7 أكتوبر شقيق أوّل نوفمبر
تبارك الذي خلق الليل والنهار، فجعل بعض الأزمنة مظلمة، وبعضها مضيئة. وجلّت قدرة الله، التي جعلت اليوم الواحد مظلما عند البعض، ومضيئا عند قوم آخرين فهذا الفاتح من نوفمبر، الذي يمثل في جزائرنا يوم الأحياء، ويوم الإحياء، كان يوما مضيئا، لأنه أشرق ومعه استهلال البشائر بميلاد الدولة الجزائرية، مطموسة الجوانب طيلة ما يزيد على المائة والثلاثين سنة.
اليوم نفسه، تجلّى على الفرنسيين بالظلمة والعتمة، لأنه يمثل عندهم عيد الموتى، وفيه دفنٌ لأحلام إمبراطورية، ظلت تطاول في الآجال.
تلك كانت قصة ميلاد الثورة الجزائرية العملاقة التي بددت سحبا مثقلة بالغيوم والهموم، وأعلنت بداية عهد جديد، رسمت فيه للشعوب المضطهَدة، طريقا للخلاص.
ويا ثورة حار فيها الزمان وفي شعبها الهادئ الثائر
* * * *
تأذّن ربك ليلة قدر وألقى الستار على ألف شهر
إن أول نوفمبر، الذي خلد هذه السنة الذكرى السبعين لانطلاقة أول رصاصة، تحت شعار الله أكبر، هو الذي مكّن لجزائرنا، بعد سنوات عجاف طوال، من الدم والدموع، من أن يشيع اليوم في ربوعها العزة والكرامة، ويمكّن من التطلع إلى مستقبل زاهر، يبشر بالاستقرار والانتصار على التخلف.
وثورة قلبي كثورة شعبي هما ألهماني فأبدعت شعرا
إنها ثورة الفجر الصادق، الذي لا يكذب يومه، وإنها معركة الفرقان، التي فرَّق الله فيها بين الحق والباطل.
واليوم، إذ تعلو الزغاريد في أرجاء وطننا احتفالا بالنصر، وإذ ترفرف أعلامنا خافقات في سماء بلادنا الصافية، فالفضل بعد الله، يعود إلى قوافل الشهداء الذين شقوا الطريق بدمائهم وإبائهم، فتحقّق لنا هذا المشهد الاستعراضي الذي عاشه الجزائريون بكل سُؤدد وافتخار.
على أننا، ونحن نعيش نشوة النصر في نوفمبر، ينغِّص علينا ذلك، ما يعيشه شعبنا العربي الشقيق في فلسطين، وفي لبنان، وفي أجزاء أخرى من وطننا الكبير.
وما يخفف من آلامنا، ويداعب مشاعرنا، هو أن السابع من أكتوبر هو شقيق الفاتح من نوفمبر، فكلاهما خرج من رحم الظلم والظلمة، لينعم بنور الفجر، ويسير على خطى النصر.
فلبت فلسطين تقفو خطانا وتطوي كما قد طوينا السنينا
وبالقدس تهتمّ لا بالكراسي تميل يسارا بها ويمينا
لقد كان لفلسطين في ثورة الجزائر أسوة حسنة، منها يستلهم معاني الخلاص، ويستخلص دروس المقاومة، بالتضحية والاستبسال، كي يحقق ما حققه شقيقه الشعب الجزائري.
على أننا، ونحن قد نسلّم بأن الحادثة التاريخية لا تعيد نفسها، كما يقول علماء الاجتماع، إلا أننا نؤمن بأن درب الكفاح واحد، وما حقَّقته الثورة الجزائرية، يمكن أن يحققه “طوفان الأقصى”، بشرط واحد، هو التوحيد والوحدة، فصحابة بدر الذين بزغوا في ثورة الجزائر وقدّموا الدروس لكل ثائرة وثائر، هم أنفسهم صحابة بدر في “طوفان الأقصى”، الذين ما فتئوا يلحقون بالعدو الصهيوني الجبان، مختلف أنواع الخسائر، النفسية، والمادية، والسياسية، وإننا على ثقة من أن النصر سيكون حليف طوفان أكتوبر، كما كان حليف ثورة نوفمبر.
لكن ما ينبغي تأكيده، في هذه الرحلة من النضال، هو أن حرب غزة وفلسطين عموما، هي امتحانٌ عسير لضمير الإنسان العربي، والمسلم، والإنسان ي في كامل الأوطان، فما كان لإسرائيل، أن تتمادى في عربدتها، وفي حربها الوحشية الإبادية ضد النساء والأطفال، لولا صمت مخجل من الحكام العرب والمسلمين، ولولا تواطؤ مخز من أعداء الإنسانية في الغرب المتواطئ والمتعصِّب ضد العرب والمسلمين.
من هنا تأتي ضرورة تفعيل فتاوى العلماء، بحرمة الموالاة للأعداء، وحرمة تجنيد المسلمين في جيش الصهاينة، ومقاطعة كل السفن التي تحمل السلاح والمؤن، المتجهة إلى إسرائيل، للمشاركة في حربها ضد إخواننا المقاومين.
كما أن على الشعوب العربية والإسلامية، وحتى الإنسانية في دول الغرب، عليها أن تحشد طاقاتها لتوعية القوى الحية، بضرورة الضغط على أنظمتها لتكف عن تأييدها الأعمى للصهيونية، وهي تقدم على مجزرتها في كل يوم وليلة.
وإذن، لقد اتضح سبيل المعركة في فلسطين، كما وضحت من قبل على خطى نوفمبر، وإن ما يعانيه الفلسطينيون اليوم من هدم ودمار قد عشناه من قبل في الجزائر، وبفضل صمودنا، وجنودنا، وعهودنا، تمكنا من دحر العدو المدجج بالسلاح الفرنسي والأطلسي، لأن قوة الحق لابد أن تهزم حق القوة.
ويبقى على العرب والمسلمين على الخصوص مسؤولية حشد الدعم، أوَّلا بتقديم العتاد، والزاد، لتقوية الجهاد، وأيضا بالإقدام على الخطوات الشجاعة، وتتمثل في إلغاء التطبيع، وسحب السفارات من عواصم الدولة التي تقدّم الدعم غير المحدود للعدو.
ما استطاعت الصهيونية البربرية أن تُقدم على مثل هذه المغامرة الإبادية إلا بالتأييد المعلن والخفي من بعض الأنظمة العربية، والإسلامية، وما كان لها أن تتفنن في استخدام مختلف الصواريخ، والطائرات المسيّرة، إلا بفضل الأموال المودعة في البنوك الغربية، والتي تتحول إلى سلاح يفتك بالعزّل من الفلسطينيين واللبنانيين.
ومن هنا تأتي ضرورة تفعيل فتاوى العلماء، بحرمة الموالاة للأعداء، وحرمة تجنيد المسلمين في جيش الصهاينة، ومقاطعة كل السفن التي تحمل السلاح والمؤن، المتجهة إلى إسرائيل، للمشاركة في حربها ضد إخواننا المقاومين.
كما أن على الشعوب العربية والإسلامية، وحتى الإنسانية في دول الغرب، عليها أن تحشد طاقاتها لتوعية القوى الحية، بضرورة الضغط على أنظمتها لتكف عن تأييدها الأعمى للصهيونية، وهي تقدم على مجزرتها في كل يوم وليلة.
وليثق الجميع أن كل قطرة دم فلسطينية أو لبنانية تُراق، تثقل ضمير كل إنسان.
﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾[سورة الزمر، الآية 22]، ومن حكم التاريخ.