-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

يا كورونا: اللي فينا يكفونا

عمار يزلي
  • 1678
  • 2
يا كورونا: اللي فينا يكفونا
أرشيف

موجة الهلع الذي أحدثه فيروس كورونا على مستوانا، حتى قبل إصابتيْ البليدة، كاد أن يكون أكبر من حجم الوباء في العالم وفي يوهان الصينية. السبب هو التخوف من “الغريب” و”غير المعروف” ومن “الغير”. فكل ما هو “غير” و”غريب”، خارج إرادتنا وفهمنا، يقابله عدم ثقة وتخوّف. هذه الظاهرة إنسانية، لكنها تتضاعف بتضاعف الجهل بالشيء وباليقين من جهة أخرى على أن هذا الوباء أو غيره، هو حمل لا طاقة لنا به ولو كان بحجم مجهري، لأن تبعته ألعنُ منه، خاصة وأننا نشعر بأن وضعنا الصحي ليس على ما يرام حتى بالنسبة لأبسط مرض، والكل يعلم ويدرك كارثة المستشفيات والطب العام والخاص في بلادنا. لهذا فالتخوُّف في محله، لأنه ليست لنا ثقة لنثق في من لا ثقة فيه.

الهلع، مصدر هذا التخوُّف من “ما بعد الإصابة”. هل نحن نملك القدرات على مجابهة الوباء وتحصين البلد والشعب منه والكل يرى أن فعل الأفاعيل في كبريات الدول المصنعة والمتطورة طبا وعلما ومؤسسات ورعاية صحية؟

على هذا الأساس، نرى كيف تحوّل الوباء في بلادنا من هلع وخوف إلى تندُّر وسخرية وفكاهة من الفيروس ومن احتمال دخوله إلى البلد.

لقد أصبحت منصّات التواصل الاجتماعي تعجّ بالمنشورات الساخرة والفكاهية والمتهكّمة من وضع كورونا، ليس في الجزائر فحسب، بل في كل الدول التي هي في نفس الوضع معنا أو أسوأ قليلا أو أحسن بقليل: في العراق، في مصر، في المغرب، النُّكت والطرائف والصُّور المفبركة عن طريق الفوتوشوب والتركيب، عن طريق البوستات التهكمية، الكاريكاتير، الفيديوهات، كلها تعكس كيف أن كورونا في هذه البلدان هو أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام وأنه ليس له قسمة ولا نصيب عندنا، ولن يتمكن من النيل من مواطن نال منه كل منال، ما لم ينله منه مرضٌ من المحيط إلى النيل، ولأنه “منيل بستين ألف نيلة”.. والمثل يقول: “اللي فيك يكفيك”. هذا الشعار وجدناه يشهر حتى في آخر جمعة من الحراك.

إنه التهكّم والضحك والسخرية للتغلب على الهلع والخوف، لأنه لا دواء ولا لقاح ولا إمكانات أكيدة موجودة تحفظ المواطن من الوباء في حال ما إذا حل ولم يرتحل. لهذا، فقبول الضحك رغم الألم، والسخرية على مضض من المرض، هو السبيل الوحيد إلى مقاومة الهلع والخوف وانتظار أن يحل القدر.

الكل يعيب علينا هذا الهلع وهذا الخوف غير المبرر، ويعطونا بالأرقام كيف أن الموت من خلال حوادث المرور الذي يفتك شهريا بالعشرات، لا يعادله “فيروسٌ” ولا “أم كلثوم”.. وأن فيروس الأنفلونزا الموسمية الذي هو شقيق الأخت كورونا من الرضاعة، لوحده قتل هذا الموسم عندنا نحو 20 حالة، ولكن دون ضجيج إعلامي. المسألة لا تعدُّ بالأرقام ولا بالحساب، لأن حسابات المواطن هي من فصيلة أخرى: فهو يرى الإعلام في العالم يتحدث كله عن هذا الوباء، رغم أن الذين امتثلوا للشفاء منه هو أكثر ممن توفوا من جرائه. المسألة تتعلق أساسا بالتخوّف من عدم جديتنا في التعاطي مع الفيروس ومع أيِّ مشكلةٍ أخرى، أو حادثة أو أحداث طبيعية. حتى المطر الذي ما زلنا ننتظره على تخوُّف. لأننا لسنا مستعدِّين لأمطار طوفانية. والسبب كما هو باد، القلق السياسي الوجودي. هو انطباعٌ نفسي بعدم الطمأنينة من أي عارض قد يلحق بنا ويزيدنا مرضا على أمراض.. وطينا على بلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حماده

    كتاباتك تدل على أنك أديب فعلا وبنكهة جزائرية

  • ياسين

    و هل يوجد فيروس أكثر منا نحن عباقرة العالم في تصدير مختلف الأوبئة الاجتماعية للعالم "السرقة، الغش، التايهوديت، هدر الوقت، الفوضى، الأوساخ..الثرثرة..قناص الأخطاء و تضخيمها مهما كانت صغيرة و حجب الإيجابيات مهما كانت كبيرة ..حقرة الضعيف..." هذه هي الفيروسات الحقيقية المعدية التي يجب محاربتها المعششة المخرخة في المجتمع من رجله إلى آخر شعرة من راسه؟؟؟