-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وقت الانطلاق لم يفُت وأوان المحاسبة لم يَنقضِ

سلطان بركاني
  • 820
  • 1
وقت الانطلاق لم يفُت وأوان المحاسبة لم يَنقضِ
ح.م

حلّ رمضان ومضى يومان من أيامه الفاضلة، بينها أوّل جمعة من رمضان التي كانت هذا العام مختلفة ومحزنة.. الجمعة الأولى من رمضان كانت في أعوام مضت جمعة مشهودة، تمتلئ فيها بيوت الله وتمتلئ ساحاتها بعباد الله التّائبين، وبشباب الأمّة الذين يريدون أن يبدؤوا حياة جديدة مع رمضان. يتزاحم المصلّون على مقصورات الأئمّة للسّؤال عن أحكام الصّيام، ويتدافع الأطفال ليتحرّوا عن وجوب الصيام في حقّهم.. لكنّ حال بيوت الله مع أوّل جمعة من رمضان هذا العام كانت حالا تدمع لها العيون وتتقطّع لها القلوب.

يعود رمضان هذا العام بعد أشهرٍ من انتشار الوباء، وبعد أكثر من شهر مرّ على إغلاق المساجد.. يعود بعد أن أدركنا جميعا قدر النّعمة التي كنّا فيها؛ نعمة الاجتماع في بيوت الله ورصّ الصّفوف والمحاذاة بين المناكب والأقدام وسماع الدّروس والخطب في أمن واطمئنان، وقدر نعمة الاجتماع في صلاة التراويح لسماع كلام الواحد الديّان.

عزاؤنا أنّ الحنّان المنّان الذي قال: ((فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ))؛ قال نبيّه المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ”.. وأنّنا برغم هذا الظّرف الحرج الذي نعيشه، في إمكاننا أن نعيش روحانية رمضان، ونكون ممّن يصوم أيامه ويقوم لياليه إيمانا واحتسابا، وممّن يرحل رمضانُ يوم يرحل شاهدا لهم عند الله، وقد تغيّرت حياتهم وانتظمت أوقاتهم.. إذا كانت أبواب بيوت الله لا تزال مغلقة، فإنّ باب التّوبة وباب الله لم يزل وسيبقى مفتوحا.. إذا كانت أبواب المساجد لم تفتح في اللّيلة الأولى من رمضان، فإنّ أبواب الجنّة قد فتّحت في تلك اللّيلة المباركة وأغلقت معها أبواب النّار.. إذا كان رواد المساجد لم يمكنهم إجابة منادي صلاة العشاء في اللّيلتين الماضيتين، ليجتمعوا في بيوت الله ويصلّوا العشاء والتّراويح، فإنّ في وسع كلّ عبد مؤمن أيا كان مكانه وأيا كانت حاله أن يجيب المنادي الآخر الذي نادى عند أذان المغرب في أوّل ليلة من رمضان وقال: “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشرّ أقصر”.

سعادة رمضان لا تكتمل إلا ببيوت الله، لكنّها في الأصل تبدأ من القلوب، حينما يحسّ العبد المؤمن بدافعٍ يدفعه إلى التّوبة والإنابة والرّجوع، ليقول بلسان قلبه: ((يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِين)).

السّعادة الحقيقية برمضان، تبدأ بتذوّق حلاوة مَقدمه واستنشاق نسماته، حينما يفرّ العبد المؤمن إلى مولاه تائبا منيبا خاضعا منكسرا، يستغفر من ذنوبه وزلاّته، ويرجو الله أن يعينه على إصلاح أخطائه وتسديد مساره، ويوفّقه لأعمال صالحة حرم منها في سنوات مضت من عمره.

ها نحن نعيش ساعات ثالث أيام رمضان، فلا نزال ولله الحمد في البداية، ووقت الانطلاق لم يفت، وأوان المحاسبة والمعاتبة لم ينقضِ.. حريّ بكلّ عبد مؤمن لم يبدأ في أوّل ليلة، أن يبدأ الآن، ويجلس مع نفسه جلسة محاسبة ومعاتبة، ويفكّر في عيوبه وذنوبه ونقائصه التي يتمنّى إصلاحها، وفي الأعمال الصّالحة التي يتمنّى أن تكون جزءًا من حياته في رمضان وبعده؛ يتمنّى أن يكون محافظا على صلاته في أوقاتها لا تفوته صلاة منها إلا لعذر غالب.. يتمنّى أن يحافظ على السّنن الرّواتب.. يتمنّى أن يحافظ على صلاة الضّحى، وقيام اللّيل.. يتمنّى أن يحافظ على وِردٍ ثابت من تلاوة القرآن بتمهّل وتدبّر، لا يتركه مهما كانت الأحوال والظّروف.. يتمنّى أن يتحرّك لسانه بذكر الله آناء الليل وأطراف النّهار، بحمد الله وشكره والثناء عليه، وبالصّلاة على الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم.. يتمنّى أن يكون الاستغفار أنيسه في كلّ وقت.. يتمنّى أن يعفّ لسانه عن غيبة إخوانه، وبصره عن النّظر إلى ما حرّم الله، وسمعه عن سماع ما لا يحبّه الله.. يتمنّى أن يجبر تقصيره في حقّ والديه.. يتمنّى أن يكسر حرص نفسه على إمساك المال ويُحرّك يده بالإنفاق في وجوه البرّ والخير.. يتمنّى هذا وغيره، ويجعله نصب عينيه، ويستعين بالله ويدعوه أن يوفّقه ليكون رمضان بداية له لتحقيقه.. ومن يتحرّ الخير يُعطه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ابن الجبل

    هذا المقال درس ديني وبلاغ للغافلين ، الذين بلغوا الستين والسبعين ،مازالوا تاركين للصلاة والصيام ... بلغوا الستين والسبعبن وقد علا الشيب رؤوسهم ،ومازالوا يأكلون مال الحرام ، ويكذبون على الناس أمام الملأ ، بلا حشمة منهم ، ولا خوف من الله ...!! انها فرصة للانسان أن يجلس مع نفسه ويسائل : كيف هو الآن ، وكيف يصير الى ماصار اليه الأولون ؟ يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم . ألا يخاف من هول يوم القيامة : حيث تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأر جلهم بماكانوا يعملون !.
    عودوا الى رشدكم قبل أن تندموا حيث لا ينفع الندم !.