-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا “حراكات” كل البلدان.. اتحدوا!

جمال لعبيدي
  • 424
  • 0
يا “حراكات” كل البلدان.. اتحدوا!
ح.م

لم يقع أبدا أن قام التدخل الأجنبي بحل مشكلة ما في أي مكان من العالم. بالعكس، إن قائمة البلدان التي انتهى فيها إلى وقوع كوارث قائمة طويلة: العراق، أفغانستان، ليبيا، ساحل العاج، سوريا، اليمن، الصومال.. إلخ. والسيناريو لا يتغير هو الآخر: يبدأ بموضوع التضامن والدفاع عن حقوق الإنسان وينتهي بالحديد والنار. لقد شهد العقدان الأخيران النتائج الدموية لنظريات التدخل الإنساني حول “حق” أو “واجب التدخل” وما خلفته، في كل مكان، من حروب أهلية وشعوب نازفة، مقسمة وفاقدة لقدراتها الذاتية على حل مشاكلها.

وباستثناء حالات الخضوع الكامل للأجنبي، تجد محاولات التدخل نوابا عنها بين الجماعات أو الأفراد الذين، بشكل أو آخر، فتُرت صلاتُهم ببلدهم الأصلي وضعُف وعيهم الوطني. إن محاولات تبريرها بشكل أو آخر، تقف دليلا على أن أصحابها فقدوا الثقة في قدرات شعوبهم وعلى أنهم انعزلوا وسط مجتمعهم.

فيما يخصُّ الجزائر، تملي علينا الموضوعية بأن نسجِّل وجود موقف حازم وإجماعي على مستوى السلطات والمعارضة الديمقراطية الوطنية، على حد سواء، ضد كل تدخل أجنبي مهما كان شكله. يعود ذلك إلى قوة كل من الوحدة والوعي الوطنيين اللذين كشف عنهما “الحَراك” الجزائري، هذه الحركة التاريخية الكبرى. وتجلى ذلك، على الخصوص، في التحالف المتين القائم اليوم بين الشعب وجيشه الجمهوري، كون الأخير يغرف معالمه من رصيد جيش التحرير الوطني. وهذا التحالف لم يترك، حتى الآن، أي ثغرة، سواء للعنف أو للتدخلات الخارجية. إنه مكسب ثمين لكافة الجزائريين، بغض النظر عن آرائهم أو مواقفهم الراهنة، لأنه هو مصدر الإجماع الذي طالما نتكلم عنه والذي سيسمح عاجلا أم آجلا، إذا استمرّ، بتجاوز الأزمة الحالية.

ومع ذلك، ارتفعت في المدة الأخيرة وبصورة مفاجئة، أصواتٌ أجنبية تحتج على حدوث “مساس بحقوق الإنسان” يكون قد وقع في الجزائر، وهي أصواتٌ فرنسية. هناك أولا تصريحٌ للوزير الفرنسي للشؤون الخارجية، السيد لودريان، الذي أكد فيه على نقطة احترام الجزائر للحريات الديمقراطية والذي قد يترك المجال، بالمقابل ورغم الحذر اللفظي، للإيحاء بعدم احترامها في الوقت الراهن. ثم هناك، على وجه الخصوص، اللائحة التي صادق عليها البرلمان الأوربي، في 28 نوفمبر، بتحريض نواب فرنسيين. هذه اللائحة لا تقتصر على إعطاء الدروس المعتادة والتي لا يتقيّد بها أصحابُها أنفسهم أبدا حول حقوق الإنسان، بل تذهب أبعد من ذلك، إذ أنها تملي الحل للأزمة الحالية في الجزائر وتُصدر أمرا حقيقيا للشعب وللدولة الجزائرية بتنفيذه. هذا مساس خطير بكرامة الشعب الجزائري. لماذا هنا والآن، في الوقت الذي تجري فيه الحملة الانتخابية للرئاسيات؟ إنها بكل وضوح محاولات إخضاع الحركة الشعبية الجزائرية، الحَراك، لنفوذ خارجي، على غرار تلك التي وقعت مطلع أعوام 2010 للحركات الشعبية في العالم العربي، بهدف منع تسوية للأزمة تعزز في نفس الوقت الديمقراطية والاستقلال الوطني.

إن هذه اللائحة الصادرة عن البرلمان الأوربي لا تحمل من دلالات سوى دلالة سوء النية؛ فالموضوعية وحسن النية تقتضيان لا الاندفاع فور ظهور بعض المؤشرات على التوتر، التي لا يمكن تفاديها أثناء تطور الأزمة الديمقراطية في الجزائر، وإنما التساؤل والتفكير في الجوهر، بمعنى مسبِّبات بقاء الطابع السلمي للحركة الشعبية الجزائرية منذ 9 أشهر.

“الحراكات” في العالم

قد يكون هذا التفكير مفيدا للجميع وبصورة أخص في فرنسا حيث كان تسيير الأزمة الديمقراطية، الذي رافق حركة “السترات الصفراء”، مغايرا تماما واتصف بعنف شديد، لاسيما من جانب قوات الأمن. وهناك أيضا كل هذه “الحراكات” عبر العالم الذين يدعوننا للتفكير حول هذه الأزمة الديمقراطية التي تمس جميع القارات وجميع الديمقراطيات، القديمة منها والجديدة. هناك ما وقع في السودان، في صربيا، في أوكرانيا، وهناك ما يجري بفرنسا، الشيلي، بوليفيا، العراق، هونغ كونغ، فنزويلا، كولومبيا، لبنان… ها هو حوارٌ كان يمكن أن يأتي بالفائدة داخل البرلمان الأوربي. أمام حركة كهذه على مستوى العالم، يبدو تناول المسألة من منظار تضخيم التفاصيل، لخدمة جماعات الضغط وإبقاء النفوذ، يبدو تافها.

ما هي حصة الأسباب الشاملة والأسباب المحلية في هذه “الحراكات”؟ ما هي أسباب أوجه التشابه، وقد نقول الوحدة، في هذه الحركة التاريخية غير المسبوقة التي تخترق العالم: المدة الزمنية، المطالب الديمقراطية الجديدة، التقاء كافة الشرائح والفئات الاجتماعية بداخلها، دور الإنترنت… الخ؟ ما هي النقاط المشتركة والخصوصيات على مستوى كل بلاد على حدة؟ ما هو مدى تأثير الثورة التكنولوجية الحالية عليها؟ هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها اليوم على المفكرين والأكاديميين.

هذا التفكير هو الذي قد يتوجب تبنيه من طرف المثقفين في العالم الذين يجدون أنفسهم في هذه الحركات الشعبية، هذه “الحراكات”. وما الذي يمنع تنظيم ملتقى دولي كبير بمدينة الجزائر حول موضوع “الحَراك في العالم”؟ لنتخيل ما يمكن أن يقدّمه ملتقى كهذا من تعدّد وتنوّع قومي، من فهم لما يريده كل واحد، من إثراء متبادل ومن وحدة نابعة مما هو مشترك، بمعنى أفضل ما في كل حَراك من الناحية الإنسانية وكذلك من ناحية التجنيد ضد التدخلات الأجنبية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!