-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ينبوع السّعادة

سلطان بركاني
  • 459
  • 0
ينبوع السّعادة
أرشيف

سمع النّاس في المدائن أنّ سلمان الفارسيّ –رضي الله عنه- صحابيّ رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- في المسجد، فجعلوا يثوبون إليه، حتّى كانوا نحوا من ألف، فافتتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدّعون ويذهبون، حتّى بقي في نحو من مائة، فغضب وقال: “آ الزّخرف من القول أردتم، ثمّ قرأت كتاب الله عليكم ذهبتم؟!”..
هذه الحال التي وصفها سلمان -رضي الله عنه- هي –مع كلّ أسف- حال كثير منّا مع كتاب الله؛ ترهف أسماعنا وتخشع أبصارنا عند سماع قصص الغرائب والعجائب وأشعار الشّعراء وكلمات الأدباء، وتثقل أسماعنا ونصرف أبصارنا ونلوي أعناقنا إذا سمعنا آيات الله تتلى، وإذا أطرقنا فإطراق ساهين لاهين.. ربّما يكون منّا من يقرأ جريدة كلّ يوم من ألفها إلى يائها، ولا يفتح المصحف ولو مرّة في الشّهر، ومنّا من يتصفّح مواقع التواصل الاجتماعيّ صباح مساء، ليل نهار، من دون كلل أو ملل، لكنّ نفسه لا تطاوعه على فتح المصحف إلا قليلا.. ثمّ نعجب لقسوة قلوبنا وثقل أرواحنا وتعسّر أمورنا!
ينبوع السّعادة بين أيدينا ونحن نبحث عن الرّاحة والطّمأنينة بين ألبومات الأغاني وحلقات المسلسلات، ونطلب السّعادة في الأموال والمطاعم والدور والسيارات.. ((اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)).
فيا من تشكو قلة ذات يدك؛ اقرأ القرآن يجعل الله غناك في قلبك ويغنك عمّا في أيدي النّاس.. يا من تشكو قسوة في قلبك؛ أكثر من قراءة القرآن بتمعّن، وحاول أن تتدبّره، وإن ثقل عليك فاصبر، فوالله ثمّ والله لتجدنّ لِدوام تلاوته أثرا ولو بعد حين.. يا من تشكو كثرة الوساوس وتوالي الأمراض؛ اقرأ القرآن ففيه شفاء ورحمة ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)).. يا من تبت ثمّ عدت إلى ذنوبك؛ إنّ الله يقول: ((كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا))؛ رتّل القرآن وادع الله بحقّ تلاوته أن يثبّت فؤادك ويخرج من نفسك حبّ الدّنيا والتّعلّق بالشّهوات.. يا من تبحث عن السعادة؛ إنّ أسعد اللّحظات في حياة العبد المؤمن، تلك التي يفتح فيها كتاب الله ويستفتح تلاوته، فيحسّ بأنّه مخاطب بتلك الآيات؛ يحسّ أنّ الله سبحانه يناديه ويناجيه بتلك الكلمات، يزجره ويأمره، يرغّبه ويرهّبه، يحسّ بأنّ روحه تصّعّد إلى السّماء، يحسّ بسعادة أيّ سعادة، يعرض حاله على تلك الآيات، على تلك الأوامر والنّواهي والزّواجر، يحسّ بأنّه قد فرّط في جنب الله. يحسّ بحاجة إلى البكاء. يتمنّى لو يعود به الزّمن إلى الوراء ليمحو صفحات لطالما لطّخها بالسّواد. لطالما سوّدها بالغفلة والسّهاد. ولعلّ من أعظم تلك الآيات تأثيرا في النّفوس، تلك التي يتحبّب فيها الله إلى عباده المؤمنين مناديا إياهم بـ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا))، و((يَا عِبَادِي))، فما يأتي بعدها يكون موعظة لو اجتمع أبلغ الوعّاظ على يأتوا بمثلها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وأيّ سعادة وأيّ لذّة أعظم من أن يستشعر العبد أنّ ربّ السّماوات والأرض يناديه ويخاطبه بلفظ العبودية وبلفظ الإيمان؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!