الزواج “المتسرع”.. أقصر طريق إلى الطلاق

لا يزال ارتفاع معدلات الطلاق يثير الكثير من التساؤلات في الجزائر، حول الأسباب التي تهدد أقدس علاقة وصفها الله في كتابه بالميثاق الغليظ، وما ينجر عنه من تفكك للأسر وضياع للأطفال وهدم لقيم وأسس المجتمع، وما يثير التخوفات هو تزايد نسب الانفصال في الزيجات الجديدة التي سرعان ما تنهار خلال الأشهر والسنوات الأولى من الزواج، وهو ما يتطلب بحسب المختصين الكثير من الدراسات المعمقة لوقف تسونامي الطلاق في الجزائر بمعدل حالة طلاق كل 8 دقائق..
في هذا السياق، أكدت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة شائعة جعفري في تصريح لـ”الشروق”، أن الكثير من الشباب اليوم باتوا يتسرعون في بناء علاقات سطحية مع فتيات تتوج سريعا بالزواج، دون تحديد أهداف ومعايير أخلاقية لاختيار شريك العمر، حيث يكثر حسبها في مرحلة الخطوبة أو التعارف “ارتداء الأقنعة” حيث تظهر الفتاة بمظهر ملائكي وجمال مصطنع فيه أظافر وأشفار وعيون مصطنعة.. بينما يسرف الشاب في إعطاء الوعود والعيش في أحلام وردية والتأثر بالمسلسلات التركية، “ولكن بعد الزواج يصدم الزوج بالوجه الحقيقي لزوجته من حيث الجمال وحتى الطباع وهذا ما يجعله يمل وينفر منها وأمام أبسط مشكل تنهار العلاقة الزوجية..”
نعاني من مشكل الزواج المتسرع وليس المبكر
وقالت جعفري إننا اليوم نعاني من الزواج المتسرع وليس الزواج المبكر، فالأخير كان رائجا في الجزائر في الماضي “حين كان آباؤنا وأجدادنا يتزوجون في سن مبكرة غير أنهم كانوا ناضجين وقادرين على تحمل المسؤولية ولم تكن حالات الطلاق منتشرة مثل اليوم أين تأخر سن الزواج وبالرغم من ذالك تزايدت معدلات الانفصال بسبب التركيز على الماديات ونقص الوازع الديني والأخلاقي”.
وأضافت محدثتنا أنه في الوقت الحالي يتم الزواج بسرعة، بسبب التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ووجود شباب وشابات ينتظرون الزواج كحل لتغيير حياتهم وتضيف “يرافق ذلك بعض الاستخفاف، لتغير نظرة الشباب للزواج، فهو فرصة بحسبهم لتقليد أعمى لحفلة صاخبة والمقارنة بالآخرين والهيام بالأحلام، وهو وسيلة للتخلص من قيود الأهل وسيطرتهم، والحلم بحياة رومانسية مع شخص مثالي يحقق لهم أمنياتهم، فلابد من أن يكون القرار واقعيا جدًا لمن يقدم على الزواج ويلم بواجباته تجاهه”.
وشددت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة أن نجاح الزواج يتطلب العديد من المحاولات ومزيدًا من الوقت، ونضجًا وقدرة على التحمل، حتى يتم تقبل الاختلافات بين الطرفين والتعايش معها، وينمو ويكبر الحب والمودة بينهما، وهذا لا يتم بسرعة ويحتاج إلى فترة زمنية أطول للتعارف والدخول في نقاشات وتدارس الأحوال والتعرف على المقربين من الطرفين، ولكن مع كل ذلك قد يقع الطلاق، فالزواج يقود إلى تغييرات جذرية في الحياة، لذلك من المهم التفكير فيه بروية وجدية حتى لا يتم اكتشاف الحقائق بعد فترة لافتقار الطرفين إلى الحنكة.
وشرحت جعفري أن كلامها لا يفهم منه إطالة فترة الخطوبة من أجل التعارف، بل التروي في اختيار الشخص المناسب والعائلة المناسبة بتفكير الرجل بحسن اختيار أم وأخوال لأبنائه بدل التسرع في علاقات طائشة تتوج بزواج فاشل..
سوء الاختيار.. خطأ ندفع ضريبته مدى الحياة
وأضافت رئيسة المرصد الجزائري للمرأة أن سوء اختيار الشريك غير المناسب هو خطأ يدفع ضريبته الزوج أو الزوجة مدى الحياة، خاصة عندما يقع الطلاق بوجود أولاد، حيث يعيش الصغار طفولة غير سوية يكونون فيها مشتتين بين الأب والأم، وهذا ما يؤثر على تنشئتهم الاجتماعية ويهددهم بسلوكيات غير سوية للأولياء الذين يجعلون من الأطفال وسيلة للانتقام وتصفية الحسابات، فتقع المشاكل عند الزيارات الأسبوعية والعطل والمناسبات وهو ما يجعل جميع العائلة مشتتة وتعيش أجواء توتر قد تساهم في انحراف الأطفال مستقبلا..
غياب نصح الأولياء والاستشارة زاد من الاختيار الخاطئ
وبدورها، أكدت الأستاذة في علم الاجتماع بجامعة الجزائر، آمال حاجة، أن غياب دور الأولياء والاستشارة في اختيار شريك العمر زاد من حالات الطلاق بسبب الاختيار الخاطئ الذي تبدأ نتائجه خلال الأسابيع الأولى من الزواج، فيكتشف الزوج الكثير من السلبيات التي كانت مخفية في زوجته والعكس صحيح، فتكثر بحسبها الصدامات والشجارات التي سرعان ما تنتهي بالانفصال، وأضافت محدثتنا أن الزواج كان في السابق نادرًا ما يتم من شخص بعيد عن العائلة، ولكن اليوم بات الجميع غريبًا، ولا بد من التروي قبل عقد القران للتعارف الإيجابي، والتأكد من سلوك الطرفين والتعرف على أهل وأصدقاء الطرفين، فلا بد من توعية الشباب واللجوء إلى استشارة المختصين وعدم التساهل في الخروج من الزواج بالطلاق، لما يتركه من أثر سلبي على الطرفين، ويسبب هدرًا ماديا ومعنويًا وزمنيًا للطرفين، كما يعود بالسلبيات على المجتمع لما ينتجه من أطفال مشردين وممزقين ويتم استغلالهم في تصفية الحسابات بين الرجل وطليقته.
ولا يمكن، بحسب الدكتورة حاجة، أن نتناسى التغيرات الاجتماعية السلبية من ازدياد نسب الإدمان والتستر عليه وتعاطي المخدرات والانشغال الزائد بالاهتمامات الشخصية لكل طرف أكثر من المسؤوليات المطلوبة للعائلة والأسرة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والدراسة والعمل، وعدم الفهم العميق للأسرة وتغير النظرة والمفاهيم عن كل دور يقوم به كلا الطرفين مع نقص الوازع الديني لهما وتبني مفاهيم خيالية للواجبات والحقوق، ونبذ كل ما هو تقليدي ومحترم والجري وراء بعض الشذوذ والأفكار العصرية التي لا تبني أسرة، ولكن تستنزف قدرات الأفراد والمجتمع.
ونصحت الدكتورة آمال حاجة في ختام كلامها بعدم التسرع في الزواج، بحجة ارتفاع معدل السن والحب الأعمى، والخوف من استنفاد وقت الانتظار والرفض لدى الطرفين لوقت طويل، فلا بد من توفر العزيمة على الزواج، “فكما يوجد تجارب ناجحة في الزواج السريع، يوجد أيضًا تجارب أخفقت بسبب عدم تعرف الطرفين على بعضهما البعض، فهما من سيقضيان حياتهما بحلوها ومرها معًا، وكثيرًا ما يُكتشف تباعد في الطباع مثل مستوى الحرية أو التمسك بالعادات والتقاليد”.