-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمّة المسلمة ودرس مهمّ في التّعالي عن المادية

سلطان بركاني
  • 706
  • 2
الأمّة المسلمة ودرس مهمّ في التّعالي عن المادية
ح.م

تابع المسلمون في الأيام القليلة الماضية الحوار الذي خصّ به الرئيس الفرنسي قناة الجزيرة القطرية، وقد كان واضحا أنّ “ماكرون” أراد أن يبعث من خلال “الجزيرة” برسائل توضيحية إلى ما يقرب من ملياري مسلم؛ يظنّها كافية لكسر حملة المقاطعة التي أخذت في الاتّساع وجرّت على ساكن الإليزيه الذي يستعدّ لدخول السباق الرئاسي في أفريل 2022م انتقادات واسعة لتماديه في استفزاز المسلمين، ومغامرته بالاقتصاد الفرنسيّ.

 حملة مقاطعة البضائع الفرنسية التي انطلقت بُعيد تصريحات الرئيس الفرنسيّ المؤيّدة لسفاهات صحيفة “شارلي إيبدو” وإساءاتها إلى النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم، والتي كانت بدايتها (أي حملة المقاطعة) من الكويت التي أعلن شعبها هبّة واسعة لتطهير المحلاّت من السلع الفرنسية، وكانت الأمور تتّجه إلى تجميد تبادل تجاري يصل إلى 21 مليار دولار سنويا بين البلدين، وربّما تتوسّع الهبّة لتصل إلى خسارة فرنسا ما لا يقلّ عن 300 مِليار دولار؛ حجم المبادلات والاستثمارات بين باريس ودول الخليج وحدها.. هذه الحملة أربكت الأوساط الاقتصادية والسياسية الفرنسية، وعرّضت ماكرون إلى ضغوط كبيرة ليتخلّى عن عنهجيته، ويتراجع خطوات إلى الوراء، وهو ما حصل بالفعل، حيث عاد ليغرّد على صفحته بالعربية، وتبعه بعض الوزراء الذين أدلوا بتصريحات ملطّفة للأجواء، قبل أن يظهر ماكرون على شاشة الجزيرة ليقول إن الأخبار التي زعمت أنه يدعم الرسوم المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) مضللة ومقتطعة من سياقها، مؤكدا أنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء هذه الرسوم، ليخرج وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” بعدها معلنا عن عودة سفير باريس لدى تركيا إلى أنقرة الأحد المقبل (8 نوفمبر).

لقد أثبتت هذه التجربة، إضافة إلى تجارب سابقة، مدى فعالية المقاطعة التجارية لبضائع ومنتجات الدول المسيئة إلى ثوابت ومقدّسات المسلمين، عكس ما يروّج له بعض العلمانيين وبعض المخذّلين بأنّ المسلمين لن يستطيعوا مقاطعة المنتجات الغربية وإن قاطعوا بعضها فإنّ ذلك لن يزعزع اقتصاديات الدول المستهدفة قيد أنملة ولن يؤثّر شيئا في سياساتها؛ فها هي فرنسا صاحبة سادس اقتصاد في العالم، تنحني أمام المقاطعة الإسلامية في بداياتها، برغم فتاوى التخذيل ودعوات الإرجاف، وبرغم دخول بعض الدول الأوروبية على خطّ دعم باريس في مواجهة المقاطعة الإسلاميّة!

إنّه لو لم يكن لسلاح المقاطعة كلّ هذا التّأثير، بل لو لم يكن له أيّ تأثير على اقتصاد الدول المستهدفة، لكان يكفيه أنّه دليل على حياة الأمّة وغيرتها على دينها ومقدّساتها ورموزها، وعلى استعدادها للتّضحية بالحظوظ الدنيوية نصرة لقضايا دينها، وهذا الهدف أهمّ من كلّ هدف آخر، وهو ما يثير إعجاب المنصفين في الغرب بالمسلمين وبعزّتهم، ويحدوهم إلى التقرّب أكثر من الإسلام لمعرفته عن قرب، بعيدا عمّا ينفثه الإعلام ويروّج له السّاسة، وكم كانت حملات المقاطعة التي يتداعى إليها المسلمون سببا في إسلام مئات الغربيين الذين يُعجبون بغيرة المسلمين لدينهم وحبّهم لنبيّهم في زمن طغت فيه المادية ودفنت المبادئ، يقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر “ميشيل أونفراي”، تعليقاً على مشاعر المسلمين الصادقة نصرة لسيّد الخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم: “المسلمون أعطونا درساً، ولهم الحقّ في ذلك، وهو التصدّي للماديّة؛ فهم يحملون القِيَم والأخلاق والروحانية والأدب”.

المنصفون والباحثون عن الحقّ في بلاد الغرب، يرمقون ردود أفعال المسلمين تجاه الإساءات التي يتعرّضون لها، وفي دواخلهم فطرة إنسانية ترفض الذلّ وتأبى مبدأ “من ضرب خدّك الأيمن فأدر له الأيسر”. كثير منهم لا تعجبهم ردود الأفعال غير المنضبطة، وكثير منهم أيضا لا تعجبهم ردود الأفعال التي تقف عند حدّ الكلام وحني الرؤوس أمام الغرب القويّ!.. كما أنّ سفهاء العالم الغربيّ المعتاشين على الطّعن في الإسلام يرمقون ردود أفعال المسلمين لينظروا إن كان في وسعهم أن يطلقوا العنان لألسنتهم وأقلامهم أم إنّه يتعيّن عليهم كبح جماحها.. وبين هؤلاء وأولئك، فالمسلمون مطالبون بنصرة دينهم وقضاياهم بوسطية الإسلام لا بوسطية تصنعها الأهواء والأذواق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • RG

    لو أتحدى الغرب مع موقف ماكرون و منعوا بضاعتهم عن المسلمين فسيأكلكم القمل
    لكنهم لا يفعلون لأنهم راشدين بما يكفي لأن لا يتصرفوا كالأطفال الصغار
    ماذا لو تكلمت عن أفاعيل المسلمين في فرنسا

  • جزايري حر

    بارك الله فيك ، فالمخذلون من أذناب الغرب يستمرؤون الذل والانبطاح...