-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تقف على آثارها المدمرة لنبات الصبار والتين الشوكي بتلمسان

الحشرة القرمزية.. الوباء القادم من المغرب

تحقيق: عبدالقادر بوشريف
  • 26279
  • 2
الحشرة القرمزية.. الوباء القادم من المغرب
أرشيف

تواصل السلطات الولائية والجهات المختصة بولاية تلمسان في مكافحة الآفة البيئية التي تسبّبت فيها الحشرة القرمزية، من خلال قلع وردم نباتات الصبار المتضررة من هذه “الحشرة”، وتكثيف الحملات التحسيسية التي تدعو إلى الحيطة والحذر والإبلاغ عن أي بؤر جديدة، وتواصل الحشرة القرمزية هي الأخرى انتشارها مثل النار في الهشيم في المساحات الغابية المزروعة بنبتة الصبار بالمناطق الحدودية الغربية، مخلفة أضرارا كبيرة بنبتة الصبار والتين الشوكي، مشكّلة بذلك آفة بيئية حقيقية، إن لم نقل وباء إيكولوجيا يزحف بوتيرة رهيبة نحو المناطق الأخرى، منها الغربية والشرقية والشمالية للولاية.

وساعدت الظروف المناخية هذا الوباء على الانتشار أكثر، خاصة ارتفاع الحرارة والرطوبة باعتبارهما عاملان جعلا من “الحشرة القرمزية” تتوغل أكثر وتستمر في زحفها السريع، يقابلها من جهة أخرى، مقاومة مستميتة من قبل اللجنة الولائية التي تم تشكيلها منذ إعلان وزارة الفلاحة عن اكتشاف النقاط السوداء الأولى لهذا الوباء.

جهود حثيثة لمحاصرة الوباء
وفي هذا السياق، اتخذ والي ولاية تلمسان، قرارا يقضي بتشكيل لجنة مكافحة هذه الحشرة والاعتماد في محاربتها على القلع والردم، وهي المهمة التي أسندت إلى عديد الهيئات منها مديرية المصالح الفلاحية ومحافظة الغابات، والديوان الوطني للنباتات الغابية ومختلف المصالح الأمنية، وعقد اتفاقية مع المؤسسة العمومية “صفا الظهرة” المختصة في الأشغال العمومية، حيث تعمل هذه اللجنة، منذ تنصيبها، على اتخاذ جملة من الإجراءات الميدانية والعملية وأخرى استباقية في محاولة منها لحصر النقاط السوداء، ووضع أحزمة أمنية للحد من هذا الخطر البيئي الذي بات يهدّد نبات الصبار والتين الشوكي.

ظروف مناخية ساعدت على انتشار المرض
وساعدت التغيّرات المناخية التي تشهدها ولاية تلمسان، على غرار باقي جهات الوطن منذ سنوات في ظل الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، على انتشار المرض ولم تكن حليفة المجهودات المبذولة ميدانيا، بل تواطأت مع هذه الحشرة التي يزداد تكاثرها بأضعاف مضاعفة كلما ارتفعت درجات الحرارة وزادت نسبة الرطوبة، وهما عاملان منحا للحشرة القرمزية “عمرا طويلا” وجعلاها على قيد الحياة لأيام وشهور تتغذى من نبتة الصبار وتتكاثر.

آثار مدمرة ومخاوف كبيرة وسط السكان
الاجتياح الرهيب الذي أحدثته الحشرة القرمزية (حشرة قشرية)، وما خلّفته من آثار مدمرة على ألواح الصبار في العديد من القرى والمداشر وفي الكثير من المناطق الحدودية، على غرار منطقة بوكانون، سيدي بوجنان، مسيردة الفواقة وغيرها من المساحات التي تستوطنها هذه النبتة الغابية، كما هو الشأن مع تلك المتواجدة بالمناطق الساحلية، جعل هذه “النبتة” تحت رحمة هذه الحشرة، تصارع التلف أمام كائن رخوي يزداد شراسة ولا يرى سوى ألواح الصبار غذاء له، ومكانا مفضّلا للتكاثر، لتصبح هذه الحشرة، مع مرور الأيام، خطرا وبائيا حقيقيا يزحف نحو مساحات أخرى بالولاية.
هذا الواقع دفع بالكثير من سكان هذه المناطق إلى التعبير عن تخوفهم وقلقهم ليس فقط على فقدان هذه الثروة الغابية، بل وأيضا على ما يمكن أن تخلّفه من آثار على صحة الإنسان، بل تعالت الكثير من الأصوات التي دعت إلى تجنّب أكل “التين الشوكي”، هذه الثمرة التي كانت بالأمس القريب ملاذ المواطنين خلال الصيف باعتبارها “فاكهة الفقراء” الموسمية التي يكثر عليها الطلب في فترة الصيف، ناهيك عن ظاهرة تكاثر الناموس الذي أصبح يؤرق بال السكان، ويضطرهم “مكرهين” إلى غلق النوافذ وتحمّل الحر الشديد حتى لا تجتاح أسراب الناموس بيوتهم، تجنّبا للسعات التي لا تستثني أحدا ولا تخطئ لا الصغار ولا الكبار.

مستثمر مغربي وراء انتشار الحشرة
وتساءل البعض الآخر من المواطنين عن مصدر هذه الحشرة، من أين جاءت؟، ولماذا المناطق الحدودية المجاورة للمملكة المغربية دون غيرها من المناطق الأخرى بالجهات الشمالية أو الشرقية أو الغربية للولاية؟.
وللوقوف على كل هذا، اقتربنا من بعض المواطنين ومن مصادر رسمية، أكدت لـ”الشروق”، أن مصدر انتشار هذا الوباء الإيكولوجي، لم يأت من عدم، بل يعود سببه إلى مستثمر مغربي أراد الاستثمار في المواد التجميلية، فقام بجلب هذه الحشرة إلى المملكة المغربية من أجل إنشاء مشروع استثماري يخص صناعة المواد التجميلية، باعتبار أن هذه الحشرة تفرز سائل “الكارمين” القرمزي، وهو السائل الذي يستعمل في صناعة مستحضرات التجميل، غير أن عملية تكاثر الحشرة القرمزية وارتفاع درجة الحرارة جعلها تنتشر في المساحات الغابية، وقد ساعدت الرياح في انتقالها عبر الهواء إلى المناطق الشرقية للمملكة المغربية لتزحف، بعد ذلك، إلى المناطق الغربية بالحدود الجزائرية – المغربية، ولأن هذه الحشرة الرخوية لا تتغذى إلا من نبتة الصبار، وليس هناك أفضل من لوحات الصبار التي تساعدها على إلصاق خيوطها من أجل التكاثر وتوفير غذائها، مما جعلها تجد التربة الخصبة والظروف المناسبة لمواصلة زحفها بسرعة فائقة، محتلة كل المساحات التي يستوطنها التين الشوكي.

أحزمة أمنية للحد من تفشي الوباء
ومع اكتشاف النقاط السوداء الأولى بالحدود الغربية، سارعت وزارة الفلاحة إلى الإعلان عن ذلك، مطالبة باتخاذ الإجراءات الاستباقية والعملية من السلطات الولائية بتلمسان للحد من انتشار هذه الحشرة، أين تم اتخاذ قرار ولائي بتشكيل لجنة مكلفة بمكافحة انتشار هذه الآفة، وكان ذلك في صائفة 2021، وتشكّلت اللجنة من المعهد الوطني للنباتات الغابية، محافظة الغابات والمديرية الولائية للمصالح الفلاحية، بالإضافة إلى مختلف الأسلاك الأمنية، فيما تم عقد اتفاقية مع مؤسسة “صفا الظهرة”، وهي شركة عمومية للأشغال الغابية، لتنطلق بعد ذلك عملية المكافحة الإجبارية من خلال قلع وردم نباتات الصبار المتضررة، غير أن الطبيعة الجغرافية للمناطق الحدودية والتضاريس الصعبة، بالإضافة إلى كون نبتة التين الشوكي غالبا ما تنبت في حواف القرى والمداشر وفي المنحدرات وبالقرب من الوديان والمسالك الوعرة، ناهيك عن كونها تنبت بطرق عشوائية وفوضوية، دون الحديث عن الظروف المناخية.
كل هذه الظروف الطبيعية ساعدت على انتشار هذا الخطر البيئي، الذي أشارت بشأنه العديد من الدراسات العلمية التي اطلعنا عليها إلى أن التغيّرات المناخية من ارتفاع الحرارة والرطوبة تساعد في تكاثر أنثى هذه الحشرة، وتساهم درجات الحرارة في بقاء هذه الحشرة على قيد الحياة لما يقارب الـ100 يوم، وهي فترة كافية لأنثى الحشرة على البقاء حية، تحمي بيضها في أماكن الظل بألواح الصبار التي تتغذى منها أثناء تكاثرها، حيث تعمل هذه الحشرة، أثناء مبيضها وتكاثرها، على إنتاج خيوط قشرية بيضاء تغطي لوحة الصبار وتعمل على إتلافها مفرزة مادة “الكارمين” الحمراء التي تستعمل، غالبا، في صناعة المستحضرات التجميلية، مما ساهم في زحف هذه الحشرة وتحولت بذلك إلى آفة بيئية، الأمر الذي دفع السلطات الولائية إلى بذل مجهودات إضافية من أجل التقليص من البؤر السوداء، ووضع أحزمة أمنية بالمناطق التي عرفت تضررا من هذا الوباء، حتى تحدّ من زحف الحشرة إلى مناطق أخرى.

الحشرة تزحف على 35 بلدية
وتكلّلت مجهودات اللجنة المكلفة بمكافحة هذا الخطر الإيكولوجي، حسب ما كشفت عنه مصادر “الشروق”، بالقضاء على ما يزيد عن 12 بؤرة سوداء بالمناطق الحدودية والساحلية، ولا تزال عملية المكافحة مستمرة، رغم العوامل الطبيعية والظروف المناخية التي اختارت “التحالف” مع الحشرة وحاولت تقييد المجهودات المبذولة، وما توفر من إمكانيات، يضاف إلى هذا قلة الإمكانيات المتوفرة لدى عديد البلديات وارتفاع درجة الحرارة، ما شجّع الحشرة على الزحف أكثر خلال الأشهر والسنوات الماضية، حيث تم إحصاء 75 نقطة سوداء مسّت 35 بلدية معظمها أماكن وعرة ومسالك صعبة، وقد تم اتخاذ إجراءات استباقية من خلال وضع أحزمة أمنية بالمناطق الشرقية بعدما تم اكتشاف بؤر جديدة تزحف نحو مناطق بشرق الولاية منها بني وارسوس، عين يوسف التي مسّها هي الأخرى هذا الوباء بهدف الحد من انتشاره بالمناطق الغربية والشرقية والشمالية.

أفراد الجيش يساهمون في مكافحة الوباء
وحسب المعلومات التي بحوزتنا، فإن أفراد الجيش الشعبي الوطني بالحدود الغربية أخذوا على عاتقهم مكافحة هذه الآفة بالشريط الحدودي منذ اللحظات الأولى لاكتشاف هذا الوباء البيئي، أين يتم بذل مجهودات كبيرة من أجل اقتلاع وردم النباتات المتضررة، وتم التحكّم نهائيا في البؤر المتواجدة بالشريط الحدودي والقضاء عليها بشكل ملموس، ولا تزال الجهات الأخرى تعمل، من جهتها، كل وفق إمكانياته، على محاربة انتشار هذه الحشرة التي تزحف بشكل سريع جدا “ملتهمة” مساحات أخرى ومخلّفة أضرارا كبيرة.

الاستعانة بكائنات تتغذى على الحشرة القرمزية
وتبقى مكافحة هذا الوباء تنحصر في قلع وردم النباتات المتضررة، في ظل غياب بدائل أخرى، حيث يستحيل للمبيدات القضاء عليه، ويبقى الحل الوحيد هو جلب كائن بيولوجي (حشرة) أخرى طبيعية أو ما يمكن تسميته بيولوجيا “العدو الطبيعي” ليتغذى من الحشرة القرمزية، وهو ما خلصت إليه معظم نتائج البحث لدى عديد الخبراء في الدول المتضررة، كما هو الشأن في فلسطين وغيرها من الدول الأخرى، حيث لا تعد الجزائر البلد الوحيد المتضرر من هذه الحشرة، بل يوجد هناك العديد من البلدان، على غرار بلدان شمال إفريقيا، ودول في شرق آسيا وبلاد الشام بما في ذلك دول أوروبية وأخرى بأمريكا الجنوبية.
وإذا كان الكثير من المواطنين تجنّبوا تناول التين الشوكي (الهندية) بسبب تعرضها للضرر، غير أن عديد الدراسات التي تناولت هذا الوباء الإيكولوجي، طمأنت على أن هذه الحشرة ليس لها أي تأثيرات على صحة الإنسان والحيوان، كون الحشرة القرمزية تفرز مادة “الكارمين” التي تستعمل في المستحضرات التجميلية التي يستعملها الإنسان، ومادام أن هذه المستحضرات التجميلية المصنوعة من مادة تفرزها هذه الحشرة غير مضرة، فبالتالي، لا يوجد أي ضرر ناتج عنها، كما تضمنته نتائج مخابر بحث عالمية، وبالرغم من هذه التطمينات، إلا أن المواطنين بالجهة الحدودية يفضّلون تطبيق قاعدة “الوقاية خير من العلاج”.

مخاوف من انتشار الحشرة إلى مناطق أخرى
وتبقى المكافحة الإجبارية هي الحل الوحيد في الوقت الراهن، غير أن ذلك يتطلب تكاثف كل الجهود بين السلطات الرسمية والمواطنين على حد سواء، للحد من زحف هذه الآفة إلى مناطق أخرى من الوطن، خاصة وأن العديد من المزارعين بالشرق الجزائري، استحدثوا مستثمرات فلاحية تستثمر في ثمرة التين الشوكي، عكس ولاية تلمسان التي تبقى ثمرة التين الشوكي ونبتة الصبار تنبت بشكل عشوائي وبطريقة طبيعية دون الاهتمام بها كمورد استثماري مهم، حيث يفضّل ممتهنو الفلاحة بالحدود الغربية وباقي مناطق ولاية تلمسان، استعمالها كحزام غابي لحماية أراضيهم الفلاحية من زحف الأتربة والزواحف، واعتمادها كواق لألسنة النيران باعتبارها نبات مقاوم للحرائق.
فيما تبقى ثمرة التين الشوكي لدى الكثير من الفلاحين والمواطنين مصدر رزق موسمي مهم، حيث يعمد الكثيرون على قطفها وبيعها في الأسواق وعلى حواف الطرقات باعتبارها فاكهة الفقراء الأولى في موسم الصيف.
ورغم كل هذه الظروف، تبقى فاكهة الفقراء تستعرض إغراءها بالأسواق وعلى جنبات الطرق الولائية والوطنية، تستقطب إليها المارة، ولا يزال “الصبار” واقفا بكثير من الشموخ يعطي أكله من ثمار التين الشوكي بالمساحات التي لم يمسسها هذا الوباء القادم من المغرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عبدالسلام

    الحشرة القرمزية دخلت للمغرب عن طريق اسبانيا التي بدورها دخلت اليها من امريكا اللاتينية ،لقد دمرت هده الحشرة نبتة الصبار في المغرب دمارآ شاملآ وفي ظرف وجيز محاربة هدا الوباء صعب جدآ جدآ واظن انها ستواصل انتشارها في منطقة المغرب الكبير

  • مصطفى

    انا مغربي رجاءا حاربوا هذا الوباء بكل ما اوتيتم من قوة حتى لا تندموا فقد دمر المسؤولون المغاربة الصبار المغربي عن آخره وشكوانا الى الله عز وجل واليوم يباع ب50درهم الكيلو