-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وسِيق الفاسدون إلى الحرّاش زُمرًا!

وسِيق الفاسدون إلى الحرّاش زُمرًا!
ح.م

ما تعيش على وقعه الجزائر هذه الأيام من أخبار الفتوحات القضائيّة، لا نجد في وصف وقائعه الخالدات أبلغ من القول المأثور “إن الله يمهل ولا يهمل”، ولعلها تفتح آفاقا جديدة في مستقبل البلد، إذا ما رسا الحَراك الشعبي المبارك على شاطئ التغيير المأمول.

لا شكّ أنّ ما يجري حتى الآن في غرف التحقيقات والمحاكم من المبشّرات البيّنات على سير الحَراك في طريقه الصحيح نحو الهدف المنشود، وهو القطيعة مع عهد الفساد والاستبداد بسلوكاته ورموزه، كما أنّه من عوامل التلاحم بين الشعب والجيش المتعهِّد بمرافقة العدالة في أداء مهامها وحماية الجزائريين في ثورتهم السلميّة من كل المؤامرات.

وعليه، لا نملك إلا الثناء المبدئي على ما نراه من تحرير للعدالة وحساب للمشتبه بهم، في انتظار النُّطق بالعقاب المستحقّ لكل من خان الأمانة وخذل الأمّة، رافضين التشكيك دون برهان في الحرب الساخنة ضدّ أركان العصابة والدولة العميقة، فهؤلاء من وراء كل المآسي التي ذيّلتنا في مؤخرة الأمم، مع كل ما نزخر به من خيراتٍ ونعمٍ، وهل يُتصور قيام ثورة دون تطهّر من أورام الفساد وتدمير لأذرع الاستبداد؟ وكيف تنجح في بلوغ آمالها للا حسابٍ ولا عقاب للعابثين بمصيرها على مرّ العقود؟

إنّ الاحتفاء بحشر المفسدين في الأرض خلف القضبان ليس من الشماتة المدانة في شيء، بل هو تسجيلٌ لانتصار الإرادة الشعبيّة في الدفاع عن حريتها المصادَرة والذود عن كرامتها المغتصبة والنفح عن ثرواتها المسلوبة، فحُقّ لها أن تمرح وتفرح بقهرها للمستعبِدين الذين أذاقوها دهرًا من كأس المهانة والذلّ، حتّى عاشت وجِلة من تاريخها الأسطوري بين الشعوب الحرّة.

ومع كل ذلك، فإنّ الموقف يقتضي التذكير بأمرين أساسيين: وهو أنّ العدالة المستقلّة هي الانطلاقة السليمة في بناء المرحلة الجديدة، وأن استكمال مشوار الثورة الحضاريّة حتى النهاية شرطٌ ضروريّ، يحول دون وقوع الردّة الثورية الواردة في تجارب الآخرين.

بتعبير أوضح، فإنّ تهليلنا لفتح سجلاّت الفساد لا يعني تأييدنا للظلم أو تصفية الحساب السياسي إن ثبُت، في حق كائن منْ كان، بل إنّ دفاعنا المستميت عن نزاهة القضاء وتمكين المتهمين من دون استثناء من حقوق التقاضي كاملة، بعيدا عن كافّة أشكال الضغوط، لا يقلّ عن تمسّكنا المطلق بمعاقبة الفاسدين والمتآمرين على أمن البلاد والعباد، لاعتقادنا أنّ المتهم بريء حتى تثبُت إدانته، وأنّ صرح الحق المنيف لا يُشيَّد بأحجار الباطل الهشّة.

كما أنّ مسلسل المحاكمات التاريخيّة التي نشهدها اليوم، ومهما كانت أحجام الرؤوس المهشّمة على صخورها، فلن تكون في كلّ الأحوال بديلاً عن استعجال الحلِّ الجذري المعطَّل، لتتويج الحراك الثوري بتغيير فعلي شامل، يجعل نظامنا السياسي والقضائي والاجتماعي في مأمن من تفريخ فساد جديد، فقد أثبتت تجارب الماضي، في الداخل والخارج، أنّ لكلّ حقبة فاسديها، ممْن يجعلون النهب العام دُولةً بينهم.

إنّ تقدّم مسار العدالة المحمود حتى الآن، باعتبارها من مطالب الحراك الجوهريّة، ليس غاية المُرام، بل إنه بقدر ما يكرّس الثقة في مصداقية السلطة القائمة، ويترجم جديّتها في مرافقة تطلعات الشعب، فهو يضعها أمام اختبار سياسي حرج في الأخذ بكلّ طموحات الجزائريين، وهم ينشدون بناء نظام جديد يستمدُّ شرعيته من الإرادة الانتخابية الشفافة، تكون السلطة القضائية والفصل بين السلطات من أهمّ ركائزه الصلبة.

لقد صار من المستعجل تثمينُ منجزات العدالة بمكاسب سياسيّة، تفتح منافذ في جدار الأزمة التي يُخشى أن تطول أكثر، لنؤكد مرّة أخرى أنّ مسؤولية المبادرة لتحريك المياه الراكدة، تقع على صاحب القرار، بتنفيذ تنازلاتٍ أوليّة تمهّد الطريق للحوار الوطني قبل نهاية رئاسة بن صالح الأولى، وعلى رأسها إسقاط حكومة التزوير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!