-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

2022.. عامٌ لزوال إسرائيل أم لتصفية قضية فلسطين؟

الشروق أونلاين
  • 2074
  • 0
2022.. عامٌ لزوال إسرائيل أم لتصفية قضية فلسطين؟
ح.م

لست من المولعين بلغة الحسابات والتوقعات بشأن زوال إسرائيل التي أصبحت تستهوي فريقا من الباحثين العرب والمسلمين المتخصصين في الصراع العربي الإسرائيلي، لأن هذه الحسابات والتوقعات في اعتقادي لا تختلف كثيرا عن التكهُّنات التي يخوض فيها غير المتخصصين الذين وجد بعضهم في موضوع زوال إسرائيل في 2022 مادة دسمة لادِّعاء السبق واختلاق الأحاديث التي جعلوا لها سندا من القرآن الكريم حتى تلقى قبولا لدى المتلقي العربي لإيمانهم بأن هذا الأخير يقرُّ بقداسة النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إن التعويل على لغة الأرقام في الحديث عن زوال إسرائيل بدعة كرسها بعض الباحثين في مجال تحليل بعض النبوءات القرآنية تماما كما فعل آخرون في مجال بيان بعض مظاهر الإعجاز القرآني. ليست لغة الأرقام أو بالأحرى لعبة الأرقام في التنبُّؤ بزوال إسرائيل إلا طريقة نشازا في تأويل النصّ القرآني لا تختلف عن طريقة بعض المشعوذين في قراءة الفنجان وفكّ الطلاسم والألغاز.

 في القرآن الكريم وبعض الأحاديث النبوية حديث عن هزيمة مؤكدة ومنكرة لشذاذ الآفاق ونهاية لمسلسل الاختلاق الذي أسسوه على مدار قرون متطاولة، وهي أخبار نجزم بصحتها لأنها ثابتة بالنص القرآني والحديث اللذين لا نختلف في حجيتهما، يقول الله سبحانه وتعالى: “وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعدُ الآخرة جئنا بكم لفيفا”، هذا وعيدٌ إلهي لا ريب فيه وسيتحقق في زمن ما من التاريخ الإنساني، ولكن متزامنا مع حادثة قيام الساعة أو أحداث النهاية كما يسمِّيها بعض المهتمين بالدراسات الكتابية، وللشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تفسيرٌ بليغ للنهاية اليهودية المحتومة حيث يقول: “..والمجيء بهم لفيفا إنما يعني أن يجمعهم في وطن قومي لتأتي لهم الضربة القاصمة التي ذكرها الحق سبحانه في قوله: “فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا”. وفي الحديث الصحيح: “لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود”.

يفسِّر بعض خصوم الإسلام وحتى بعض أبنائه من بني جلدتنا هذا الحديث تفسيرا عجيبا ويستدلُّون به على ما يسمونه “ثقافة الكراهية” التي يحملها الإسلام ضد أتباع الديانات الأخرى وفي مقدمتهم اليهود، ما يتناقض –حسب زعمهم- مع دعوى السلم الإنساني التي يرافع ويدافع عنها المفسرون والمفكرون المسلمون. ليس المراد من هذا الحديث احتقار العرق اليهودي فالإسلام ينبذ عنصرية الأعراق، وليس المراد منه الدعوة إلى عملية إفناء أعمى للعنصر اليهودي بدافع التعصب الديني، وإنما المراد منه أن الجزاء الذي سيناله شذاذ الآفاق في آخر الزمان سيكون بسبب ما كسبت أيديهم وبسبب بدئهم بالعدوان ومن ثمَّ فإن الموقف الفطري والطبيعي أن يهُبَّ المسلمون لرد العدوان عملا بالقاعدة القرآنية: “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم”.

إن زوال إسرائيل حتمية قرآنية وتاريخية لا تحتمل الشك، ولكننا لا نملك ولو على وجه الترجيح توقع الزمن الذي ستحدث فيه هذه الواقعة التي ليس لها كاذبة، ومن ثم فلا يُقبل أن نتعامل معها بلغة حسابية ورقمية ونغفل عن تأدية دورنا في الصراع العربي الإسرائيلي الذي لم نحقق بشأنه تقدُّما يُذكر بل نحن سائرون نحو المجهول ونحو تكريس الانتكاسات التاريخية والتسرية على أنفسنا وأمتنا وأجيالنا باستحضار بعض النبوءات القرآنية والنبوية التي آمنا بها نصا ولكننا كفرنا بها واقعا فقعدنا عن المواجهة وانزوينا بعيدا نرتقب وقوع الواقعة، فماذا ستجدينا أرقامنا وحساباتنا في صراعنا مع اليهود المغتصبين الذين يحاربوننا بشعار “حدودنا التوراتية” ونحاربه بشعار “وعودنا القرآنية”؟ إن هذه الوعود القرآنية حقّ لا مِرية فيه ولكنها ليست لاغية  للجهد الإسلامي، فبقدر جهدنا يتحقق النصر وبقدر تقاعسنا نشرب من كأس الهزيمة حتى الثمالة، يقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. لم ينتظر عمر الفاروق رضي الله عنه أن يتحقق له النصر بقدرة قادر أو تأتيه مفاتح بيت المقدس على طبق من ذهب، بل قدَّم الأسباب وأعدَّ الحِراب وأرسل السرايا إلى أن تحقق النصر الموعود وذهب بنفسه لتسلم مفاتح بيت المقدس من يد بطريرك أورشليم “صفرونيوس”.

لقد كثر المتنبئون بزوال إسرائيل -وهي أغلى أمنياتنا جميعا- ولكننا لا نجد في نبوءاتهم إلا محاولة لطرد ثقافة اليأس والتسرية على النفوس المهزومة والأمة المكلومة التي هزمها شذاذُ الآفاق وسلبوا منها أغلى درَّة وهي فلسطين وانتقلوا في السنوات الأخيرة اعتمادا على حجم التأييد الذي يلقونه من دوائر صناع القرار المؤيدين لهم من طور التصوُّر لما يُسمَّى “دولة إسرائيل” على حدود التوراة إلى طور التنفيذ، وهي العملية التي تقتضي حسبهم تصفية قضية فلسطين أو إلهاء وإرضاء الفلسطينيين ببعض فلسطين على حدود سبعة وستين أو بدولة بديلة أو بدويلة على حدود الضفة والقطاع.

ليس القصد من هذا المقال التقليل من أهمية ما كتبه بعض الباحثين بخصوص زوال إسرائيل وإنما المقصود أن ما قاموا به -على أهميته- إنما هو جهدٌ غبين وخاصة حينما يجهد هؤلاء عقولهم في توظيف لغة الأرقام وحشو عقول المسلمين بها بدلا من الاستثمار في المادة الإسلامية الحيوية والعمل بمقتضى فقه المرحلة لتجاوز الأزمة وإفشال المخطط الصهيوني لتصفية قضية فلسطين وحشد أهلها في تجمُّعات سكانية أشبه بالمحتشدات.

تحدَّث كثيرون عن زوال إسرائيل وحشوا عقولنا بعمليات حسابية معقدة نحن في غنى عنها، ومن هؤلاء “باسم نهاد جرار” في بحثه الموسوم: “زوال إسرائيل: نبوءة أم صدفٌ رقمية؟”، وهو البحث الذي أعاد الباحث الجزائري الشاب “بزيو صالح”  تكراره واجتراره ثم خرج علينا كما أوردت الشروق – والعهدة على الراوي- بوعد صادق مفاده ترقب نشره لبحث مثير للجدل بعنوان: “نهاية إسرائيل 2022: نبوءة وتأريخ”. وليس من باب التثبيط أن أنصح الباحث الشاب بأن يعزف عن نشر المقال حتى لا يقع في التكرار والاجترار الذي سيكون له تأثيرٌ سلبي في مستقبله البحثي لأن نبوءة زوال إسرائيل عام 2022 من النبوءات التي أسالت حبرا كثيرا وتصدى لها جمعٌ كثير من الباحثين ولا أظن أنه بإمكانه وهو الباحث المبتدئ وغير المتمرس إضافة الجديد في هذا المجال.

إن التنبؤ بزوال إسرائيل حقيقة يتفق حولها المسلمون واليهود على حد سواء وهي حتمية وليست مجرد واقعة محتملة، فعربيا وإسلاميا، هذا “أسعد بيوض التميمي” يكتب “زوال إسرائيل حتمية قرآنية”، وهذا الشيخ عبد المعزّ عبد الستار يكتب “اقترب الوعد الحق يا إسرائيل”، وأما يهودياً، فإن بعض اليهود يذهبون إلى توقع زوال إسرائيل في مرحلة لاحقة أي في سنة 2048، حيث أنه في سنة 2010 تم إصدار الفيلم الإسرائيلي “2048” الذي أخرجه المخرج الإسرائيلي “يارون كفتوري” حيث يتوقع الفيلم زوال إسرائيل بذكرى مئويتها في عام 2048 وتشتت مواطنيها حول العالم بسبب ضعف القيادات وتحلل وفساد مواطنيها اليهود وانقساماتهم.

ليس من باب نشر ثقافة اليأس القول بأن 2022 لا أراه -و الله أعلم- بناء على بعض معطيات ومستجدات الصراع العربي الإسرائيلي عاما لزوال إسرائيل بل أراه على خلاف ذلك عاما لتصفية قضية فلسطين ومن الأحداث الدالة على ذلك:

1- تصاعد حجم الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني في عهد دونالد ترامب والتداعيات السلبية لقراره القاضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

2- إغلاق مكاتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ووقف أو تقليل الإمدادات والتبرعات لصالح القضية الفلسطينية.

3- تشتُّت الصف العربي وتصاعد وتيرة الهرولة والتطبيع المجاني مع إسرائيل وإخفاق مشاريع الوحدة الوطنية الفلسطينية.

4- الاستثمار الصهيوني فيما يسمى الربيع العربي والذي من نتائجه اهتزاز الثقة بين القيادات والشعوب العربية وعدم إيمان فصائل المقاومة أو بعضها على الأقل بنجاعة دور القيادات العربية في حسم الصراع العربي الإسرائيلي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!