14 ألف طفل قتيل و19 ألف يتيم جراء الحرب في غزة
يقدم المتحدث باسم منظمة اليونيسيف، كاظم أبو خلف، مشهدا مأساويا عن الوضع في قطاع بع سنة الحرب، ويقول إن الأرقام المتوفرة للضحايا من الأطفال تقريبية فقط وليست رسمية.
ويتحدث أبو خلف في هذا الحوار مع “الشروق”، عن الأهوال التي يعيشها الأطفال في غزة من قتل وتهجير وتجويع، ويحذر من خطورة خطوة إسرائيل بحظر عمل منظمة “الأونروا”.
سنة من عمر الحرب على قطاع غزة، كيف تصف اليونيسف الوضع خاصة على مستوى الأطفال؟
ما يجري في قطاع غزة غير مسبوق، غريب وعجيب، بكل المقاييس من حيث ما كُسر من الأرقام القياسية وأضرب للقراء الأمثلة، ومن حيث وقوف المجتمع الدولي موقف المتفرج أو حتى ضرب كل النداءات والإحاطات والبيانات الصحفية عرض الحائط.
15 ألف طفل مصاب بحاجة للعلاج في الخارج
كل هذا يجري في قطاع غزة على مرأى ومسمع الناس، ودون أن يكون هنالك تحرك حقيقي سواء لوقف ما يجري في قطاع غزة أم حتى لإدخال المساعدات أو تحقيق هدنة أو ممرات آمنة.
هل الأطفال في قطاع غزة هم الفئة الأكثر تضررًا مما يحدث هناك؟
طبعا كعادة أي نزاع أو حرب في العالم دائما ما يدفع المدنيون وبالأخص منهم الأطفال الثمن الأغلى والأعلى، بحسب بعض الأرقام المتواضعة، وهي تقديرات بشكل مؤكد انظم إلى قائمة الضحايا من الأطفال ما يزيد عن 14 ألف.
ما هي الإحصائيات التي تحوزها اليونيسيف حول الأطفال، شهداء ومصابين وأيتاما؟
أؤكد أن هذه تقديرات والرقم بالتأكيد سيكون أعلى من ذلك، لأنه لا يُحتسب من هم تحت الردم من المدنيين، والعادة من يكون تحت الردم كذلك النساء والأطفال، ثم أضف إلى ذلك ما بين 17 إلى 19 ألفا تقديرات أصبحوا يتامى، إما يتيم الأب أو الأم أو يتيم الجهتين.
نطلب دخول الأدوية فنفاجأ بشاحنة أوان
الحالات الأخرى لدى الأطفال وهم بالآلاف نتحدث عن المصابين، والجروح متفاوتة منها جروح بسيطة ومنها خطيرة، عدد كبير من الأطفال من فقد أحد أطرافه أو أكثر، كل الأطفال في قطاع غزة خسروا عاما دراسيا كاملا، وهم الآن يخسرون السنة الدراسة الثانية.
كيف تتعاملون الآن مع هذه الوضعية، في ظل هذا العدد الكبير من المصابين والأيتام؟
كل الأطفال في قطاع غزة، ومجتمع قطاع غزة مجتمع فتي 2.3 مليون نصفهم أطفال، كل الأطفال بحاجة إلى دعم نفسي، بحسب بعض التقديرات 15600 طفل يحتاج إلى عملية إخلاء من أجل العلاج يعني الخروج من قطاع غزة للعلاج ولأسباب طبية من هؤلاء 2500 معدل خروج الأطفال -ولا أتحدث عن البالغين- لأسباب علاجية من قطاع غزة انخفض إلى 22 طفلا في الشهر، أي أقل من طفل واحد في اليوم يُسمح له بالخروج من غزة للعلاج، فإذا قسمنا 2500 طفل على المعدل قد نحتاج إلى 7 سنوات حتى نتمكن من إخراج الأطفال الذين يحتاجون للعلاج خارج غزة.
وبالحديث عن العلاج والخروج، بعض الأطفال ممن خسروا أطرافهم، الكل يجمع على أنه كان بالإمكان إنقاذ الوضع لو توفرت الإمكانيات الطبية والكادر الطبي المتخصص أو خبراء في الجراحات والمستلزمات الطبية ولو توفرت مستشفيات وبقيت على حالها ولم تُدمر.
وماذا عن انهيار المنظومة الصحية؟
بالحديث عن المستشفيات من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة لا يوجد ولا حتى مستشفى واحد يعمل بشكل كامل، هنالك 17 مستشفى تعمل بشكل جزئي فقط، وبعضها، يقدم خدمات أقرب ما تكون إلى خدمات أي مركز صحي، وبالحديث عن النقاط والمراكز الصحية المختلفة، عددها 426 فقط، 201 يعمل بشكل جزئي.
قطاع غزة تعرض لقصف مهول جدا جدا طال البنية التحتية طال الجامعات ومراكز الإيواء، طال المدنيين، طال المركبات، حتى الكادر الصحي.
يَجرى الحديث عن 504 هجوم على الأقل على الصحة، هذه الهجومات تشمل مرافق صحية قد يشمل مركبات الإسعاف ومستشفيات ومراكز صحية وغيرها.
هذه الحرب سقط فيها من العاملين في الأمم المتحدة أكثر مما سقط من العاملين في الأمم المتحدة في أي حرب أخرى منذ إنشاء الأمم المتحدة، عدد من سقط من العاملين في المجال الإنساني حتى 322، 241 منهم عاملون في هيئات الأمم المتحدة المختلفة.
بالعودة إلى مسألة الهجوم على الصحة حتى في الصفة الغربية، مقتل أكثر من 700 من الكادر الصحي وهنالك من اعتقل وهنالك من جُرح.
أُطلق تحذير قبل أشهر بخصوص تفشي شلل الأطفال في غزة وبدأت عملية تلقيح، أين وصلت العلمية وهل يمكن القول إننا ابتعدنا عن تفشي الشلل؟
بسبب دمار البنى التحتية وشح دخول المساعدات الإنسانية، وهذا يشمل المياه النظيفة والمياه المستخدمة في الأشياء الأخرى، تم إيجاد في بعض العينات من المياه أنها تحتوي على فيروس شلل الأطفال من النوع الثاني وهذا فيروس خطير، بعدما كان قطاع غزة خاليا منه لعقود.
بمجرد تم اكتشاف هذا الفيروس تداعت المؤسسات العاملة في المجال في الاستجابة الإنسانية وفي الجزء الصحي تداعت للقيام بحملة تطعيم تشمل كل الأطفال من عمر يوم إلى 10 سنوات وعددهم 590 ألف طفل، من خلال جولتين، بدأت الأولى في شهر سبتمبر والثانية بعد ذلك بحوالي 4 إلى 6 أسابيع، ويجب أن تكون التغطية في كل جولة النسبة تتجاوز التسعين بالمئة حتى نستطيع أن ندعي النجاح.
ومن الأهمية أن يكون الفاصل الزمني بالضبط كما حدده الخبراء من 4 إلى 6 أسابيع، تمت الجولة الأولى بالفعل وكانت نسبة الجولة الأولى 94 بالمئة، والجولة الثانية انتهت قبل ساعات وصلت نسبة التغطية فيها إلى 92 بالمئة.
لكن لم يجر التطعيم بالشكل المتعارف عليه، بمعنى أنك تستخدم الإذاعات والمساجد والرسائل النصية على الهواتف النقالة، حتى تقول للناس بأن يأتوا للحصول على التطعيم بشكل روتيني كما هي حال التطعيمات.
ولكن بحكم معطيات الميدان وأعمال الحرب، وبعد الكثير من الأخذ والرد والنقاشات والمفاوضات اتفق على أن يٌقسم قطاع على ثلاث مناطق جغرافية شمال ووسط وجنوب، وكل منطقة تأخذ ثلاثة أيام فقط، بل إن التطعيم يكون في ساعات محددة من الساعة السابعة صباحا إلى الثالثة ظهرا.
وهكذا جرت الجولة الأولى، بداية بالوسط ثم الجنوب ثم في الشمال، ولما شرعنا في البدء بالجولة الثانية في موعدها بعد 6 أسابيع من الجولة الأولى، بدأنا بالوسط ثم الجنوب، ولكن لما أردنا الانتقال إلى الشمال لم تتوقف الأعمال الحربية، وهذا أدى إلى تأجيل عملية التطعيم وهذا له من المخاطر ما له، لأن كل تأجيل في عملية التطعيم يؤثر على الفائدة المرجوة من مسألة التطعيم، التي الأصل فيها أن تمنع الفيروس من الانتشار، هنالك هامش من المخاطرة، عدا عن ذلك ولما أجلناها وبدأنا هذا الشهر كانت الأصل أن تبدأ قبل ذلك بكثير، وبدل أن نغطي كل منطقة الشمال كما حصل في الجولة الأولى قُلصت مساحة التطعيم وانحصرت في محافظة مدينة غزة وما حولها، مع أن أرقامنا تقول إنه في مدينة غزة حوالي 70 ألف طفل وفي شمال المحافظة التي لم نتمكن من الدخول إليها هنالك 50 ألف طفل، وهنا نقول بأي ذنب هؤلاء الأطفال لا يحصلون على حقهم في التطعيم.
فمن يتمكن من الوصول إلى أقرب منطقة تطعيم يصل بأولاده للتطعيم، وهنالك طريقة أخرى هي أن تتجول فرق من المطعمين بين خيام النازحين ومراكز الإيواء واللجوء حتى يقدموا التطعيم.
مسألة التطعيم غاية في الأهمية، وأعتقد أنها كانت مثالا على نجاح التعاون خصوصا بين المؤسسات الأممية الكبرى وكان دور مؤسسة الصحة العالمية إقرار نوع من أنواع التطعيم المعين بالاتفاق مع وزارة الصحة الفلسطينية ثم تولت اليونيسيف مسألة جلب التطعيمات وصناديق التبريد والثلاجات وإدخالها إلى قطاع غزة، ثم بعد ذلك تولت “الأونروا” إعطاء التطعيم من خلال كادر منتشر بأكثر من 700 فريق والعشرات من المراكز الصحية وبالتعاون مع وزارة الصحة الفلسطينية عبر كادرها في قطاع غزة.
ماذا عن الجوع الذي يفتك بالنازحين شمال وجنوب القطاع، كيف السبيل لإنقاذ المحتاجين خاصة الأطفال؟
جهودنا منصبة بالتركيز على الأطفال بحكم ولايتنا لأن مؤسسة اليونيسيف تختص بإنقاذ الأطفال، إنقاذ الأطفال يعني إنقاذ المستقبل وهذا يتفق عليه الجميع.
الأطفال في غزة إما تعرضوا للقتل أو الإصابة أو المرض بحسب منظمة الصحة العالمية هنالك الكثير منهم ممن تعرض لمختلف أنواع الأمراض سواء التهاب الكبد الوبائي أو أمراض جلدية أو التهاب السحايا أو اليرقان أو الحصبة، نقول سمِّ ما شئت من الأمراض تعرض لها الأطفال والبالغين.
أما مسألة اليُتم التي تناولناها سابقا إذا لم يسقطوا هؤلاء الأطفال في واحدة من الفئات هنالك من هو في جميع الفئات يتيم ومصاب ومريض وصدمة نفسية وخسر العام الدراسي وخسر طرفا من أطرافه، هذا إذا لم يكن قُتل وانظم إلى قائمة الضحايا.
هنالك من توفي بسبب سوء التغذية، وبالحديث عن سوء التغذية علميا يحتاج سوء التغذية إلى شرطين توفر المواد اللازمة والمكملات الغذائية اللازمة والوقت يحتاج من 6 إلى 8 أسابيع متواصلة هذه كلمة السر، وأي انقطاع في العلاج يعتبر انتكاسة في مسألة سوء العلاج لدى الأطفال.
في آخر الإحصائيات، واحد من أصل 5 أطفال له سوء تغذية منهم من دخل في دائرة الهزال وهي المرحلة التي إذا ما وصلها الطفل تبدأ الأخطار تتهدد بالفعل.
لماذا يجرى كل هذا؟
لأن المساعدات إلى قطاع غزة لا تدخل بالشكل المطلوب، المساعدات كانت تصل غزة قبل الحرب 500 شاحنة محملة بكافة أنواع المساعدات في اليوم الواحد قبل كل هذا الدمار وبعد كل هذه الزيادات في الاحتياجات وتضاعفها، لا يدخل قطاع أكثر من 30 إلى 50 شاحنة بالمعدل، ماذا أقول عندما اقصد بالمعدل بمعنى أنها لا تدخل كل يوم أي لا توجد استدامة.
كعمال في المجال الإنساني، لا يمكن أن تضع خطة وأنت متيقن انك ستطبقها، ممكن في يوم من الأيام تدخل 150 شاحنة، وممكن تمضي 4 أيام لا تدخل فيها ولا شاحنة واحدة، وعلى هذا الأساس لا يوجد أثر للعمل الذي نقدمه مع شركائنا في المجال الإنساني ظاهر للعيان.
أحيانا حتى الشاحنات لا تدخل وفق ما تحدده الفرق العاملة في المجال الإنساني على أنه من الأولويات تكون للدواء ممكن تدخل شاحنة فيها كتب ممكن لا تدخل فيها كتب ولكن فيها فحم إذا لم يكن فحم ممكن ملابس أو أوان وصحون مع أنك تحتاج إلى دواء وتحتاج إلى أجهزة طبية أو مياه أو طعام.
في كثير من الأحيان الشاحنات عندما تدخل بسبب حاجة الناس وبسبب عدم النظام تتعرض إلى الهجوم من قبل المحتاجين لأن الوضع في قطاع غزة في غاية المأساوية.
يشهد شمال غزة عملية عسكرية وتم خلالها استهداف المستشفيات حتى أصبحت المنطقة كلها من دون علاج، ما تعليقهم على ما يحصل؟
كلنا تابعنا ما نتج عن عملية جباليا بشمال القطاع، هذه العملية تكملة لعمليات عسكرية في الجنوب والوسط والنصيرات والشجاعية، ولكن ما حصل في عملية جباليا الأخيرة والتي خلفت مقتل أكثر من 50 من الأطفال.
مما حصل هنالك على سبيل المثال تدمير بنايتين سكنيتين، وقلت دائما إن الأبنية السكنية يؤوي إليها المدنيون والأطفال منهم على وجه التحديد.
قبل يومين في الصباح توجهت زميلة من العاملات في اليونيسيف إلى مركز تطعيم وقُصفت سيارتها وبفضل الله نجت الزميلة ولكن السيارة تحولت إلى ركام.
القصف يتم بشكل مؤكد لا يكاد يميز ما بين مدني وعسكري، هو قصف عشوائي والأرقام تتحدث عن ذاتها وإلا لما سقط هذا الرقم من المدنيين وهذا الرقم من الأطفال.
المسألة هي مسألة عدم تمييز بين أهداف مدنية وعسكرية، وهذا كله مخالف لأحكام القانون الدولي الذي تفيد أحكامه بأن الهياكل المدنية والبنى التحتية المدنية بما في ذلك المباني السكنية والعاملون في المجال الإنساني ومركباتهم كلهم يجب أن يتمتعوا بالحماية الدائمة وفق القانون الدولي، أما أوامر تهجير السكان وإخلاء منازلهم، فهذا لا يعني أنه من يرفض من السكان أن يخلي بيته أصبح هدفا عسكريا مشروعا.
لا يعطي الحق لأي من أطراف النزاع بأن تستهدف مدنيا، لأنه أعطي أمر إخلاء ولكنه تعثر في عملية الإخلاء أو لم يرد المغادرة، لأن القانون الدولي الإنساني يعتبر المدنيين في مناطق النزاع يجب أن يعطوا ما يبقيهم على قيد الحياة سواء اختاروا النزوح أم البقاء.
أمر الإخلاء لا يعفي أيا من طرفي النزاع، من ضرورة التمييز بين الهدف المدني والهدف العسكري، ولكن الوقائع على الأرض في قطاع غزة تفيد بغير ذلك، فالأطفال يدفعون ثمنا أعلى وأغلى لحرب لم يبدؤوها ولا يستطيعون وقفها، هم في خطرها وأكبر ضحاياها.
إسرائيل تقرر حظر عمل “الأونروا” ماذا تعني هذه الخطوة بالنسبة لكم؟
الأدهى أن الاونروا أصبح وجودها على الأرض ممنوعا، يجب أن يكون الأمر واضحا الأونروا التي تعمل مع اللاجئين منذ عقود سواء في الضفة أو في غزة وعملها في سوريا والأردن ولبنان، تحولت مع الزمن إلى رمز للجوء، وهي تذكر الناس بالقضية الفلسطينية، الأونروا هي العمود الفقري لعملية الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة، لها مئات المركبات ومئات المرافق عدد كبير من المدارس على الأقل 300 ألف طفل يتعلم في مدارسها.
لديها 13 ألفا من الموظفين، آلاف المعلمين والكادر الصحي، من الطبيعي أن تتولى الأونروا مسألة التطعيم مع وزارة الصحة، دورنا في اليونيسف كان جلب التطعيمات، عددنا في غزة لا يتجاوز السبعين من الموظفين مقارنة بـ13 ألف في الأونروا، حتى المؤسسات العاملة في الاستجابة الإنسانية تعتمد على الأونروا، ذهاب الأونروا يؤثر على عملية الاستجابة الإنسانية لا نبالغ عندما نقول إنها العمود الفقري لإنقاذ الحياة، وقبل الحرب كان مليون مواطن يعتمد عليها في طعامه.