلّها، وكان أشدّ أعوام الألفية الثالثة وطأة على قلوب المسلمين الذين عاينوا بأرواحهم وأبصارهم ما لم يكن يخطر لهم على بال، حيث رأوا بيوت الله توصد أبوابُها ويمنع عنها روادها الذين لم تنقطع خطواتهم إليها وهمهماتهم بين جدرانها لعقود من الزّمان.. وسمعوا بكاء المؤذّنين عند أوّل أذان ترفع فيه عبارة “صلّوا في بيوتكم”، وكُتب لهم أن يكونوا شهودا على تعطيل الجمع والجماعات وصلاة العيدين، في بيوت الله، ويروا على مواقع التواصل صورا يتفتّت لها الحجر لشيوخ يذرفون الدمعات وهم يطرقون أبواب المساجد الموصدة بأيديهم المرتعشة، أملا في أن تفتح لهم.
رضي المسلمون –على مضض- بالأمر الواقع، أمام التبريرات التي قدّمتها الجهات الوصية ووافق عليها الفقهاء، وهم –أي المسلمون- يتوقّعون أنّ محنة إغلاق المساجد لن تطول كثيرا، ولن تتجاوز بضعة أسابيع.. لكنّ الأمر طال، ومع ذلك ظلّ يحدوهم الأمل في أنّ بيوت الله ستفتح أبوابها عند أوّل يوم من شهر القرآن، قبل أن يخيب أملهم مع توالي أيام رمضان العام 2020م الذي حقّ له أن يسجّل على صفحات التّاريخ بدموع رواد المساجد الذين ما كان يخطر لهم على بال أنّهم سيحرمون روحانية صلاتي التراويح والتهجّد، ومتعة الإفطار في بيوت الله مع الأحباب والأصحاب.. ولم يكد المسلمون ينسون محنة رمضان، حتى فجعوا بمحنة أخرى أشدّ، هي محنة تعطيل حجّ العام 2020م، بعد أن تأوّهت صدورهم وسالت دموعهم لصور صحن المسجد الحرام وهو خال من الطّائفين، لأوّل مرّة منذ قرون، لتضاف إليها محنة خلوّ جبل عرفات من الواقفين عليه في يوم عرفة، إلا قليلا.
بعد انتظار طويل، فتّحت أبواب المساجد، وفرح المسلمون بإعادة فتحها، لكنّ غصصا بقيت عالقة في حلوقهم، وهم يرون التّدابير الوقائية الصّارمة تفرض بكلّ صرامة داخل أسوار بيوت الله، في الوقت الذي تهمل فيه وتُتجاهل في الأماكن العامّة وفي أكثر الإدارات والمصالح.. ويرون بيوت الله يتأخّر فتحها إلى قبيل الأذان بربع ساعة، ويفرض على أئمّتها المسارعة إلى إقامة الصّلاة وتخفيفها، ويمنعون إلقاء الدّروس والمواعظ، ويلزمون بالإسراع في غلق المساجد ربع ساعة بعد السّلام من الصّلاة.. ويرون متوضّآت المساجد يمنع فتحها، في الوقت الذي تفتح فيه متوضّآت محطات البنزين وأماكن الاستراحة.. ويرون المصاحف في المساجد تحتجز وتعلّق على رفوفها لافتات تمنع اللّمس! في الوقت الذي تعرض فيه الأكشاك الجرائد من دون أيّ محذورات.
كلّ العقلاء تفهّموا في بداية الأمر تشديد تدابير الوقاية، وتفهّموا قرار إغلاق المساجد رغم بشاعته وثقله على النفوس، لكن مع مرور الوقت، وتبيّنِ حقيقة المبالغات التي أشيعت عن انتقال الفيروس وانتشار العدوى، ومع القرارات المتتالية القاضية بتخفيف تدابير الوقاية في مختلف الأماكن، وبقائها كما هي في المساجد، ومع افتتاح الجامعات والمدارس وانتشار صور الاكتظاظ داخل مدرجات الجامعات وفي قاعات الاجتماعات والمهرجانات، بدأت الشّكوك تتسلّل إلى النّفوس، وبدأت الأسئلة تطرح: لماذا المدارس القرآنية وحدها التي تظلّ مغلقة؟ لماذا المساجد وحدها التي يشهر في وجوه روادها سيف الحجّاج؟

نكبة ثانية!

في عام الوباء هذا، لم تكد حلوق المسلمين تتجرّع غصّة إغلاق المساجد وتعطيل الحجّ والعمرة، حتى داهمتهم داهيةُ تتابعِ بعض الدول العربية لتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية مع الاحتلال الصّهيونيّ، إلى الحدّ الذي جعل وزيرة السياحة في بلد عربي مسلم تأخذ على نفسها عهدا بأن تجعل بلدها مقصدا مفضلا للسياح الصهاينة الراغبين في نوع خاصّ من السياحة!!! خيانة تاريخية سميت بغير اسمها، تنادى إليها بعض المسلمين، ليحملوا وزر خذلان الأرض المباركة ويبوؤوا بخزي وعار إقامة العلاقات مع الصهاينة المحتلين.
لقد استحقّ العام 2020م، بكلّ هذه الأثقال التي حملها، أن يسمّى عام النّكبة الثانية، بعد عام النّكبة الأولى سنة 1948م!

هل ما بعده أسوأ منه؟!

بعد أن كان مسلمو هذا الزّمان شهودا على نكبة إغلاق المساجد وتعطيل الجمع والجماعات والأعياد والتراويح، وتعليق الحجّ والعمرة، وكُتب لهم أن يشهدوا بأسماعهم وأبصارهم فصول خيانة من أشنع وأبشع خيانات التاريخ التي أعادت إلى الأذهان ما فعله ملوك الطّوائف في الأندلس بـ”طليطلة”، في القرن 11م؛ أصبحوا يتوجّسون خيفة من أنّ نكبات هذا العام ستكون فاتحة لنكبات أشدّ وأنكى، وربّما يكون بينها في قابل الأعوام ما لم يكن يخطر على بال مسلم، وهم يستذكرون كلام صحابيّ رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- أنس بن مالك –رضي الله عنه- حينما شكا إليه الناس ظلم الحجّاج، فقال: “اصبروا فإنّه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرّ منه، حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم صلّى الله عليه وسلّم” (رواه البخاري).
هذه حقيقة لا مناص من وقوعها في العامّ والغالب، حيث يزداد وضع الأمّة سوءًا عاما بعد عام، والعلم عند الله، حتى يقول النّاس: متى نصر الله؟ وهذا لا يعني، بطبيعة الحال، أن لا تقع بعض الاستثناءات والمبشّرات التي تذكّر بانتهاء الباطل؛ فبوارق الأمل ستومض من حين إلى آخر، كما قال الحسن البصريّ لمّا نقل إليه حديث أنس بن مالك؛ قال: “لا بدّ للناس من تنفيس”. ستظلّ البوارق تومض من حين إلى آخر على المنحدر الذي تهوي فيه الأمّة بسبب تسلّط شرار الخلق وسطوة الأراذل وتصدّر أدعياء العلم، حتى تكون البارقة الكبرى التي يتوقّف عندها الانحدار فجأة، ليبدأ الصّعود الأخير الذي سيكون مفاجئا ومذهلا، كما كان الانحدار مؤلما ومفجعا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • Hamid

    لا مجال للمقارنة بين جائحة ومرض ان لم تكن تعرف الفرق فاستشر طبيب نفساني

  • ماحي

    المسلمين لا يغادروا نكبة حتى يدخلوا في نكبتين : التخلف والحروب والصراعات والارهاب والتطرف والجهل والهروب نحو بلدان الناس واستبداد الأنظمة الحاكمة .................... الخ

  • كلمة انصاف

    كل شيئ خير, و الحمدلله في كل الاحوال. حبة بيض تكسرت ما تنجبر والي مات ما يرجع و الخاين ما يولي فحل و الي مقدرو ربي ينشاف.

  • احمد

    لا فض فوك اللهم رحمتك نرجوا

  • ابن الجبل

    شكرا على هذا المقال القيم والعام ، الذي ألمّ بالعالم كله .. لكن لم تقل لنا بأن نقص السيولة وأحدث الطوابير الطويلة لم تكن الا في الجزائر ..!، ولم تقل بأن الاجراءات الصحية فرضت على المساجد ولم تفرض في الأسواق العامة حيث الاكتظاظ على أشدّه ..!، ولم تقل معاناة الطلبة والمواطنين الضعفاء والمرضى من منع وسائل النقل العمومي بين الولايات الا في الجزائر...! "مايحس بالجمرة غير ليعفسها "!. وخير مانقول هو أن نتضرّع الى الله الواحد القهار : اللّهم ارفع عنا هذا الضرّ .